عاد إليَّ حبيبي بعد زواجه!

بعد مرور عشر سنوات من العِشْرة تزوَّج بغيري! فقد جاءني زوجي الحبيب بعينين زائغتين يبكي كالطِّفل في أحضاني متمتمًا بصوت خانق: أخطأتُ، ولا بد أن أصحِّح خطَئي بالزواج، لا أريد لابْني أن يتربَّى بعيدًا عني، زلزلَتْني المفاجأة، واحتلَّني الصمت طويلاً قبل أن أنهار صارخة بجنون المطعون بخنجر، ولا يعرف أحد كيف يخرجه مني: لم؟! وأنا جميلة الجميلات، لا أفعل سوى ما يرضيه، ولا أقول إلا ما يحب، وليس لي صديق غيره، ولا رفيق سواه.

 

ألف مرَّة أقول: لِمَ تنخر في كياني؟ وألفًا: كيف تَنْزف؟ ومادت بي الأرض، خرجْتُ خارج الكون إلى كوكب آخَر ليس به سوى قلبي المنكسر، وروحي المفجوعة، والقلب الغائر في جرحه، القلب الذي تفرَّغ لحبه وعشقه منذ كنا صغارًا نلهو سويًّا.

 

لم؟!

وأين أذهب بهذا الجرح؟!

أين أذهب بقلب لا يعرف التريُّض سوى بحدائقه؟! ورُوحٍ لا تحلِّق سوى بجنته؟!

 

وأنا غارقة في نَزْفي أعلو وأهبط، أَصُول وأجول، وأنا في مكاني بلا حرَاك وهو بوجْه متجهِّم يعتذر ويبكي، ويعلن قبل أن يغيب متواريًا في خجَلِه أنه سيتزوَّج هذا الشهر.

 

صعدتُ أرتِّب حقائبي، ورجعتُ إلى بيت أهلي الخاوي بعد رحيل الأحبَّة، فلا أم تتلقَّفني في حضْنِها، ولا أب يضمد جرحي، ويلقِّنني نشيد الحكمة، ورحْتُ أردِّد بإصرار:

 

لن أعود، حتى لو عشتُ بمفردي عمري كلَّه، لن أعاني وهو يسعد، وأموت وهو يحيا على جثتي التي يُمَثِّل بها الآن.

 

عشتُ أيامًا لا أعرف هل ما زلت أُدْرَج مع الأحياء؟ أو أنَّ روحي صَعِدت إلى خالقها؟! وتمر مشاهد حياتي معه كالقطار السريع؛ حب، وصداقة، ومرَح، وسفر، ومتعة، أين ذهب كلُّ ذلك؟! ومرت الأيام كالدهر، وأنا لا أُفِيق من موتتي تلك، ولكن ماذا بعد؟

 

هل أترك كلَّ عمري لامرأة أخرى تحتلُّ أرضي وترفع رايتها عليها؟ هل أقف في صفوف المهزومين يسأم الجميع شكوتي، ويتركونني أعاني الوَحْدة والحرمان ليعودوا إلى دفْء بيوتهم؟ سهْلٌ أن أتخذ قرارًا بالبُعد، ولكن الأصعب أن أستعيد زوجًا أحاطني بكلِّ ما تَحْلُم به زوجة وتشتهي، ورحتُ أعدِّد مميزاته، وتتلاشى من ذاكرتي أخطاؤه.

 

وقرَّرت البقاء، ورضيتُ بنصف رَجُل، ونصف حياة، ولُذْتُ بإيماني، وتفرَّغتُ لعبادتي وأبنائي، وكلما توسَّط الشيطان بيني وبينه لينفخ فيَّ النار أهرع إلى سجَّادتي، وأطيل السجود والدعاء، وألتصق بأبنائي أحتمي بهم؛ لِيُسكتوا الصوت الصاخب بداخلي يصرخ: “لا أستطيع”.

 

فيقف الصوت، وأبدأ دورة جديدة من الصبر، مع حرْصي على ألاَّ أتتبَّع أخبارها، وهو يزداد قربًا وحنانًا وعدْلاً، وغمَرَني بكرمه، بل وأصبح أكثر بشاشةً ورِقَّة، والكلمات الرومانسية الجميلة التي كان لا يَعرف كيف ينطقها، أغرقني بها، وكأنَّ المرأة الأخرى أصلَحَتْ لي عيوب زوجي، وأعادته إليَّ حبيبا عاشقًا، كأيام الزواج الأُولى، والآن وبعد مرور سنوات توقَّفتُ عن عدِّها، ها هو ابني وابنُها يلعبان معًا في حديقة المنزل، يَنْعمان في خير أبيهما، وأنا أرقبهما ويسكنني الرِّضا.

 

عزيزتي، إحساسُ فَقْد الحبيب إحساس يقتلع الرُّوح من الجسد، فلا تفقدي رُوحَك بالعناد، أعيديها بالصبر والإيمان والتسليم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بواسطة : هناء رشاد .

في قفص الاتهام الذهبي (قصة قصيرة)

قصة قصيرة

على لسان شابّ في طريقِه للزَّواج

بدأت القصَّة عندما فكَّر صاحبُنا في البحث عن شريكة حياته، بالرّغم من مروره بظروف قاسية إلاَّ أنَّ ثقته بالله كانت كبيرة، متيقِّنًا بما قالَه رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كان حقًّا على الله عوْن النَّاكح الَّذي يريد العفاف)).

 

والجميع مِن حولِه كان يقول: الزَّواج مُعان عليه بإذْن الله، فتوكَّل على الله وهو حسْبك.

 

ولذلك فقد أوْكل المهمَّة إلى والدتِه حتَّى تقود رِحْلة البحث عن بنت الحلال بنفسها.

 

وفي إحدى المحطَّات التي وقفتْ فيها هذه الوالدة، فقد وجدت ضالَّتها كما كانت تظنّ, وكما هو المعتاد، فقد ذهب وفدٌ نسائي من تلك العائلة ليرى بنت الحلال، وقد أُعجبن  بها مبدئيًّا.

 

والكُرة الآن أصبحتْ في ملْعب ذلك الشَّابّ، وذلك بالذَّهاب لإجراء المقابلة مع والد بنت الحلال، وللرّؤْية الشَّرعيَّة المتعارف عليها، وكانت هذه الرِّحلة – كما يقول – على قلبِه مِن أثقل ما يكون!

 

وبِما أنَّ الشَّابَّ لم يكن لديْه أي علاقات من أيّ نوعٍ؛ كان مع الجنس اللَّطيف – كما يُقال – فقد كان مرتبكًا جدًّا، وزاد الارتِباك والضَّجَر عندما بدأت تتحوَّل المقابلة مع ذلك الوالد الكريم إلى استجواب!

 

فذلك الوالِد يسأل وذلك المسْكين يُجيب، ويقول في نفسِه: من حقّ الأهل أن يتعرَّفوا على خاطِب ابنتِهم فهي فلذة كبِدهم، والطِّفلة المدلَّلة، و …, و …, طبعًا هذا شعور الأهْل فهُم يروْن أبناءهم بعيونِهم فقط، ويعتقِدون أنَّهم من خيرة الأبناء، ويقدّمون لهم الغالي والرَّخيص في سبيل إسْعادهم.

 

ولذلك؛ بدأ يشعر بالضّيق والنّفور من كثرة الأسئِلة على اختلاف أنواعها؛ من تعليل، وشرْح، حتَّى إنَّ المسكين لم تتوفَّر له فرصة للمساعدة، ولكن قد سدَّده الله ببعض الإجابات، فقد كان فطنًا كما يظنّ نفسه، وذا ثقة عالية، وبدأ باستِعْراض مهاراتِه في الحياة، وثقافته، والتِزامه.

 

ولكنَّ الكمَّ الهائل من الأسئِلة الَّتي كانت تُلْقَى عليْه من كل حدبٍ وصوب، ومع دُخول أفراد جدُد من تلك العائلة الكريمة إلى الاستِجْواب – على حدّ تعبيره – زاد الأمر ضيقًا وحرجًا، والله المستعان.

 

بدأ يتساءل في نفسه: هل أنا هنا لطلَب وظيفة، أو لشِراء عقار، أو في مكان مجهول قد  ضللتُ به الطريق؟!

أسئِلة عديدة بدأت تثوي في نفسِه لما يحصل، وصار مستغربًا أشدَّ الاستغراب! ولكن لضِيق الوقت وكثرة الأسئِلة والَّتي تتطلَّب حنكة وفطنة، ترك تساؤُلاته في نفسِه، وعاد إلى ما كان عليه.

 

يقول لأهله عند العودة من تلك المقابلة: سُئِلتُ كثيرًا من الأسئلة نسيت بعضًا منها لغزارتِها، فقد جَمعت بين التدخّل في أمور شخصيَّة أو عائليَّة أو أشياء تافِهة، مع التطرُّق إلى قليلٍ من الأمور الجوهريَّة.

 

وإليْكم نماذجَ منها عشوائيًّا دون تسلْسُل؛ فهذا ما سأتذكَّره – على حدّ قوله -:

سؤال: هل أنت موظَّف؟ وأين؟ وما راتبُك؟

الجواب: نعم …، في شركة ….، براتب قدْره …..

 

سؤال: أحكوميَّة أم أهليَّة؟

الجواب: أهليَّة.

 

سؤال: كم تنام؟

الجواب: كفايتي فأنا أعمل بجدّ وبحاجة إلى أخْذ القسط الكافي من الرَّاحة.

 

سؤال: ما علاقتُك مع الأهل، الجيران، الأقارب، الأعْمام والأخوال والخالات والعمَّات، وكم عددهم …. وبالتفصيل، مع ذكر أسمائِهم، وما هي أعْمالهم, و .. , و ..؟

الجواب: جيّدة بالجميع والحمْد لله، ثمَّ بدأ المسكين يعدِّد أسماء ما تذكَّر من أقاربه ويُسْتَدرك عليه بسؤال: أما نسيتَ أحدًا؟

 

سؤال: ما هي أكْلتُك المفضَّلة؟

الجواب: لا يوجد هناك نوع محدَّد؛ فما عاب رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – طعامًا قطّ.

 

سؤال: كم وزنُك؟

الجواب: …..

 

وعندها بدأت تلك العائلة الكريمة – كما يقول – بإعطائه النَّصائح الطّبّيَّة عن فائدة تَخفيف الوزن، وطرق الحماية، وتعْداد مخاطر الوزن الزَّائد: (كالشحوم الثلاثيَّة، والكوليسترول، وتجلُّط الدَّم، و …، و ….) حتَّى بدأ المسكين يتصبَّب عرقًا, وشعر بضيق في التنفُّس، وألَم في الجهة اليُسرى أو في اليُمنى، فما عاد يُميِّز أين يقع القلب؟ وظنَّ أنَّه مفارقٌ لهذه الحياة اللَّيلة لا مَحالة وذلك بالذَّبحة الصَّدْريَّة، إلى أن عاد إليه وعْيُه.

 

سؤال: هل لديْك سكن؟

الجواب: نعم ولله الحمد.

 

سؤال: ما هي مساحتُه؟

الجواب: غرفتان وحمام ومطبخ.

 

سؤال – وكان الوالد ممتعضًا -: أليس صغيرًا؟

الجواب: هذا ما يسَّره الله لي.

 

سؤال: هل هو منفصِل عن الأهل أم مشترك؟

الجواب: هو في الطَّابق العلوي، ولكن مدخل المنزل مشترك مع الأهل.

 

وهذا ما زاد امتعاضهم، ولَم يدرِ لِمَ؟ فليس لديْه إخوة أو أخوات في المنزل حتَّى يُتْعِبوا ابنتَهم في معيشتِها، فما عيب أن يكون مدْخل منزله مشتركًا مع أهله، هل سيفتَرِسونَها أم ماذا؟ سأل نفسه.

 

سؤال: ما رأيك في كذا وكذا وكذا …..؟

والكثير الكثير من الأسئلة وأجوبتها.

 

طبعًا الأهل في دهشة لمَا يُلقى على مسامعهم.

 

وانتهت المقابلة، قائلاً: حتَّى لم أتمكَّن من مشاهدة الفتاة أو أسمع صوتَها لحيائها، ولأنّي كنتُ في ضيق لِما يجري.

 

خرج ذلك الشَّابّ وهو في طريق العودة إلى منزلِه، وقد أبدى عدم الارتياح، دعا في نفسِه: يا ربّ لا تُتِمّ هذا الأمر؛ وذلك للنّفور الذي شعر به من غلظة الأسئلة، اللهمَّ وسائليها.

 

وبعد مُرور عشَرة أيَّام، وهي المهْلة التي طلبوها ليدْرسوا الأمر ويتشاوروا فيما بينهم، ويتمّوا تحرّياتِهم عن ذلك الشَّابّ، فكانت الموافقة مبدئيًّا.

 

وفي الجلسة الثَّانية أراد أن يُقابل الفتاة بحضور الأهل طبعًا حتَّى يراها.

 

فيقول: ولحياء الفتاة بدأ الوالد يتعرَّف عليَّ بلسانها، وتكرَّر الشّعور السَّابق من الضيق والنّفور لأسئِلته المزعجة والاستفْزازيَّة، وظننتُ أنَّ ذلك الوالد سيتمثَّل قول النَّبيّ – صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مِن حُسن إسلام المرْء ترْكُه ما لا ….)) ولكن …..

• ماذا تُّحِب؟ وماذا تكره؟ والكثير من الأسئِلة التي سُئلت سابقًا، أُعِيد تكرارها للتأكّد من تطابق الأقوال، وصدق الادّعاء.

 

• منزلك ما هي مساحته؟ أهو مستقلّ؟

والجواب …. كما سبق.

 

• هل تستأْجِر لديْنا فلدينا بيت إضافي؟

الجواب: ولِمَ ولديَّ سكن والحمْد لله.

طبعًا الإجابة لم تكن مريحة لهم.

 

وفي نفسِه متسائلاً: هل هذا العرض طمعًا بِجَني بعض المال منّي مقابل استِئْجار المنزل؟ أم لأنَّهم يُريدون طفلتَهم المدلَّلة بجوارهم؟ أم خوفًا من توقُّع للمشاكل قبل حدوثِها كما قد يحصل من السَّكن المشترك مع الأهل؟

 

والعجيب أنَّ الشَّابَّ لم يسأل بتلك الطريقة الاستفزازيَّة, واكتفى بما سمِعَه من سيرة العائلة وحسن التَّربية، وحياء الفتاة!

 

وَلَم يسأل عن …. وعن ….،  هل هي ماهرة في شؤون المنزِل: (الطَّبخ، النَّظافة، التَّرتيب، التَّدبير)؟ هل هي نشيطة، وكم تنام؟ وما …؟ وماذا… ؟ ولِمَ ….؟ وكم …؟ وهَل ….؟

أي: على غرار ما سُئِل؛ فذلِك الوالد كان خبيرًا بأدوات الاستِفهام ومعجبًا بها على ما يبدو!

 

فلقد ظنَّ ذلك المسكين أنَّ واقع الحياة الزَّوجيَّة كفيل بجعْل الفتاة تتحمَّل ما عليها من واجبات – على حدّ قوله – فلِم كثرة الأسئلة إذًا؟!

 

ويقول الوالد متْحِفًا مسامعَ الشَّابّ بعد انقضاء ساعة من الوقت: هل نطْوي اليوم هذه الصفحة؟ إعلامًا منْه في انتهاء جلسة الاستِجْواب الثَّانية، وأن ليس لبقائه من معنًى، ففهِم الشَّابّ وغادر مودِّعًا.

 

وفعلا، فقد طُوِيت الصَّفحة, فلقد اتَّصلت والدة الفتاة – والَّتي كانت تُشارك بإملاء الاستِجْوابات من وراء السّتار – هاتفيًّا بوالدة الشَّابّ بعد يومين من آخر جلسة، معتذرةً مع تكْرار عبارة “الزَّواج قسمة ونصيب”.

 

لقد كان يظنّ ذلك الشَّابّ أنَّهم سيعملون بحديث النَّبيّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا خطب إليكم مَن ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلاَّ تفعلوا تكُن فتنة في الأرْض وفساد عريض))، ويقول: حسْبي الله ونعم الوكيل.

 

ومِن الغريب قد هنَّأه بعض المعارف بالخِطبة، فردًّ مستغربًا – وذلك لأنَّه لم يشع الخبر فالأصل في الخطبة الكتمان على حدّ قوله – فأجاب: الحمد لله لم يتمَّ الأمر.

 

ويتساءل في نفسه: لِمَ قد أشاعوا الخبر وقد نوَوا الرَّفض, هل تفاخُرًا بكثرة خُطَّاب كريمتهم أم ماذا؟

ثمَّ قصَّ لمعارفه ما قد جرى، وهُم بذلك في استغراب لِمَا يسمعون.

 

وبدأ بعضُهم يقول: هل سيُجْرى معنا هذا الاستجواب أو التَّحقيق وعلى هذه الصّورة؟ قال أحدهم ساخرًا: يَجب على أمثال هؤلاء – سامحهم الله – أن يعدّوا أوراقًا فيها جميع الأسئلة، ثم يقدّموها للشَّابّ للإجابة ضمن وقت مخصَّص، ثمَّ ترْفَع للتَّصحيح.

 

وردَّ آخر: لا تحزن يا أخي؛ فالبعد عن أمثال هؤلاء غنيمة.

 

ردَّ عليهم قائلاً: قد يكون لله – سبحانه وتعالى – حكمة فيما حدث معي، وليس من الضَّروري أن يَحصل هذا مع كلّ الشَّباب.

 

طبعًا معزّيًا نفسه، وحتَّى لا ينفروا من الإقدام على الزَّواج، وذكَّرهم أنَّ الزَّواج سنَّة الله في خلقه، وسنَّة نبيّه محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقد قال: ((يا معْشَر الشَّباب، مَن استطاع منكم الباءةَ فليتزوَّج)).

 

ثمَّ يُكمل حديثه قائلاً: هدى الله تِلك الأسر في بعض طبقات المجتمع، والَّتي ترفض الشَّابَّ مع التِزامه وخلقه وثقافته وعمله، وفقًا لمعايير تافهة لا تُرضي الله ولا رسوله، فتسبّب المشاكل النَّفسيَّة لدى الشَّابّ والفتاة على حدٍّ سواء، فكلّ منهما محتاجٌ للآخَر في إطار شرْعيّ طاهر.

 

فلقد قال الله – تعالى – في كتابه العزيز: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

 

ولذلك ظهرت صُور من الالتِجاء إلى ما حرَّم الله تعويضًا عن فقدان ذلك الإطار الشَّرعي, أبعدنا الله وإيَّاكم عن الحرام وأهله، ويسَّر الله لنا ما تقرّ به أعيُننا وأعينكم.

 

ومن ناصحٍ أوجِّهُها لكم رسالة: يا أيّها الآباء ويا أيَّتها الأمَّهات، إن كنتم تتحرَّون الأكفأ لأبنائِكم وبناتكم فاتقوا الله وتذكَّروا قول رسولِ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا خطب إليْكُم مَن ترضون دينَه وخلقه فزوِّجوه، إلاَّ تفعلوا تكُن فتنة في الأرض وفساد عريض)).

 

فكيف ستلْقَون الله – عزَّ وجل – يوم الحساب وأنتم قد شاركتُم في هذا الفساد العريض؟!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بواسطة : همام محمد الجرف .

أو يزوجهم ذكرانا وإناثا

كنتُ مارًّا بالسوق في العشر الأواخر من شهر رمضان، فَوَجَدْتُ البائع يقول بصوت مرتَفِع: “ربنا قادر على كل شيء”، ويُكلِّم أحدَ الزبائن، فأحببت أن أعرِفَ سبب ما تفوَّه به منذُ قليل على قُدْرة الله العظيمة، ونِعمه الجليلة، التي لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى؟!

فسألتُه: خيرًا إنْ شاء الله يا عمِّي سعيد، فقال في تعجُّب: إنَّ قصةً غريبة حدَثَتْ لي، فقد تزوجتُ لمدة ثلاثةَ عشرَ عامًا، ولم يرزقْنِي الله الذُّرية، ثم بعدَ ذلك وبدون سبب حملَتْ زوجتي ووضعتْ لي الشيخ أحمد!

فقلت له: كيفَ ذلك، قُصَّ لي الحكايةَ مِن أوَّلها إذا أردتَ؟

فقال: تزَوَّجتُ وتاقتْ نفْسي إلى الأولاد، ولكن قدَّر الله أن يكونَ غير ذلك، فلم تحملْ زوجتي، وتأخَّرتْ في الحمل، فذهبنا معًا إلى الطبيب، فقال: ليس بكما عيْب أو مرَض، لكن الله لم يُقدِّرْ بعدُ أن تُرزَقا الذرية.

ثم أعطانا علاجًا، وقال: إنَّه مقويات وفيتامينات؛ كي تساعدَ الجسم وتقويه، وبالرغمِ مِن ذلك ظللْنا فترةَ عامين ولم يَحْدُث جديد، فتوقفْنا عن أخْذ الدواء، وشعرْنا باليأس والقُنوط مِن أن يرزقنا الله الأولاد.

ثم تاقَتْ نفسي إلى الذريَّة مرَّةً ثانية، فذهبنا إلى طبيب واختصاصي آخَر غير الأوَّل، وبعد الكشف وعمل التحاليل اللازمة، و”الإشاعات” المطلوبة، قال لنا نفْس الشيء: ليس هناك أي مانع مِنَ الإنجاب، ولكن الله لم يُقدِّرْ لكُمَا بعدُ، فالذرية رِزْق مِن الله، ونصَحَنا بالصبر والدعاء، ثم أعطانا مقويات مثل الأول!

ومرَّتْ ثلاثةَ عشرَ عامًا ونحن على هذا الوضْع؛ بيْن اليأس من الإنجاب، والرَّجاء في كَرَمِ الله الوهَّاب، حتى كان يومٌ ذهبتُ أنا وزوجتي لنزورَ عمَّةً لي مريضة بالمستشفَى، وكان في السَّرير المجاور لها امرأةٌ تُعاني من شِدَّة المرض، وكانت حالتُها متأخِّرة.

وبينما نحن جلوسٌ بجوار قَريبتي تلك، إذ بتلك المرأة تَشْهَق شهقةً عظيمة، ويتحشرَج صوتُها في صدرها، وتجحظ عيناها، ويقِف شعرُ رأسها من هوْل ما تُعانيه من سَكرات الموت، ثم شهقت ثلاث شهقات متتالية، وبعدَ ذلك فاضتْ رُوحها إلى بارئها ومولاها.

فشعرتُ بالرَّهْبة والفزَع الشديد، وتَصبَّب العَرقُ البارد من جبيني، واصفَّر لوني، وكذلك زوجتي، فقالتْ عمَّتي انصرفَا إلى حال سبيلكما، واذهبَا لبيتكما كي تستريحَا مِن هوْل ما رأيناه، فمشينا، وقدَّر لنا أنا وزوجتي أنْ نلتقِي في تلك الليلة، وظللْنا فترةً طويلة متشبِّثين ببعضِنا، ويلتصِقُ كلٌّ منا بالآخَر من شدَّة الخوف.

وبعدَ أقلَّ مِن شهر طلبتْ منِّي زوجتي أن نذهبَ لعمل تحاليل للحمْل، وكنَّا قبل ذلك طالَما عملنا تلك التحاليل، ولكنَّها في كلِّ مرة تكون سلبية، وبعدَ الانتهاء من التحاليل قالت لي الممرضة: غدًا تظهر النتيجة.

فشعرتُ بالرَّهْبة من استلام النتيجة، فطلبتُ مِن قريب لي أن يُحضرَ لي الخبر، واتَّفقتُ معه إذا كانت سلبية فقل لي: “لا يوجد نصيب”، وأمَّا إذا كانتْ إيجابية فقُلْ لي: “الحمد لله خير”، وظللتُ بالمنزل لا أستطيع أن أُحرِّك ساكنًا، أو أفعل شيئًا، حتى إنَّ كوب الشاي في يدي لم أستطعْ أن أُمْسِكه بيدي المرتعِشة، وكان يهتزُّ من القَلق الذي أُعاني منه!

وكنتُ أتساءل: هل هذه المرَّة سيرزُقني الله الولَد؟ ومرَّ وقتٌ يسير، ظننتُ أنَّه قرونٌ طويلة، وإذا بقَريبي هذا يُقبِل على فَرِحًا مسرورًا، ويقول لي: “أبشِرْ يا أبا أحمد”!

فلم أصدِّقْ سَمعي ولا نفسي، وكررتُ عليه: ماذا تقول؟! فردَّ ثانية عليَّ قائلاً: أبشِرْ يا أبا أحمد، فحمدتُ الله وسجدتُ على الأرْض، وأخذت أبكي من الفرح والذهول، ولم يمرَّ على حملها تسعة أشهر إلا وقد وضعتْ لي ذَكرًا أسميناه “أحمد”، ودعوتُ الله أن يُبارك في عمره، ويكون شيخًا جليلاً.

ثم قال لي: أتدري في أيِّ ليلة وضعَتْ زوجتي؟ فقلت له: في أيِّ ليلة؟

فقال: في ليلة السابع والعشرين مِن رمضان منذُ ستِّ سنوات، وهى عمر الشيخ أحمد، وقد رَزَقني الله أختَه بعدَ ذلك بعامين، وكان يحكي تلك القصَّة وهو غاية في الفَرَح والسرور، كأنَّه رُزِق ابنَه أحمد اليوم فقط، وليس منذُ ستِّ سنوات.

وحَضَر إلى ذِهني كم مِن الناس يرزقهم الله – سبحانه وتعالى – المتفضِّل بالأولاد والذرية، دون تعَبٍ أو عناء، ودون مَشقَّةٍ أو جهد، ثم لا يَحْمَدون اللهَ على تلك النِّعمة العظيمة، التي امتنَّ الله بها عليهم، بل ولعلَّهم يَتضجَّرون من المعيشة والغلاء.

وكم مِن أزواج رُزِقوا بإناث فقط، أو ذُكور فقط، فغَضِبوا وحزنوا، ولم يَشْكُروا اللهَ على نِعمته التي لا تُعدُّ ولا تُحصَى، وتذكرتُ قولَ الله تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 49 – 50].

يقول الإمامُ ابن كثير – رحمه الله تعالى -: “يُخبِر تعالى أنَّه تعالى خالِقُ السماوات والأرض، والمتصرِّفُ فيهما، وأَنَّه ما شاء كان، وما لم يشأْ لم يكن، وأنَّه يُعطي مَن يشاء، ويَمنع من يشاء، ولا مانعَ لِمَا أعْطَى، ولا مُعطيَ لما منع”.

وأنَّه يَخلُق ما يشاء؛ يَهَبُ لمن يشاء إناثًا؛ أي: يرزقه البنات فقط، قال البغويُّ: ومنهم لوط – على نبيِّنا وعليه الصلاة والسلام – ويَهَب لِمَن يشاء الذكور؛ أي: يرزقه البنين فقط، قال البغوي: كإبراهيم الخليل – على نبيِّنا وعليه الصلاة والسلام – لم يُولدْ له أُنْثَى.

أو يُزوِّجهم ذُكرانًا وإناثًا؛ أي: ويُعطي لمن يشاء مِن الناس الزوجين الذَّكر والأنثى؛ أي: مِن هذا وهذا، قال البغوي كمُحمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – ويَجْعل مَن يشاء عقيمًا؛ أي: لا يُولد له، قال البغوي: كيحيَى وعيسى – على نبيِّنا وعليهما الصلاة والسلام.

فجَعَل الناسَ أربعةَ أقسام: منهم مَن يُعطيه البناتِ، ومنهم مَن يُعطيه البنين، ومِنهم مَن يُعطيه من النوعين – ذُكورًا وإناثًا – ومنهم مَن يمنعه هذا وهذا، فيجعله عقيمًا لا نَسْلَ له، ولا ولد له، إنَّه عليم؛ أي: بمن يستحقُّ كلَّ قسم مِن هذه الأقسام، قدير؛ أي: على مَن يشاء مِن تفاوت الناس في ذلك.

فالله سبحانه بحِكمته وعَدْله يَمْنَح ويمنع، فللعقيمِ عَزاءٌ في حال بعضِ الأنبياء – عليهم السلام – المذكورين آنفًا، وعسى الله أن يُعوِّضهم خيرًا، ويجعلهم مِنَ الصابرين والمحتسبين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بواسطة : عبدالله عيسى.

حكاية المرأة التي اشتكت زوجها لرسول الله صلى الله عليه وسلم

قال تعالي: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) المجادلة.

نزلت الآيات الكريمة في مطلع سورة المجادلة في شأن خوله بنت ثعلبة الأنصارية وزجها أوس ابن الصامت.

كان العرب في الجاهلية إذا غضب الرجل أو ألم به أمر من أمور الدنيا ظاهر من زوجته، وقال لها: “أنت علي كظهر أمي”.

كان أوس ابن الصامت في جدال مع زوجته فغضِب منها، وقال لها: أنت علي كظهر أمي، وبعد أن هدأ من غضبه أرا د أن يعود إليها ويعاشرها، فامتنعت وقالت: لا والله حتى أستفتي رسول الله في هذا الشأن.

ويعتبر أوس هو أول من ظاهر في الإسلام، حيث لم يحدث أن ظاهر أحد زوجته، فجاءت خوله بنت ثعلبة تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تقول: يا رسول لله أبلى شبابي، وأضعت في خدمتِه عمري، ونثرت له بطني حتى إذا كبُر سني ورق عظمي وانقطع ولدي، ظاهرني أوس ابن الصامت زوجي، وقال: أنت علي كظهر أمي، اللهم إني أشكو إليك- كيف أقبلُ بهذا.. يا رسول الله لا ملجأ لي بعد أوس، ماذا أفعل؟ فقال لها: أنت إذان محرمةً عليه.

قالت: يا رسول الله، إنه زوجي وابن عمي، وهو شيخ كبير وضعيف، إن تركت له أولادي ضاعوا، وان أخذتهم جاعوا، اللهم إني أشكو إليك يا رسول الله ماذا أفعل؟ ظلت تشكو إلى الله وتبكي حتى نزل أمين الوحي جبريل بهذه الآيات السابق ذكرها ليُبين لنا كفارة الظّهار.

يُعتبر السبب الرئيسي في نزول سورة المجادلة:

أولاً: تبيان حكم كفارة الظهار- وقد وصفهُ المولي عز وجل بالقول المنكر والزور.

وكفارة الظهار: ثلاث مراتب واجبة باتفاق أهل العلم، وهي على الترتيب الآتي: الإعتاق – والصيام – والإطعام.

وهو ما نّصت عليه الآيات الكريمة التالية، قال تعالي: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

وينتهي حكم الظهار بعد أن يكون قد وجب في حق العبد بعدة أمور، فإما أن يؤدي الكفارة ولا يحل له أن يرجعها إلى عصمته، أو أن يباشر جِماعها، ما لم يؤد ما عليه من كفارة، أو أن يأتي الموت أحد الزوجين.

وثانياً: هو تكريم للمرأة ورفع شأنها في الإسلام، فالمرأة هي الأم التي أنجبت، وهي الزوجة التي تقوم علي تربية أبنائها ورعايتهم وغرس القيم والأخلاق النبيلة فيهم،

وتعمل علي إدارة شئون بيتها، فهي أساس المجتمع فإن أعددتُها أعددت شعبًا طيب الأعراق.

روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، ولقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تُكلمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل في الآيات السابق ذكرها (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) رواه البخاري 97 ، ومسلم 154.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بواسطة :علي شفيق الشيمي.

زوجان (قصة قصيرة)

دخلت البيت، مرتَّبة هي زوجتي، لكن هناك العديد من الملاحظات التي تضايقني منها امممممممم، ها هي ذي أقبلَتْ مبتسمة بشوشة، آه كالمعتاد! شعرها معقوص خلف ظهرها، قلتُ لها ألفَ مرة ألاَّ تعقصه خلف ظهرها؛ لن أبتسم في وجهها، راحت تتحدث إليَّ وتتجاذب أطراف الحديث؛ لكني مصرٌّ على عدم الحديث معها، ألقي لها بعض الكلمات الجافة فقط، لابُد أن تتعلم كيف تتعامل معي.
وضعَتِ الطعام، طعام شهي حقًّا، من النوع الذي أحبه وأشتهيه، سَأَلِينُ لها وأُخبرها أنَّ الطعام جيد، فزوجتي تُحبني حقًّا، وتُحاول أن ترضيَني؛ لكنها تقصر في أمور، أعلم أنها لا تقصد، لكن لا بُد أن تتعلَّم طاعتي، لا لن أعترف لها أن الطعام جيد، سأظلُّ على عبوسي.
مرَّ يومان، تُحاول الزوجة أن تتجاهل ضيقَ زوجها تارة، وتارة تسأله عن سبب ضيقه، فينفي في برود، تحدِّثه وتضحك وتتصل به في عمله، تكلِّمه تحكي له تستشيره… والزوج مصمِّم على الخصام!
في النهاية سألته: أنا أثق أنَّ هناك شيئًا جعلك مُستاءً مني بهذه الطريقة؛ لكني لا أعرف ما هو، أرجوك أخبرني! وبكَتِ الزوجةُ.
هنا، وهنا فقط قرَّر الزَّوج أن يتحدَّث، قال لها: لقد حذَّرتكِ ألف مرة من أن تعقصي شعرك خلف رأسك؛ ولكنَّك أصررت. نظرتْ له الزوجةُ غير مصدقة، قالت: هل كل هذا النكد والخصام والضيق في البيت من أجل هذا السبب التافه؟!
ثار الزوج وأرعد وأبرق: تااااااااااافه؟! أنا تافه؟ ورأيي تافه؟ ما هذا الكلام؟!
أهذا الكلام يصدر من زوجة محترمة؟! ثُمَّ إنَّنا لنا عام كامل وكل يوم أقول لك لا تعقصي شعرك خلف رأسك، وأنتِ لا تطيعيني!
قالت له: أحقًّا ما أسمع؟! هل أطالبكَ بالقَسَم أنَّني منذُ أن تزوَّجْنا أعقِصُ شعري؟ أنا أغيِّر تصفيفةَ شعري يوميًّا!
قال الزوج في برود: وأنا أمرتُك ألاَّ تغيِّري تصفيفتَه، دعيه هكذا منسدلاً، لا أحبه معقوصًا، ثم… ثم هذا الرّداء، طلبتُ منكِ ألاَّ ترتديه، أليس كذلك؟
قالت الزوجة: لي شهر لم أرتدِه، والآن وجدتُه ملائمًا للجو، كما أنني كنتُ أعمل في المطبخ؛ ولهذا لا أستطيع أن أترك شعري منسدلاً طوال الوقت!
قالت الزوجة في ضيق: هلاَّ توضَّأنا وصلَّينا ركعتين؛ لنطرد الشيطان؟!
قال لها: أنتِ مَن جلبه، ولو أطعتِني لما جاء. انطلقت الزوجة تضحك فجأة وقالت: زوجي العزيز ألاَ تَجد أنَّه لو سمع أحد ما يدور بيننا من حوارٍ لقال عنَّا أننا أطفال؟! ثارت ثائرةُ الزوج مرة أخرى وقال: لا، ثم لا، ثم ألف لا! أنا حرٌّ في بيتي أقول ما أشاء، وليس عليكِ إلا التنفيذ، أنتِ زوجتي؛ فيجب عليكِ طاعتي في كل وقت.
استفزَّ كلامُه الزوجةَ، وشعرت أنه يريد افتعال مشكلة، قالت له: أطيعُكَ إلا في معصية الله!
ماذا تتوقَّعون؟! وقت غضب، ونفث شيطان، واستفزاز…
قال الزوج: لا تقولي هذا!
قالت الزَّوجة: بل سأقوله؛ أليس هذا من كلام النبي – صلي لله عليه وسلم؟!
قال ثائرًا: وهل آمرُكِ بالمعصية؟! ثم ولو كان هذا صوابًا لا تقوليه، أنا آمرك بهذا!
تصاعدتْ حدَّة الكلمات، وتصاعدت، وتصاعدت، وتفاقم الأمر، وأعلنت الزوجة أنَّها تُريد أن تذهب عند أهلها، وأن يكون الانفِصال! فهذه المشكلة هي القشَّة التي قصمت ظهر البعير! ورفض الزَّوج، ودخلت غرفتها وأغلقت الباب.
بعد أن هدأَ الزوجُ قليلاً وصلى ركعتين طرق الباب، وقال لها في خشونة مصطنعة: هلاَّ قمتِ فتوضأتِ فصلَّيتِ ركعتين؟!
كانت تبكي بِحُرقة، ولم تَرُدَّ، قال لها وهو يُلِين الكلام: صلِّي وسنتحدث حديثًا طويلاً نتقي فيه الله تعالى أنا وأنت.
فماذا دار بينهما بعد الصلاة؟!
بعد أن صلَّتْ قال لها: حسنًا هل يُعْجِبك ما حدث؟! ألم يكن من الأفضل أن تطيعيني؟
قالت وهي تكظم غيظها: ممكن تُعِيرني آذانَكَ قليلاً؟ ابتسم وقال: تفضلي.
قالت وهي تمنع عَبراتها: كنت لك نِعْم الزوجة…
فتح فمه ليعقب، فوضعت يدها على فمه في رقة، وقالت: اسمعني مرة في حياتك من غير مقاطعة.
كنتُ لك نعم الزوجة، أنا أعلم هذا، أنا أطيعك في كل كبيرة وصغيرة، ليس هذا مدحًا في نفسي، لكنك تتعمَّد أن تقهرني، أنتَ تتركني طوال اليوم ولا تكلف خاطرك أن تتصل لتسأل عني، أكلِّمُك فتردُّ عليَّ بجفاء، الخطأ الصادر مني كبييييييييييييير، وما يعجبك قليل، إن أعجبك شيء ما – أراه في عينك – تبخل عليَّ بكلمة ثناء، وإن قلتَ كلمة ثناء تقتصد في الكلام.

وتكتفي بأن تقول: جيد – مقبول – معقول، وفي الذَّمّ تتخيَّر المبالغات وتذمّ بشدَّة، لا تُحاوِل الإصلاح قدر ما تُحاول الذمَّ والنقد، نقدُك غير بناء، أظل طوال النهار أدور في البيت وحيدة، فأحاول إعداده؛ ليكون في أبهى صورة عندما تأتي في المساء، فتدخل لتدور بعينك وتنسى أن تشكرني على تعبي؛ لتبحث عن شئ تنتقده، ويثير بيننا الخلافات والمشاحنات، أرتدي أفخر الملابس وأحسنها وأتزيَّن وأتعطَّر فلا ترى إلا ما لا يعجبك، وإذا اعترضتُ على ما تقول تثور وترغي وتزبد، وتندِّد بالفتن في الشوارع، وأنَّني يَجِبُ أن أُعِفَّكَ، وهل قصرت في التزين؟! لكنَّك تُريد أن تَجعلني آلةً حديدية: تبتسم عندما تريد، وتتحرك عندما تريد، ثم لم تسأل نفسك لحظة: كيف أعفّ أنا زوجتي؟!

أرسل لك خطابات أبثُّك فيها حبي، فتُقابل كلَّ هذا بجفاء، وتدَّعي أنَّ الرجولة هو ألاَّ تظهر لزوجتك حبَّك، وأن تقسوَ عليها، وتظهر لها الجفاء، فأين عفَّتي؟!
أحيانًا يأتيني الشيطان فيقول لي: انظري إلى الفتيات المنحلاَّت في الشوارع، يسمعْنَ كلمات الغزل والمديح والحب، وأنت لأنَّك عففتِ نفسك محرومة! أطرده وأصبر؛ فأنا أعلم أنه ابتلاء من الله؛ ليعلم مني الرضا والصبر، أحاول استمالتَك فلا تميل!
أين أنا منك؟ لماذا لا تفكر إلا في السيطرة عليَّ، وإثبات أنَّك مطاع؟! وهل قصرتُ أصلاً في طاعتك؟ لماذا تتحدث دائمًا كما لو أنَّك تشْعُر أنَّني لن أُطِيعَك؟ أين ثقتك في نفسك؟! هل الرجولة أن يعلوَ صوتُك؟ هل الرجولة أن أخشاك؟!
الرجولة أن أَحْتَرمك، أن أحبك، أن تحتويني، تُقوِّمني برفق وحنان، الرجولة أن تترفق بالقوارير، الرجولة أن تُشعِرَني بالدّفء والأمان، الرجولة أن تُحِبَّني وتبثني غرامك، الرجولة أن تكثر مدحي على ما أفعله من أجلك، الرجولة أن تضطرني اضطرارًا لطاعتك؛ لأنك تعمل على مراعاة الشرع والصالح العام، وليس لأنَّك تقول كلامًا غير ذي معنى، وتريد مني أن أطيعك وحسب، الرجولة أن تكون أنت الصديقَ والحبيب والمعلِّم والزوج.
لماذا يا زوجي الحبيب… لماذا تشعر بالنَّقص؟! لماذا تظنّ أنَّ قسوتك رجولة؟
كانت الزوجة تتحدث ودموعها تسيل على وجهِها، وحين رفعت عينها إلى زوجها وجدتْ وجهًا غير الوجه الأول، وسالتْ دموع الزوج، وامتَزَجَتْ دموعُهما! ثم أشرقتِ البسمةُ من جديد، وبدأ عهد جديد.
أسأل الله العظيم أن يجعل في بيوت المسلمين عهدًا جديدًا من الحب والوئام والمودة والرحمة {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بواسطة : سارة محمد حسن.