صور لقيمة حسن العشرة

من سيرة السيدة فاطمة رضي الله عنها

العلاقة بين الزوجين بنيانٌ أساسُه المودة والرحمة، عنوانُه الرحمة والحب والفضل، ولا مكان فيها للحقوق والواجبات إلا عند الخلاف فقط، فالأصلُ أن أحكام الزواج والعلاقات الأسرية في الإسلام قائمةٌ على المودة والرحمة والفضل؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، فسَّر الزحيلي هذه الآية فقال: “جعل بدءَ خلق المرأة من جسد الرجل؛ ليتحقَّق الوفاق ويكتمل الأُنس، وجعل بين الجنسين المودة؛ أي المحبة، والرحمة؛ أي الشفقة؛ ليتعاون الجنسان على أعباء الحياة، وتدوم الأسرة على أقوى أساس وأتم نظام، ويتم السكنُ والاطمئنان والراحة والهدوء، فإن الرجل يُمسك المرأة ويتعلق بها؛ إما لمحبته لها، أو لرحمةٍ بها بأن يكون لها منه ولدٌ، أو محتاجة إليه في الإنفاق، أو للألفة بينهما وغير ذلك”[1].

فالزواج في حقيقته عبارة عن شركة بين رجل وامرأة، من أجل بناء الجيل الصالح الذي يعبُد ربَّه، ويبني ويعمِّر الحياة، فأصل الزواج في الإسلام هو حلول المودة والألفة والإيثار بين اثنين، ومن أجل دوام العشرة بينهما جعل الله تعالى لكلٍّ مِن الرجل والمرأة حقوقًا لدى الآخر يجب القيام بها؛ قال تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

في هذه الآية أَمَر الله تعالى الرِّجال عمومًا والأزواجَ خصوصًا بِحُسْن معاشرةِ النساء، والمعاشرة: مِن العِشْرَة، وهي: المخالطة، والمعروف: هو ما عَرَّفه وحدَّده الشارع، وأمَر به من التلطُّف مع النساء، والرحمة بهنَّ، وحُسن الخُلُق معهن، وطِيب القول لهنَّ؛ قال ابن كثير: ﴿ وعاشروهن بالمعروف ﴾؛ أي: طيِّبوا أقوالكم لهنَّ، وحسِّنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعَل أنت بها مثله؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228][2].

وكرَمُ الأخلاق والاحترام والتقدير المتبادل بين الزوجين، أمرٌ مهم لنجاح هذه العلاقة، فالحياة الزوجية من المنظور الإسلامي مبناها التكارم والتذمم ومكارم الأخلاق، فقاعدة العشرة بالمعروف تقوم على ركنين؛ هما: حسن الخلق، والرفق اللذان يزيِّنان كلَّ أمرٍ كانا فيه، ويشينان كل أمرٍ نُزعا منه؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه”[3].

إن قيمة حسن العشرة لها صور كثيرة، ومنها في سيرة السيدة فاطمة:

 صبر الزوجة على حالها مع زوجها، حتى لو كان في ذلك شيءٌ من التَّعب والمشقَّة لضيق ذات يده، وقد ضرَبت لنا سيدةُ نساء العالمين رضي الله عنها مَثَلًا رائعًا في تحمُّل شظَفِ العيش وقلَّة ذات اليد، فهي تصبرُ على الحياة مع زوجها عليٍّ رضي الله عنه رغم قلَّة الزاد واضطرارها للعمل بيَدِها، حتى أتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تَلقَى في يدها من الرَّحى.

ولما تزوج عليٌّ فاطمة رضي الله عنهما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: “أعطها شيئًا”، قال: ما عندي شيء، قال: “أين درعك الحطمية”؟ وقال عطاء بن السائب عن أبيه عن عليٍّ رضي الله عنه قال: جهَّز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خميل وقربة، ووسادة أدم حشوها إذخر[4].

فهذا جهازُ ومهر ابنة أشرف خلق الله كلهم، لم تتشرط، بل تحمَّلت صبر العيش ونالت شرف الصحبة، وكذلك عندما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم لفاطمة: “فقعد بيني وبينها، حتى وجدت برد قدميه على بطني”، وهذا دليلٌ على أن بيت السيدة فاطمة صغير ولم يكفِ لهم الفراش، ومع ذلك صبرت وتحمَّلت فقر زوجها.

 أنْ يؤدي كلٌّ من الزوجين ما له وما عليه من حُقوق، فالزهراء ضربت لنا أروعَ الصور في تأديةِ حقِّها وهي على فراش المرض قبل موتها، لَما مرِضت فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، أتاها أبو بكر يستأذن، فقال علي: يا فاطمة، هذا أبو بكر يستأذن عليك، فقالت: أتحب أن آذَن له؟ قال: نعم، قال الذهبي في “سير أعلام النبلاء”:” عمِلت بالسنة، فلم تأذَن في بيت زوجها إلا بأمره”[5].

• إن الزواج هو مؤسسة اجتماعية بالغة الأهمية في حياة كلِّ رجل وامرأة، تُبنى هذه المؤسسة على الحب والتفاهم والاحترام، والود بين الزوجين؛ حيث يتعاون كلُّ طرف من أجل بناء بيت الزوجية على أُسس وأركان سليمة من الصعب هدمُها، فهي راسخة قوية برسوخ الاحترام والحب المتبادل بين الزوجين.

ونرى ذلك جليًّا عندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة، فلم يجد عليًّا في البيت، فقال: «أين ابن عمك؟»، قالت: كان بيني وبينه شيءٌ، فغاضَبني، فخرج، فلم يقل عندي…”، فاحترام الزوجة لزوجها في غيابه وعدم إظهار عيوبه، من المؤكد أنه لا يختلف اثنان على أنه لا حياة زوجية بدون احترام، فالاحترام بين الزوجين هو قيمة في حد ذاته لا بد من الحفاظ عليها ومراعاتها بغضِّ النظر عن الحب أو الظروف أو الإمكانيات، أو أي شيءٍ، فالحياة التي يُهين فيها أحدُ الزوجين الآخر بالألفاظ والتصرفات، ولا يراعي مشاعره وأحاسيسَه، لا هي حياة ولا هي زوجية، ولا يُمكن أن تستمرَّ، فقيمة حسن عشرة المرأة لزوجها هو القيام بحقوقه على أتمِّ وأكمل وجه، فتُطيعه في غير معصية الله، وتحفَظ ماله وعِرضه، وتقوم على خدمته وتربية بناته تربية صالحة.

إنَّ اجتماع الزوجين على ما يرضي الله تعالى هو أعظم أساس لبناء السعادة في الأسرة المسلمة، فالله وحدَه تعالى هو الذي يؤلِّف بين القلوب ويجمَع بينها، وطاعته لها أثرٌ كبير في سيادة الألفة والمحبة والتوافق بين الزوجين، والمتأمل في الصورة الرائعة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم تبيِّن حلاوة هذه العلاقة: “رحِم الله رجلًا قام من الليل فصلى، وأيقَظ امرأته فصلت، فإن أبَت رشَّ في وجهها الماء، رحِم الله امرأة قامت من الليل فصلَّت، وأيقظت زوجها فصلَّى، فإن أبى رشت في وجهه الماء”[6]؛ كما حث صلى الله عليه وسلم على اتخاذ الزوجة الصالحة التي تتعاون مع زوجها على البر والخير في قوله: “ليتَّخذ أحدكم قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وزوجة مؤمنة تعين أحدَكم على أمر الآخرة” [7].

إنَّ الأسرة إذا عمِلت بأمر دينها، فإن ذلك سيعود بالنفع عليها من حُسن عشرة، وبعد أن فهِمت دينها وما لها وما عليها، ثم يعود بالنفع على البنات، من حسن تعهُّد وتربية، وتعليمهنَّ لدينهنَّ، وكل ذلك نتيجة حسن العشرة بين الزوجين.
______________________
بواسطة :خلود علي العلياني

______________________

رابط الموضوع:

https://www.alukah.net/social/1030/154483

ظاهرة إدمان شبكات التواصل الاجتماعي 

ربما تشعر بأنك لاتجد وقتاً لنفسك هذه الايام؟ فقد أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي هي المحرك الاعظم لسلوكيات الكثير منا بل وتصنع نشاطه اليومي والعامل الاكثر تأثيراً فيه.. الامر الذي وصل الى حد الإدمان..؟


فاصبحت السوشل ميديا جزء مهم في الحياة اليومية لجميع الاعمار فقد سهلت وسائل الاتصال بشكل ملموس ولها ايجابياتها ،لكن على الرغم من ذلك فأن لها أثارها السلبية على الفرد والمجتمع.


فاصبحنا نشعر بذلك التشتت في حياتنا ، فيمكننا ان نرا حين نجلس في منازلنا ونلاحظ ان احداً لايتحدث مع الاخر.فالجميع منهمكون في الصراع مع هذا الكم الذي لاينتهي من المعلومات.


ولان تأثير السوشال ميديا في حياتنا اصبح متشعب لانها تدخل في كل تفاصيل الحياة اليومية وتؤثر بالمجتمع وافراده وخاصه الاطفال والمراهقين ، لذا يجب الانتباه لهذه التأثيرات ومحاولة التقليل منها بالحد من الافراط في استخدامها مع تعظيم الايجابيات حتى تؤتي ثمارها..


فمن اثاراها الاجتماعية على المجتمع ككل تقليل من عملية الاتصال المباشر بين افراد المجتمع ، مما يمنع البعض من اكتساب مهارات التواصل المباشر وعدم تواصل المشاعر بين الافراد حيث يقتصر الاتصال على استخدام رموز وصور للتعبير ممايسبب تبلد لمشاعر ويزيد فرص التفكك داخل المجتمع وتؤثر ايضا ادمان برامج التواصل الاجتماعي على الذاكره والنسيان  وتؤثر بالعمل والدراسه فتؤثر على إنتاج الشخص وعمله وتعلمه.


فهناك حلول بسيطة للتخلص من إدمان مواقع التواصل الاجتماعي:
اولا الاعتراف بالمشكلة والاصرار عالتخلص منها،تنظيم الوقت وجدولة اوقات محددة للتصفح،
تعلم شيء جديد بدل إضاعة الوقت من خلال هذه المواقع، وايضا إزالة المتابعة عن الاشخاص غير المهمين،بالاخير خذ قسط من الراحه من التواصل الاجتماعي ، من الافضل تعيين فواصل وأيام بدون انترنت فيساعدك ذلك بشكل تدريجي على التعامل مع الانترنت بشكل مستقل ويزيد من قدرتك على السيطرة عليه وعدم الادمان..

في نهاية المقال لابد ان نعلم جميعنا ان المشكلة الاساسية ليست في الانترنت او في مواقع التواصل الاجتماعي بحد ذاتها إنما بالافراط في استخدامها..

______________________
بواسطة:

أفنان يوسف السيف

______________________
رابط الموضوع:

https://almoltqa.com/post?id=2210

الأسرة والابتلاء بالنكد الزوجي

بعض البيوت عندما تدخلها تجد صَمْتًا دائمًا، وابتسامة مفقودة، وكآبة تُلقي بظلالها على الوجوه والقلوب، لتنزع منها روح التواصل والسعادة بين أفراد الأسرة، إنه النكد الزوجي؛ فهو من أعداء الحياة الزوجية السعيدة.

يعرف النكد الزوجي بأنه التعكير الدائم لصفو الآخر، وهو تمامًا كالحرب النفسية، ويرجِع سببُه إلى الفراغ أو سطحية التفكير عند من يختلقه، أو إلى تربية خاطئة خضع لها منذ الصغر، أو محاولة لجذب انتباه الآخر كانتقام منه على تجاهله لشريكه في الحياة مثلًا.

وللنكد الزوجي صفات قد تكون في الزوجة، وقد تكون في الزوج، وقد تجتمع عند الزوجين، ومنها:

• النقد المستمر، فالشخص النكدي يتلفظ دائمًا بعبارات ناقدة وبألفاظ مؤلمة تتسبب في انزعاج الطرف الآخر.

• الاستهزاء والتحقير، ويكون ذلك لأسباب مختلفة؛ كالفقر، أو الشهادات العلمية، أو المكانة الاجتماعية، أو البيئة، أو الثقافة.

• الشك المستمر، فالشخص النكدي لا يلتمس أي أعذار للطرف الآخر في أخطائه أو عند غيابه، وعادةً ما يلجأ للشك فيه وفي مصداقيته عند حدوث أي مشكلة.

• عدم الرضا، وهي الصفة التي تجعل من الحياة نكدًا وضنكًا؛ حيث إن الشخص النكدي لا يرضى مهما قدمت إليه من مشاعر وهدايا ومتطلبات، فهو ينتظر دائمًا الأكثر.

• عدم القدرة على التواصل والحوار، فالشخص النكدي لا يستطيع بناء حوار بينه وبين الطرف الآخر ليتوصل فيه إلى نقطة مشتركة أو حل لمشكلة ما، فيكون الحوار معه ضوضائيًّا، قائمًا على البكاء والشتم والكذب وفَرْض الرأي.

• ينسى الشخص النكدي الحقوق التي عليه وواجباته؛ كالاعتناء بنفسه وبيته وبالطرف الآخر، ويتذكر غالبًا الواجبات المفروضة على الطرف الآخر.

• المزاج المتقلب، والعصبية الزائدة؛ حيث يغضب الشخص النكدي من أي مشكلة صغيرة، ويعطيها أكبر من حجمها، كما أنه سريع التقلب في أفكاره ومزاجه، حتى وإن غابت الأسباب التي تستدعي ذلك.

• البكاء من الزوجة أو الهروب من البيت من الزوج أو الصراخ والسب منهما، ويكون ذلك بعد موقف عصبي أو عند الشجار أو حتى النقاش في أمرٍ ما، ظنًّا منهما أنهما يكسبان الحوار والنتيجة لصالحهما بهذه الطريقة.

تقول فتاة: نظرًا لظروفنا العائلية، وجدت نفسي مضطرة لأن أعيش في بيت أختي الكبيرة المتزوجة، وزوجها إنسان صالح طيب القلب؛ لكن أختي مع الأسف شخصية مسيطرة غاضبة معظم الوقت، عابسة معظم الوقت، وتميل إلى الشجار مع زوجها بسبب ودون سبب رغم أنه إنسان طيب دمث الخلق وهادئ، وأنا أرى البيت أغلب الوقت كئيبًا. وكثيرًا ما حدثت أختي وطلبت منها أن تعدل عن سلوكها وكانت تستمع لي وتظل صامتة، ثم تعود إلى سيرتها الأولى!

وحتى تتحقق السعادة الزوجية في الأسرة على الزوجين الاحترام المتبادل بينهما ومراعاة مشاعر الطرف الآخر، ويجب على كل زوجين في بداية حياتهما الزوجية الاتفاق على مجموعة من القواعد تكتب في شكل وثيقة أو اتفاق؛ وذلك ليحترم كل شريك شريكه ويشعر بقيمته، ويجب على كل من الزوجين في حالة احتدام الخلاف وتصاعده أن يتوصَّلا إلى حل وسط؛ وذلك بالمناقشة الهادئة والتعرف على أسباب الخلاف ومحاولة تجنبها من كلا الطرفين، فإن تراكم مشاعر الغضب بين الزوجين وغياب البوح يؤدي إلى تآكل الأحاسيس الطيبة، ويقلل من رصيد الذكريات الزوجية الحلوة.

أسأل الله أن يرزق كل زوجين السعادة والحب والهدوء، وأن يجعل بيوتنا عامرة بالطاعة والعمل الصالح وحسن الخلق، وأن يصلح لنا ولكم الذرية وصلى الله على سيدنا محمد.

_________________________
بواسطة:

عدنان بن سلمان الدريويش.

_________________________
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/social/0/154812/%

عاشروهن بالمعروف؟ وإن لم توجد المودة والحب “ما يغفل عنه الأزواج” 

هذه قضية يجب أن يتنبه لها المسلمون جميعًا؛ كيلا يُخربوا البيوت.

إن الكثير من المسلمين يريدون أن يبنوا البيوت على المودة والحب فقط، ومن هنا تنبَع المشكلات الأسرية وتتفاقم؛ فالزوج يريد زوجة تحقق له كل متطلبات الحيات الزوجية بأبعادها الخيالية الرومانسية، وهذا لن يكون في الواقع الذي أراده الله لنا في الدنيا، فهي دارُ اختبار وابتلاء، لا دار نعيم مقيم.

وكذا يفكر الكثير من الشباب ويبحث في الدنيا عن هذه الأحلام والخيالات ليختار شريكة حياته، فلا يجدها.

لقد قابلت الكثير من هذا الصِّنف من الشباب، الذين قد كبُر عمرهم، وخارت قوتهم؛ بحثًا عن هذا الخيال وهذه الأحلام، وقد فقدوا الأمل في الوصول إلى ذلك.

كما قابلت كثيرًا من الأزواج الذين تزوجوا تحت هذا الوهم، فكان خراب بيوتهم سريعًا بأيديهم وبفكرهم غير الواقعي، فلم يستطيعوا التكيف والتعامل مع زوجاتهم، فما كان منهم إلا أن يلعنوا الطرف الآخر، ويعلِّقوا سبب فشلهم عليهم.

وهناك من تزوَّج تحت هذا الوهم وحاوَل الاستمرار في زواجه، مطالبًا زوجته بتحقيق هذا الوهم بالضغط عليها ومعاملتها معاملة سيئة؛ ما سبب لها الأذى الكبير، فجعلها كالمعلَّقة.

وهناك من عدَّد زوجاته؛ بغية الوصول إلى وهمه، مما زاد من مشكلات حياته.

وهناك من تقلَّب في الزواج والطلاق أيضًا؛ بغية أن يصل إلى حلمه؛ فأرهق نفسه وغيرَه معه.

هذا واقع شاهدته بكثرة في حياة الأسر المسلمة، إنها مشكلة مُسْتَشْرِيةٌ تؤرق المجتمع المسلم، ولكن ما الحل لذلك؟

إن الحل وضعه رب هذا الكون وخالقه ومدبره؛ ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54].

قال تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

هذا هو الحل – أيها المسلم – إن كنت تؤمن بالله.

فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، واحتمال الأذى منها، والحلم عن طيشها وغضبها، ومن آداب المعاشرة – أيضًا – أن يزيد على احتمال الأذى منها بالمداعبة والمزح والملاعبة، فطيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، وينبغي لكم – أيها الأزواج – أن تُمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن، فإن في ذلك خيرًا كثيرًا؛ من ذلك امتثال أمر الله، وقَبولُ وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة، ومنها أن إجباره نفسَه – مع عدم محبته لها – فيه مجاهدة النفس، والتخلق بالأخلاق الجميلة، وربما تزول الكراهة، وتخلُفها المحبة، كما هو الواقع في ذلك، وربما رُزق منها ولدًا صالحًا، نفع والديه في الدنيا والآخرة.

ثم ختم سبحانه الآية الكريمة ببيان أنه لا يصح للرجال أن يسترسلوا في كراهية النساء، إن عَرَضَتْ لهم أسباب الكراهية، بل عليهم أن يُغلِّبوا النظر إلى المحاسن، ويتغاضوا عن المكاره؛ فقال تعالى: ﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

فالآية الكريمة ترشد إلى حِكَمٍ عظيمة؛ منها: إن على العاقل أن ينظر إلى الحياة الزوجية من جميع نواحيها، لا من ناحية واحدة منها، وهي ناحية البغض والحب، وأن ينظر في العلاقة التي بينه وبين زوجه بعين العقل والمصلحة المشتركة، لا بعين الهوى، وأن يحكِّم دينه وضميره قبل أن يحكِّم عاطفته ووجدانه، فربما كرهت النفس ما هو أصلح في الدين وأحمد وأدنى إلى الخير، وأحبت ما هو بضد ذلك، وربما يكون الشيء الذي كرهته اليوم، ولكنك لم تسترسل في كراهيته سيجعل الله فيه خيرًا كثيرًا في المستقبل؛ قال تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].

روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يفرُكُ مؤمن مؤمنة، إن كرِه منها خُلُقًا رضيَ منها آخر))؛ أي: لا يبغضها بغضًا كليًّا يحمله على فراقها؛ أي: لا ينبغي له ذلك، بل يغفر سيئتها لحسنتها، ويتغاضى عما يكره لما يحب، والفَرْكُ: البغض الكلي الذي تُنسى معه كل المحاسن.

فالإسلام ينظر إلى البيت المسلم بوصفه سكنًا وأمنًا وسلامًا، ويقول للأزواج: ﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]؛ أي: تمسكوا بعقدة الزوجية فلا تنفك لأول نزوة.

فجعل الإسلام لهذه المؤسسة الإنسانية الكبرى جديتها، فلا يجعلها عُرْضَةً لنزوة العاطفة المتقلبة، وحماقة الميل الطائر هنا وهناك

_________________________

بواسطة:

أ.د فؤاد محمد موسى

_________________________

رابط الموضوع:

https://www.alukah.net/social/1030/155497/عاشروهن-بالمعروف؟-وإن-لم-توجد-المودة-والحب-%22ما-يغفل-عنه-الأزواج%22/