خير الزوجات 

القاضي شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم

سيدٌ مِن سادات التابِعين، وفقيه مِن أبرَز فقهائهم، عظيمُ القدْر، وافِر العِلم، رفيع المنزلة، محوطٌ من الجميع بالتجلَّة والتوقير والاحتِرام، وكان إلى ذلك، أعلمَ الناس بالقضاء، ذا فِطنة وفراسة وذكاء نادِر، وعقل راجِح، ورأيٍ صائب، أدرَك الجاهليَّة، ثم أسلم وحَسُن إسلامه، وتفقَّه فبلغ الغاية أو جاوَزها، ورأَى فيه أمير المؤمنين عُمر بن الخطاب – رضي الله عنه – مِن صفات القاضي العادِل، ما جعَله يَستقضيه، فولاه قَضاء الكوفة، ومكث قاضيًا عليها خمسًا وسبعين سنة، لم يُؤثَر عنه في أثنائها أيُّ مَيل أو زيغ، ولم يتعطَّل عن القضاء في هذه المدة إلا في ثلاث سنين، امتنَع مختارًا من القضاء في مِحنَة ابن الزبير، فطلب إلى الحجاج أمير العِراق وقتئذٍ أن يُعفيه فأعفاه، ولم يقضِ بعد ذلك بين اثنَين حتى مات، وبارَك الله له في عُمرِه ومدَّ في حياته، حتى جاوَز المائة، ومات – رحمه الله – سنَة سبع وثمانين للهِجرة.

ذلكم هو القاضي الفاضِل: شُريح بن الحارث بن قيس بن الجَهْم، وهو كنديٌّ، وقد عرَف الناس فيه مِن أصالة الرأي، وبُعْد النظر – ما جعَلهم لا يَصدُرون عن أمر ذي بال إلا بعد مشورته، وكان إذا أشار بالرأي، فالقول ما قال، والصواب ما رأى.

رُوي أن زياد بن أَبِيه، كتب إلى معاوية:

“يا أمير المؤمنين، قد ضبْطتُ العِراق بشمالي، وبقيتْ يَميني لطاعتك، فولِّني الحجاز”، وكان زياد جبارًا قاسيًا لا تجد الرحمة إلى قلبه سبيلاً، فبلغ ذلك سيدَنا عبدَالله بن عُمر – رضي الله عنهما – وكان مقيمًا بمكة، فقال: “اللهم اشغَل عنَّا يَمين زياد”، فلم يلبث أن أصابه الطاعون في يده اليُمنى، فجمَع الأطباء واستَشارهم، فأشاروا بالقَطع، فاستدعى القاضي شُرَيحًا، وعرَض عليه ما أشار به الأطباء، فقال له: “لك رِزق معلوم، وأجل مقسوم، وإني أكره أن تعيش في الدنيا بلا يَمين، وإن كان قد دَنا أجلك أن تلقى الله مقطوع اليد، فإذا سألك: لم قطَعتَها؟ قلت: بغضًا في لقائك، وفرارًا من قضائك”، ثم لم يَعِشْ بعد ذلك إلا يومًا، وقد لام الناس شُريحًا على منعِه مِن القطع؛ لبُغضِهم له، وتشفيًا فيه؛ إذ كانوا يُحبون أن يذوق من العذاب ما كان يذيقه غيره من الأبرياء، ولكنَّ شُريحًا يقول لهم: إنه استشارَني، والمُستَشار مؤتمن، ولولا الأمانة، لوَددِت أنه قطَع يده يومًا، ورجله يومًا، وسائر جسدِه يومًا يومًا.

واستشارَه صديقه العلامة الجليل القدْرِ الكوفيُّ التابعيُّ أبو عَمرو عامر بن شُرَحْبيل، المعروف بالشعبيِّ، استشارَه حين همَّ بالزواج، فقال له: “لا تَعْدُ نساء بني تميم، وعليك بهنَّ؛ فإني رأيت لهنَّ عقولاً وأدبًا وعِفَّةً وحسْن تبعُّل وطاعة”، وكان شُريح قد أصهَر في بني تميم، ساقَ إليه القدر زوجَه على غير سابق مَعرِفة، وخَبرُ ذلك أنه أقبل ذات يوم مِن جنازة وقت الظهيرة وقد اشتدَّ الحرُّ وانتعل كل شيء ظلَّه، ومرَّ في طريقه بدار مِن دور بني تميم، وإذا هو بعجوز على باب دارِها، وإلى جانبها فتاة بارِعة الجمال، ذات رُواء، تَفتِن الناظر، فعدَل عن الطريق، ومال نحو العَجوز، وتعلَّل بطلب شربة ماء، وأغلب الظن أنه أراد أن يعلَم شيئًا عن الفتاة، ولكنَّ العجوز تقول له: أي الشراب أحبُّ إليك؟ قال: ما تيسَّر، قالت العجوز: ويحك يا جارية، ائتيه بلبن؛ فإني أظنُّ الرجل غريبًا، وفرصة انتهَزها، فسأل: مَن تكون هذه الفتاة؟ قالت: هي زينب بنت جرير، إحدى نساء بني تميم، قال: أهي فارِغة أم مشغولة؟ قالت: بل فارغة، قال: أُتُزوِّجينيها؟ قالت: إن كنتَ كفْئًا لها، وجاء اللبن، فشَرِبه شُريح، وانصرف مُفكِّرًا إلى داره، ليأخذ حظَّه من نوم القائلة، ولكن الفتاة تقَع مِن قلبه فامتنعَت عليه القائلة، فنهَض وصلى الظهر، وارتدى ثيابه، وقصد جماعةً مِن العرب الأشراف، وأخذ بأيديهم، يَبتغي يد عمِّها، واستقبَلهم العمُّ، وقال: ما شأنك أبا أمية؟ قلتُ: زينب ابنة أخيك، قال: ما بها عنكَ رغبة، ثم زوَّجَنيها.

قال الشعبي: ذلك إليك الآن يا أبا أمية، فلتَخترْ لي مِن نساء أصهارك بني تميم، مَن تراها صالِحةً، وأنا راضٍ عما تفعل، فقال شريح: لئن كان في بني تميم مَن تكون فارِغة وتَصلح، فأنت مِن المحظوظين، وعلى الله التُّكلان، ومنه التوفيق، قال الشعبي: كلامك يُنبئ عن حظوتك بزوجتك التميميَّة! قال: هو ذاك، ولكن لا أُخفي عنك، أني ندمتُ حين صارَتْ في حبالي؛ لأني تعجَّلت، وذكرتُ كبرياء نساء بني تميم، وراودَتْني نفسي أن أُطلِّقها، ثم اعتزمت الدخول بها، فإن رأيت حسنًا وعَلِمتُ ما أحبُّ، أمسكتُها، وإلا فارَقتُها، وقد كان ندمي في غير محلِّه، فلو رأيتَني يا شعبي، وقد أقبلتْ نساء بني تميم يحطْنَ بها حتى أَدخلْنها عليَّ، لرأيت ما يسرُّ الخاطِر، ثم قمتُ – عملاً بالسنَّة – فتوضَّأت وصلَّيتُ ركعتَين، فقامت هي الأخرى فتوضَّأت وصلتْ ركعتَين، ثم أقبلتْ جواريها فأخذْن ثيابي وألبسْنَني ملحفَةً قد صُبغتْ بالزعفران، فلما خلَونا مددتُ يدي إليها، فقالت: على رسلك، وكان مما قالت: إني امرأة غريبة عنك، لا عِلم لي بأخلاقِك، فبيِّن لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأجتنِبه، فإنه كان لك في قومك مَن تتزوَّجها، وكان لي مَن أتزوجه من قومي، ولكنْ إذا قضى الله أمرًا كان مفعولاً، فاصنع ما أمرَك الله به، إما إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، وقد أحوجَتْني بذلك – يا شعبي – إلى القول، فقلت: إنكِ قد قلتِ كلامًا إن ثبتِّ عليه، يكن ذلك حظًّا لي، وإن تَدَعيه يكن حجَّةً عليك، أحبُّ كذا، وأكره كذا، وما رأيتِ مِن حسنة فاذْكُريها، وما رأيتِ من سيئة فاستُريها، قال: كيف محبَّتك لزيارة أصهارك؟ قلت: ما شاؤوا، وما أحب أن يَملَّني أصهاري، قالت: فمَن تحبُّ مِن جيرانك ومَن تكره؟ قلت: قوم فلان صالِحون، وبنو فلان قوم سوء.

وكانت والله – يا شعبي – أنعم ليلة بتُّها، وأعجب مِن ذلك أن أمَّها لم تَزرْنا إلا على رأس الحول؛ حيث جئتُ من مجلس القضاء، ودخلتُ الدار، فإذا أنا بعجوز تأمُر وتنهى، فسلَّمتُ، فردَّت السلام، ثم أقبلتْ فقالت: كيف رأيتَ زوجتك؟ قلت: خير زوجة، وأوفَق قرينَة، لقد أدَّبتِ فأحسنْتِ؛ فجزاك الله خيرًا، ثم اسمَع يا شعبيُّ وصيَّتها لي: قالت: يا أبا أمية، إن المرأة لا يُرى أسوأ حالاً منها إلا في حالتَين: إذا ولدت غلامًا، أو حظيتْ عند زوجِها، فإن رابَك مريبٌ، فعليك بالسَّوط؛ فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم أشرَّ من الروعاء المُدلَّلة، وكانت تأتيني على رأس كل حول وتوصيني بهذه الوصية.

قال الشعبي: وأنَّى يكون لي بمثل هذه؟ إنها مِن النادِرات! قال شريح: خارَ الله لك، ووفَّقك إلى مثلها – إن شاء الله تعالى.

__________________
بواسطة:

عبدالرحمن الضبع.

__________________
رابط الموضوع:

https://www.alukah.net/social/1030/61399/خير-الزوجات/

زوجي يتدخل بكل شيء 

الاستشارة: 

أعاني من كثرة متابعة زوجي لي وللأولاد.. يسأل عن الشاردة والواردة.. ويتدخل بكل شيء حتى لو لم يكن من اختصاصه، يوجهني في الطبخ وفي الكي وفي الترتيب، ويصل لدرجة أنه ينقد طريقتي بالتربية وبأمور غيرها حتى أمام أولادنا..

فماذا أفعل؟؟

المعالجة: لا شكَّ في أنك تعانين كثيرًا من هذه المتابعة المتواصلة التي لا تهدأ، كما تعاني منها زوجات كثيرات، وخاصة أولئك اللواتي يطيل أزواجهن مكثهم في بيوتهم، ويقل خروجهم منها، ولا يطيلون غيابهم عنها.

ولهذا فإن التوجيه الأول لك هو إغراء زوجك للخروج من بيته، حتى يبتعد عنك، ويبتعد – من ثَمّ – عن مراقبتك ومتابعتك والتدخل في أعمالك ونقدها، فترتاحي من لومه ونقده وأسئلته الكثيرة.

وعليه فإني أنصحك ألا تمنعيه من لقاء أصدقائه خارج بيته والسهر معهم حتى لا تكوني أنت من تجلبين إلى نفسك ما تشتكينه وترجين ارتياحك منه حين تبدين ضيقك من كثرة خروجه من البيت وطول غيابه عنه.

ومما يمكنك به إخراج زوجك من البيت طلباتك منه شراء سلع وإنجاز معاملات واصطحاب أولادك للطبيب أو لغير ذلك من الأسباب.

ومما أقترحه عليك أيضًا أن تنتقدي بعض أعمال زوجك خارج بيته أحيانًا فإذا اعترض عليك نقدك واستنكر تدخلك في عمله ابتسمي بلطف وقولي له: هكذا أنا أيضًا أضيق بتدخلك في أعمالي.

كذلك احرصي على موافقته على ما يوجهه لك من نقد بقولك: إن شاء الله أفعل. والغاية من ذلك منعه من استمراره في النقد وقفل باب الجدال الذي يمكن أن يتطور ويتعقد حين ترفضين نقده وتستنكرينه عليه.

وقد ينفع أحيانًا أن تطلبي منه أن يفعل أمامك ما يوصيك بفعله وأنت غير مقتنعة بصوابه ليرى بنفسه صعوبته أو عدم جدواه أو عدم صوابه.

وأرجو أن لا تنظري برفضٍ لكل ما ينقدك زوجك عليه، فقد يكون فيه فائدة لك وتصحيح لبعض أخطائك في التعامل مع بعض الأشياء أو القيام ببعض الأعمال، ولعل استقبالك لملاحظاته بهذه الروح يخفف كثيرًا مما تشعرين به من ضيق.

ولا بأس من جلسة مصارحة مع زوجك، تختارين لها وقتًا مناسبًا وحالًا ملائمًا تصارحين خلالها زوجك بما تعانينه من كثرة متابعاته وتدخلاته وأسئلته في شفافية ومودة.

______________________________
بواسطة :

محمد رشيد العويد

______________________________

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/social/0/61521/

الأسرة المباركة 

في بَيْتِهمُ الواسِعِ الذي تسمع فيه صدى صوتِكَ بكل وضوحٍ، أسرةٌ كخَلِيَّةِ نَحْلٍ في نشاطها ودَأْبِها اليوميِّ، نظامٌ وترتيبٌ أضافت إليه نشاطًا في العبادة، دومًا يُوقِظ أحدهم الآخَر لأداءِ صلاةٍ، أو حثٍّ على تلاوةِ قرآنٍ، أو تَدَارُسِ موعظةٍ في الإسلام.

عندما تقع عينُك على أحد أفرادها تستَشِفُّ رُوح الإيمان ونورَ اليقين، رائحةُ المسك العَبِقَةَ تفوح من ملابسهم الطاهرة، والابتسامة المضيئة تكتسي بها وجوههم النيِّرة، قد أنزل الله عليهم سكينته وحفَّهم ببركته.

هما الأبوان اللذان أخذا بزمام الأمور منذ البداية، لقَّنُوا أبناءهم آثارَ التديُّن وحُسْنَ القِيَم، زَرَعَا خيرًا، فلم يحصدَا إلا خَيْرًا، غرسوا في أبنائهم القيم الخيريّةَ منذ نعومة أظفارهم، صفحاتُهُم الناصعةُ البياضِ خطُّوا عليها أجمل سِيَر الأجداد، وكل ذلك كان بتيسيرٍ من الله فَطُوِّعَت لهم نفوسُ أبنائهم.

الأسرةُ في الإسلام قِوَامُ المجتمع، ونواتُه الغَضَّة المغذِّيَة، إن سقيناها واعتنينا بمنبتها، نَمَتْ وأنشبت جذورًا ممتدة في الأرض، بِوَعْيٍ مِنَ الأب والأم لدورهما الْمَنُوطِ بهما، تبحرُ سفينةُ الأسرة بكل أمان في معترَكِ هذه الحياة، هذان الأبوان صانا أسرتهما الفتيَّةَ منذ البداية، بمبادئ تتشوق إليها كل نفس نقيَّة.

البناءُ الأسري في الإسلام ضرورة لا غِنى عنها، إن أردنا فِعْلاً أن يعود مَجْدُ أمتنا الضائع، فَلْنَبْدَأْ إذًا بإصلاحِ النواة الأولى للمجتمع، فلا سبيل لنا لعودةٍ وأَوْبَة إلا بردِّ الاعتبار لهذه اللَّبِنَةِ الأساسيّة، أُمَّتُنَا خيرُ أمة أُخْرِجَتْ للناس، وترابُطُ أُسَرِهَا من أهم مَيْزَاتِها، علينا أن نُعيدَ جذوتَها، ونُحْيِيَ قِيمًا قد خَفَتَ بَريقُهَا.

_____________________
بواسطة:

أسامة طبش

_____________________
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/social/0/61919/

سر صديقي الذي غير حياته الزوجية 

في جلسة هادئة قال لي صاحبي: بعدَ أكثرَ من خَمسَ عشرةَ سنةً في الزَّواج عرَفت سرًّا عظيمًا من أسْرار السَّعادة الزَّوجيَّة، وعامِلا مهمًّا من عوامل الاستِقْرار الأسري.

قلت: هاتِ، فكلّ الأزْواج – إلاَّ النَّادر – يَنشُدون السَّعادة الزَّوجيَّة ويَحلمون بالاستِقْرار الأسري، فلعلَّك تأتي بما لَم يأتِ به الأوائِل، فتأخذ أَجْرَه وأجْرَ مَن عمِل به.

قال: قبْل أَن أُطْلعك عليه لا بدَّ من ذِكْر مقدِّمتين مهمَّتين:

الأولى: إنَّ أيَّ وسيلةٍ وطريقة للبحْث عن السَّعادة الزَّوجيَّة أو غيرِها دون تقْوى الله وطاعتِه وتجنُّب معصيته – هي وإن حقَّقت ما يبدو أنَّه سعادة؛ لكنَّها في الأخير لا تحقِّق السَّعادة الحقيقيَّة والكاملة، وقبل ذلك لا تدوم لصاحبِها؛ فمنشأ السَّعادة الأوَّل هو تقْوى الله ومراقبته في السّرّ والعلَن.

الثَّانية: قبل أن أصِل إلى معرِفة السّرّ مررتُ بِمراحل خلال تلك السَّنوات في حياتي الزَّوجيَّة، ألخِّصها لك في كلِمات لارتباطها بالوصول إلى السّرّ، فأعْطِني سمعَك وقلْبَك وصبرَك.

تزوَّجت بطريقةٍ عادية وكما هي عادة مُجْتمعي، اختار أهْلي البنتَ فعرضوها عليَّ فوافقْتُ، وتمَّ – بِحمد الله – الزَّواج، وبدأْنا حياة عاديَّة ككلِّ الأزْواج، إلاَّ أنّي بعد فترة قريبة من زواجي وبعد ذهاب نشوةِ اللّقاء الأوَّل والأيَّام الأولى، بدأتُ أشعر بالبرود العاطفي نَحو زوْجتي وبِجفاف العاطفة نحوها، حتَّى إنّي كنت على استِعْداد لترْكِها والبحث عن غيرِها إن وجدتُ سببًا يبرِّر موقفي عند الأسرة والمجتمع.

كانتْ زوْجتي عاقلةً وصابِرة، شعرت ببرود عاطفتي نحوَها فكتمَتْ أمرَها وصبرتْ، وجاهدتْ في أن تحصُل على حبّي لها، أمَّا هي فقد أحبَّت بكلِّ طاقتها لأنَّها – كما هي عادة مُجتمعي – لا تعْرِف أحدًا غيرَ زوْجِها، فعندما تلتقي به مِن أوَّل لحظة يُصادف فيها قلبًا خاليًا فيتمكَّن منها، وتُسلمه قلبها فلا تحبّ غيره.

سنون كسني يوسف مرَّت بها زوجتي، وهي كلَّ يوم تتجرَّع الألَم وتعيش الخوف، وتنتظِر بين لحظةٍ وأُخرى متَى يقع الفأس على الرَّأس ويتخلَّص منها مَن لا يُحبّها.

جاء الأبناء فكانوا سببًا قويًّا ومفرحًا في نفس الوقت لبقاء الزَّوجة وإن لم تكن مَحبوبة، إلاَّ أنَّ عِشْرة السّنين وتأكيد ذلك بالأوْلاد قوَّى أن تبْقى الزَّوجة ولا داعيَ لترْكِها.

لكنَّها ظلَّت قلِقة من أن يأْتي زوجُها بأخرى يحبُّها، ولَم يُغادر الخوف قلبَها؛ فهي وإن ضمِنَت البقاء لكنَّها لا تأمن الضرَّة، وأخوف ما تَخاف منه أن تأْتي أُخرى محظوظة عند زوجِها فتضيع حياتها وتعيش جحيمًا مضاعفًا.

أمَّا السر فأقول لك وبصراحة: إنَّ صبر زوْجتي وحِرصها عليَّ – رغم جفاف عاطفتي – كان عامِلا مهمًّا من عوامل اكتِشاف السر، وذلك أنّي – وفي فترة مراجعة لعلاقتي الزَّوجيَّة، وجلسة مصارحة مع النَّفس – وجدت أنّي أحرم نفسي السَّعادة بنفْسي، وأعيش مهمومًا أو على الأقلّ زواجًا عاديًّا وأنا السَّبب.

وجدتُ أنَّ زوجتي تحبُّني أشدَّ ما تحبُّ النِّساء الرِّجال، ووجدتُني لا أُبادلُها تلك العلاقة أو حتَّى بعضها، فقرَّرت أن أغيِّر من موقفي، ولأنَّ السنين تَمضي وأنا أعيش حياة جافَّة، ولم أعرِف ما يتحدَّثون عنْه من رومانسيات الزَّواج ولذَّات العلاقة الزَّوجيَّة والحبّ الزَّوجي .. و .. و…

قرَّرت أن أحبَّ زوْجتي، وأن أُبادلَها شعورها، لم يكن قرارًا صعبًا؛ لكن الأصعب هو تطبيقه!

لا أُخفيك، بدأت متكلِّفًا لكنّي – والله – شعرتُ بأثرِه على حياتي من أوَّل موقف على بساطتِه، ولا أنسى ذلك الموقِف ما حييت إلاَّ أن يشاء الله.

وقد أخبرتْني زوجتي فيما بعد بِسعادتِها في تلك اللحظات بِما لم أكن أتوقَّع، ومنْه عرَفت معاناتَها في سنين غابرة.

المهمّ يا عزيزي بدأتُ أُمارس الحبَّ متكلِّفًا، وأُحاول الضَّغط على نفْسي في القِيام بأدْوار رومانسيَّة مختلفة، وتدريجيًّا وقعتُ في فخّه وأحببت زوْجتي حبًّا حقيقيًّا، واكتشفت كمْ خسرتُ من نعيم خلال تلك السَّنوات العِجاف وكان بيَدي ألاَّ أخسر، وتغيَّرت مشاعري نحوَها، ومع الأيَّام بلغتُ مبلغًا لا أستطيع وصْفه.

صديقي: بعد أن شعرتْ زوجتي بالأمان، وعرفتْ حبّي لها وأنَّه صادق، ظهر منها ما لَم يكُن بالحُسْبان ولا يخطر لي على بال.

تغيَّرت بدرجة كبيرة، ورغم أنَّها كانت محبَّة وذات دلال من قبل، إلاَّ أنَّ الخوف والقلق منعاها من كثيرٍ من الإجراءات والإبداعات.

فلمَّا أمِنتْ ولمَّا حصلتْ على الحبّ والأمان الأسري، أبدعتْ أيَّما إبداع، سواء في علاقتِها معي أو مع الآخَرين من حولي، أو حتَّى مشاركاتها الدَّعويَّة وفي تربيتها لأوْلادها، وفي علاقاتها الاجتماعيَّة، حتَّى غدت واحدةً من أهمّ نساء مجْتمعها، ولم تكُن كذلك من قبل، وإن كانت مثقَّفة وبنفس المستوى من قبل.

وأصبحت تتحدَّث في مجالس صديقاتِها عن زوجِها بكلّ ثِقة، وتفْخر به وبعلاقتها معه وبتعامُله معها، ولم تكن تفعل ذلك من قبل لخوفِها ممَّا تُخفيه الأيَّام.

السّرّ يا عزيزي – حتَّى لا يطول انتِظارُك – أن تُعطي المرأةَ الحبَّ والأمان، وستُعْطيك أكثر ممَّا تتوقَّع من السَّعادة والاهتِمام.

أعطِها الحبَّ ولو أن تتكلَّفه تكلُّفًا في البداية – وطبعًا ما أصعب أن تتكلَّف الحبَّ – لكنْ – وعن تجرِبة صدِّقْني – ستجْني منه ثمارًا طيّبة وحياة هانِئة، لا يعرفها إلاَّ مَن ذاقها، وما كلّ ذوق قابلاً للوصف.

تركتُه يتكلَّم منتشيًا كأنَّه يتلذَّذ بِما يعيش في تلك اللَّحظات والجلسات الرّومانسيَّة، فتركتُه يكمل حديثَه ويعيش نشْوَته، ولكن بعد الوصول إلى السّرّ لم يأتِ بِجديد يهمّ في هذا المقام، فلا حاجةَ لنقْل الحوار، غير أنّي أجدُني محتاجًا للتَّذكير بهذا السّرّ الَّذي جاء بعد تجرِبة عاشها؛ وهو أنَّ المرأة إذا شعرت بالحبّ الصَّادق من زوجِها، والأمان من أن يقْلب حياتَها إلى جَحيم في يومٍ ما بلا سبَب.

إذا حصلت المرأة على الحبِّ والأمان، أعطت ما لا يكون في الحسبان.

نسأل الله أن يرزُق كلَّ زوجين السَّعادة، والألفة والمحبَّة، والبنين والبنات، وأن يوفِّقَهم لطاعتِه ويُجنِّبهم معصيته.

_______________________
بواسطة:

نبيل بن عبدالمجيد النشمي.

_______________________
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/social/0/22341/

أخلاق الأزواج 

يرى بعضُ الرِّجال أنَّ من أحسن الحسن في معاملتهم لنسائهم أن يتَّخِذوا الشِّدَّة سبيلاً إلى إصلاح عِوَجِهنَّ، فيضربونهن ويشتمونهنَّ، أما المرأة فتخيفها الشدة، وتجد ملاحة في السكون؛ خشيةَ ما يصيبها منها، ولكنَّها تفقد زوجها في داخلها، ولا تجد له مكانةً عندها.

ويرى بعضُ الرِّجال أنه لكي يُصلح من شأن زوجته؛ فعليه أنْ يمطرَها من الدعوات السيِّئات ما شاء، أو مِن الدعوات الطيِّبات ما أراد، ثم يقف منتظرًا قَبول هذه الدعوات.

ويرى بعضُ الرِّجال أنه لا سبيل إلى الإصلاح، إلا أن يفيضَ عليها من حُبِّه وإخلاصه لها ما شاء، فيغمرها بهما، ثم لا يجد نتيجة بعد ذلك، إلا أنْ يسرعَ إلى صخرة في ناحية يريد أن يحطِّمَ رأسَه بها؛ تخلُّصًا منها.

وهذه السُّبل كلُّها لا تفيد شيئًا؛ لأن المرأة ليستْ ملاكًا؛ ولكنها إنسان، وهي في صفاتها أشدُّ اختلافًا عن الرجل، وذات عناصر فعَّالة في تكوينها الخلقي.

يقول الأستاذ محمد عبدالعزيز الصدر في كتابه “فن الزواج”: المرأة تتأثَّر بعوامل أعضائها الجسميَّة الداخليَّة، وتفاعلات أعصابها، فتتولَّد عندها نفسيَّات وأخلاقيَّات متأثِّرة بهذه العوامل.

وفي حين أنَّ الرجل يحبُّ في المرأةِ وداعتَها ولِينَها، فإن المرأة تَكْره في الرجل تدخُّلَه في شؤون المنزل، ومحاولته التعرُّف على الدقائق، بأن يدخل إلى المطبخ مثلاً، ثم يأخذ يُمسك اللحم بيده ويزنها، ويتعرَّف مقدار ما في الأوعية، ويسأل عن كلِّ شيءٍ، وأين ذهب؟ ولماذا؟ وهذا الصنف من المعاملة يكون ناشئًا – في الغالب – عن سوء ظنٍّ بالزوجة.

إن الزوجة تكره تدخُّلَ الرجلِ في شؤونها العمليَّة المنزليَّة، ثم تكره منه التخلِّي عنها في الأزمات المنزليَّة التي تحتاج إليه فيها.

وللأخلاق شأنٌ عظيم في الحياة الزوجيَّة؛ فالمرأة تشكو عدمَ اهتمام زوجِها بها، وغضَّه الطرفَ عنها يومًا ما، في حين أن المرأة ترتاح الراحةَ كلَّها أن ترى زوجها يتأنَّق في مَلْبسه ويلبس نظيفًا، وهي تعمل جهدَها في هذه الناحية؛ لأن ملابسه ونظافتها ودِقَّتها إعلانُها الذي تستدلُّ به على نفسها، وهي من جهة أخرى تدلُّ على قِيمة هذا الرجل عند امرأته.

خلاصة القول:

إن على الرجل أن يعلمَ العلمَ كلَّه أنَّ المرأة وقد ربطهما رِباطُ الحبِّ والزواج، فإنها تركتْ أهلها وتَبِعتْه، فليكن حيث تثق به وتعتمد عليه، وليحسن أخلاقه ما استطاع، وليكنْ لَيِّنَ العريكة، حسَنَ الأدب مع الزوجة؛ ففي هذه كلِّها السعادةُ للزوج والزوجة، والأسرة والمجتمع والأُمَّة.

_____________________
بواسطة:

الدكتور/ زيد بن محمد الرماني .

_____________________
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/social/0/22964/