أيسرهن مهرا

أيسرهن مهرا

عبدالرحمن بن احمد علوش مدخلي

أمّا بعد: أيها المؤمنون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70، 71]. عباد الله، أيها المؤمنون: تأملوا معي هذا الموقف العظيم وهذه القصّة المؤثّرة التي حدَثت في القرون المفضّلة لتكون نبراسًا لنا في حياتنا: في يوم من الأيام كما ذكر ذلك الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (4), 233/كان سعيد بن المسيّب -رحمه الله تعالى- ورضي عنه أحد كبار التابعين ممن روى العلم عن أكابر الصحابة -رضي الله عنهم- الذي لم تفُته تكبيرة الإحرام أربعين سنة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، كان يتردّد عليه طلبة العلم، ومن ضمن الذين كانوا يتردّدون عليه ويحافظون على حضور دروسه تلميذ نبيه يسمَّى عبد الله بن أبي وداعة، فافتقده سعيد بن المسيّب أيامًا، فدخل عليه بعدها فقال: أين كنت يا عبد الله؟ قال: لقد توفِّيَت زوجتي فانشغلت بها، قال: ألا آذنتَنا حتى نحضرَها؟! ثم قال له: يا عبد الله: هل أحدثت زوجًا غيرها؟ هل تزوجت غيرها؟. قال: يرحمك الله يا إمام، ومن يزوّجني ولا أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟! قال: أنا أزوِّجك، قال: وتفعل؟! قال: نعم، ثم حمد الله وأثنى عليه وصلّى على نبيه -صلى الله عليه وسلم- وزوّج تلميذه بدرهمين. قال عبد الله: فخرجت وأنا مهموم؛ من أين أستدِين؟! ومن أين أوفّر الصداق؟! ومن أين آتي بالمال؟! فبينما كنت في منزلي بعد صلاة المغرب وكنت صائمًا وقد قرّبت فطوري وكان خبزًا وزيتًا قال: فإذا بالباب يطرق، فقلت:

من؟ قال: سعيد، قال: فحضرني كلّ من اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيّب؛ لأنه لم يغادر بيته إلى مسجده منذ أربعين عامًا، قال: ففتحت الباب فإذا سعيد بن المسيب! إمام أهل المدينة العالم الكبير، قال: قلت: يرحمك الله لو أرسلتَ إلي لأتيتك، قال: لا، أنت أحقّ أن تؤتى، إني تذكّرت أنك رجل كنت ذا زوجة وأنك تبيت عزبًا هذه الليلة، فخشيت أن تبيت وحدَك وهذه زوجتك، قال: فدفعها إليّ وأغلق الباب، قال: فوجدتها من أحفَظ النساء لكتاب الله ولسنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن أجمل ما رأت عيناي. وكانت ابنة سعيد بن المسيب هذه قد خطبها عبد الملك بن مروان خليفة المسلمين لابنه وليّ عهد المسلمين الوليد بن عبد الملك، فأبى أن يزوّجه أياها. هذه قصة -أيها الإخوة الكرام- بين أيدينا ننقلها في هذه الأزمان والأعصار لتكون نبراسًا لنا في حياتنا، كيف نختار الزوج، وكيف نيسّر المهر، وكيف نعين الشباب على الزواج، وكيف يكون النكاح الشرعي الذي ينبغي أن يكون عليه المسلمون الذين يقتَدون بخيار الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان. أيها المؤمنون: لقد رغّب الإسلام في الزواج وحثّ عليه، وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سنّة من سننه، ومن رغب عنه فليس منه، لما دخل ثلاثة نفر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادته، فكأنهم تقالّوها، فقال أحدهم: أنا أقوم فلا أنام، أي: أقوم الليل، وقال الآخر: أصوم فلا أفطر، وقال الثالث: أنا لا أتزوّج النساء، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فخرج غاضبًا وصعد المنبر وقال: “ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟! أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوّج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني” متفق عليه. وحثّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على الزواج فقال: “يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء”. وقال عليه الصلاة والسلام: “تزوّجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة” رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني. والله -سبحانه وتعالى- يبين أن من النعم الكبرى أنه تعالى أوجد لبني آدم أزواجًا من أنفسهم: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم:21]. وحث الإسلام على النكاح فقال: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) [النساء:3]. وإن من أعظم النعم -يا عباد الله- في الزواج أن يخلّف المسلم الذرية الصالحة التي تدعو له

بعد وفاته، “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له” رواه مسلم والأربعة. فوجود الأولاد ووجود الذريّة من أعظم النعم التي من أسبابها الزواج ومن أسبابها تيسيره، بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- يبين أن العبدَ المسلم إذا أراد بالزواج العفاف والطهر, وأن يعفَّ نفسه عن الحرام فإنّ الله يعينه وييسر أمره، ثبت في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب يريد الأداء، والناكح يريد العفاف” رواه الترمذي والنسائي وأحمد وحسنه الألباني. من يريد أن يعف نفسه عن الحرام وعن الشهوات وعن الوقوع في المعصية فإن الله يعينه، وإن الله ييسّر له أمره، وهكذا كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-. أيها المؤمنون: إن من الأمور التي ينبغي أن ننبّه عليها وأن تكون في ذكر عند المؤمنين الصالحين الصادقين عندما يريد الزواج أن يحسن اختيار الزوجة، بل ويحسن اختيار الزوج في الوقت نفسه، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض” رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني. إنها قضية تحتاج منا أن نتأملها كثيرًا؛ حسن اختيار الزوج، وحسن اختيار الزوجة، يقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: “تنكح المرأة لأربع: لدينها، ولمالها، ولجمالها، ولحسبها، فاظفر بذات الدين تربت يداك”. اختار لنا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ذات الدين؛ لأن الدّين يشمل الأمور كلها. أيها الإخوة: إنها قضية مهمة ينبغي أن نتأمّلها كثيرًا في هذا الزمان الذي طغت فيه العادات والتقاليد على القيم والمبادئ إلا ما رحم ربك، يزوج الإنسان صاحبَ المال وصاحب الحسب وصاحبَ القرابة ولا يسأل عن دينه، ولا يسأل عن أخلاقه، ولا يسأل عن قيمه ومبادئه، يسلّم ابنته المسكينة الضعيفة التي هي أمانة في عنقه يسلّمها لمن لن يقومَ بشؤونها، يسلّمها لمن لن يرعاها، لمن لن يحافظ عليها، هذه جوهرة مكنونة أنت مسؤول عنها أمام الله يوم القيامة، امرأة ضعيفة تسلِّمها لعبد لا يخشى الله تعالى؟! كيف يكون موقفك أمام الله تعالى؟! “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض”، لا ينبغي أن يكون غرضنا هو المال؛ فإن المال ينتهي -يا عباد الله-، ولا الحسب ولا الجمال، وإن كان البحث عنه له أهمية، لكن لا ينبغي أن يكون هو المهمّ، ولا ينبغي أن يكون هو الهدَف الأول، وإنما أن يكون الهدف الأوّل هو الدين والقيم والأخلاق التي يكون عليها الإنسان، يكون عليها الزوج، تكون عليها الزوجة. كما ينبغي علينا -يا عباد الله- إذا أردنا لبناتنا وأبنائنا الحياة السعيدة المستمرة أن نيسر المهر، وأن لا نغالي فيه؛ فإن المغالاة في المهور سبب للشقاء -يا عباد الله-، كما بين ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، يقول النبي –

صلى الله عليه وسلم-: “إن من يمن المرأة – أي: من بركتها، من فعلها الحسن، من سعادتها المستقبلية- إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها” رواه أحمد والحاكم والبيهقي وحسنه الألباني، ويقول عليه الصلاة والسلام: “أيسرهن مهرًا أكثرهن بركة” رواه أحمد والحاكم والبيهقي وضعفه الألباني، ويقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: “ألا لا تغالوا في صداق النساء؛ فإنه لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى لكان أولى بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإنه لم يصدق أحدًا من نسائه ولم يصدق أحدا من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية” رواه أبو داود وابن ماجه وقال الألباني: حسن صحيح، وهي ما يقارب خمسمائة ريال، لم يصدق امرأة من نسائه ولا امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، فلا ينبغي للإنسان أن يغالي في المهر، فلا خير في المغالاة -يا عباد الله-، فعندما جاءت امرأة إلى النبي لا تغالوا في صدق النساء تعرض عليه النكاح فقام أحد الصحابة يريد نكاحًا, فقال له: “التمس ولو خاتما من حديد”، فلم يجد ذلك الخاتم، فقال: “هل تحفظ شيئًا من القرآن؟” قال: نعم، قال: “زوَّجتكها بما معك من القرآن” متفق عليه. أيها الإخوة الكرام: ليس في المغالاة في المهور بركة، بل فيه الشقاء، وفيه الفقر، وفيه عدم البركة للزوجين في مستقبل حياتهم؛ لذا -يا عباد الله- ينبغي على المؤمنين الصادقين أن يسعَوا إلى البركة، وأن يبحثوا عن البركة، وأن تكون القدوة لهم في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي أصحابه والتابعين لهم بإحسان، (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ) [الأحزاب:21]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر المولى العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم

عقبات في طريق الزواج

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، واعلموا أن النعيمَ في هذه الدنيا لا يدوم، والأجلَ فيها على الخلائق محتوم، وانظروا مصارعَ المنايا، وتأمّلوا قوارعَ الرزايا، ورحم الله أمرأً عمّر بالطاعة لياليَه وأيامَه، وأعدّ العدّة للحساب يوم القيامَة، (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

عباد الله، أتحدث إليكم اليوم عن ضرورة اجتماعية لبناء الحياة، وتكوين الأسر ، إنه أمر تقتضيه الفطرة، قبل أن تحث عليه الشريعة، إنه حصانة وابتهاج، وسكن وأنس واندماج، بل هو آية من آيات الله، الدالة على حكمته، كما قال سبحانه: ( وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوٰجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

الزواج، سنة المرسلين، ووصية خاتم النبيين، ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء). قال ابن مسعود رضي الله عنه: (لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، ولي طَول على النكاح لتزوجت، كراهية أن ألقى الله عزبًا). وقال الإمام أحمد رحمه الله: ليست العزوبة من الإسلام في شيء، ومن دعاك إلى غير الزواج  دعاك إلى غير الإسلام .

الحديث عن الزواج حديث ذو شُجُون، وسيكون الكلام في هذه الخطبة عن العقبات التي تقف أمام الزواج في طريق الزواج وتؤدي إلى تأخيره أو تعسيره على أبنائنا وبناتنا .. وسأكتفي بذكر أربع عقبات:

فأولى العقبات ـرعاكم الله- انتشار بعض المفاهيم الخاطئة حول الزواج وتأخيره:

فيؤخر الزواج لدى كثير من الذكور والإناث بحجة إكمال الدراسة، أو الحصول على الوظيفة، أو القدرة المالية، أو عدم الرغبة في الارتباط المبكّر، أو غير ذلك من الأسباب التي أوهمت بها أدمغة الناس والشباب بسبب لَوْثَات الأفلام والمسلسلات والقنوات. وإن من المؤسف أن يصل بعض الشباب إلى سن الثلاثين والأربعين، وهو لم يفكر بعد في موضوع الزواج .

إن تأخير الزواج مخالف للسنّة الشرعية كما هو مخالف للسنّة الفِطرية، وقد قرّر المتخصّصون في علم الاجتماع والحياة أنّ الزواج المبكّر هو أنجح الزِّيجات حتى ولو تعثّرت الظروف المادية، وأنه سبب لاستقرار الصحة النفسية والجسدية، هذا بالإضافة إلى اكتمال الدين والعَفاف وحصول الإحصان في بداية الحياة .. إنه لا تُعارض حقيقة بين الزواج ومتطلّبات الحياة الدنيوية، ذلك أنه جزءٌ من الحياة الطبيعية، وقد قال الحق سبحانه: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ). وعن أبي هريرة أن النبي قال: ((ثلاثة حقّ على الله عَوْنهم: المجاهد في سبيل الله، والمُكاتَب، والناكح يبغي العَفَاف)) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وحسنه الألباني .

ثم، ونقولها بصراحة: ماذا تنفع المرأةَ بالذات شهاداتها إذا بقيت عانسًا قد فاتها ركب الزواج، ولم تسعد في حياتها بزوج وأولاد، يكونون لها زينة في الحياة، وذخرًا بعد الوفاة. كم من امرأة فاتها قطار الزواج، وذهبت نضارتها، وذبلت زهرتها، وتمنت بعد ذلك تمزيق شهاداتها، لتسمع كلمة الأمومة على لسان وليدها. وإذا كنا نقول: نعم للزواج المبكر، فإننا نؤكد على حسن التربية وأداء الأمانة بتهيئة الفتاة لحياتها الزوجية، وتعليمها وتربيتها لتحمّل المسؤوليات في بيتها.

العقبة الثانية: غلاء المهور

فقد حول غلاء المهور الزواج إلى أمر شاق، ولا يطاق إلا بجبال من الديون التي تثقل كاهلَ الزوج، مع أن المهر في الزواج وسيلة لا غاية . إن المغالاةَ فيه المهور، والمُباهَاةَ بها، وتقويمَ الخاطب بمقدار ما قدّم من مَهر؛ لهو صِغَرٌ في النفس، ونقص في العقل، كما أن إرهاقَ الخاطب بالمهر الكثير، واشتراطَ الهدايا الكثيرة لأقارب الزوجة؛ لهو جشع وطمع وانتهازية تورث الضغائن، وتُرهِق بالديون، وتُعيق مسيرة الزواج في المجتمع، وتسبّب الزواج من مجتمعات أخرى، بينما تمتلئ البيوت بالعَوانِس.

وقد روى أحمد وأهل السنن أن عمر الفاروق رضي الله عنه قال: (أَلَا لَا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً)، وقد زوج المصطفى صلى الله عليه وسلم رجلاً بما معه من القرآن، وقال لآخر: ((التمس ولو خاتمًا من حديد)، وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب، وأنكر صلى الله عليه وسلم على المغالين في المهور، ففي صحيح مسلم، جاءه رجل يسأله فقال: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ: عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا قَالَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ! كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ، مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ فِي بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ . الله المستعان،

ماذا لو رأى صلى الله عليه وسلم أحوال المغالين اليوم؟ الذين جعلوا الزواج بمئات الألوف، بل ربما بالملايين.

العقبة الثالثة: عضل المرأة

وذلك بمنعِها من الزواج بالكفء إذا تقدّم إليها أو طلبتْه، ورغِب كلُّ واحدٍ منهما في الآخر، وقد قال الله عز وجل في محكم تنزيله: (أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) عضلُ النساء، تحكّمٌ في حقوقهن، وإهدارٌ لكرامتهنَّ، بل هو إلغاءٌ لإنسانيتهنّ من غير خوف من الله ولا حياء من خلق الله، ولا نظرٍ في العواقب، ولا رعايةٍ لحقوق الرحِم والأقارب . كم من الآباء أو الأولياء اليوم، يستغلّون حياءَ المرأة وخجلَها، وحسنَ ظنّها وسلامةَ نيَّتها، لعصبيةٍ جاهلية، أو حميَّة قبلية، أو طمعٍ في مزيدٍ من المال .. فيمتنع أحدهم عن تزويج المرأة، طمعاً في مالها أو مرتَّبها، أو طلباً لمهرٍ كثير، أو مطالبات مالية له ولأفراد أسرته، فتبقى البنت المسكينة محرومة من الزواج، وربما يفوتها القطار، وتقتل آمالها وحياتها بسبب هذا الولي الظالم .

سبحان الله .. أين الرحمة في قلوب هؤلاء الأولياء؟ كيف لا يفكرون بالعواقب؟ هل يسرُّهم أن يسمعوا الأخبار المفجعة عن بناتهم مما يندى له جبين الفضيلة والحياء؟ . وإن من المؤسف حقاً، أن بعض الأولياء وصل به الجشع والطمع أن يعرض ابنته الحرة الكريمة سلعةً للمزايدة، وتجارةً للمساومة، وتلكم والله صورةٌ لئيمة يترفع عنها كرام المؤمنين .. بل إن كرام المؤمنين يبحثون بأنفسهم عن الأزواج الأخيار لبناتهم ، كما عرض عمر رضي الله عنه ابنته حفصة على أبي بكر، ثم على عثمان، رضي الله عنهم أجمعين .. وكما زوج سعيد بن المسيب رحمه الله ابنته لتلميذه أبي وداعة .

ومن العضل كذلك، سوء خلق الولي مع الخطاب، فيبتعد الناس عن التقدُّم لخطبة ابنته أو موليته، لشدّته وتجهُّم وجهه واغتراره بنفسه ومركزه، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ومن صور العضل أن يمتنع الخطاب من خطبة المرأة لشدّة وليِّها”. ومن أسوأ صور العَضْل، حَجْرُ المرأة على أحد أبناء قرابتها، فلا يسمح لها وليّها بالزواج من غيره، ولو بقيت عانسًا طول حياتها! وهذه جريمةٌ كبيرة وأنانية مُفرِطة، تراعي أعرافًا بالية، وتخالف الشريعة الخالدة ..إن المرأة لا يجوز أن تُجبَر على نكاح مَن لا تريد، وولايةُ أبيها عليها ولايةُ مصلحةٍ وصيانة، وحفظٍ وأمانة، وليست ولايةَ تسلّطٍ وتجَبّر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا تُنكَح الأيّم حتى تُسْتَأمَر، ولا تُنكَح البِكْر حتى تُستأذَن))، فقالوا: يا رسول الله، فكيف إذنها؟ قال: ((أن تسكت)) متفق عليه .

وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)) خرَّجه الترمذي وابن ماجه والحاكم بسند صحيح. قال بعض أهل العلم: إن المرأة إذا اختارت كفئًا، واختار الولي كفئًا غيرَه، فيقدَّم الذي اختارته، فإن امتنع كان عاضلاً. فعلى الأولياء أن يتقوا الله في حق الفتاة .. كما أنّ على الفتاة أن لا تتفرد برأيها، وأن تتفهّم مشورة وليّها في القبول والرفض، وأن تكون المصلحةُ مَناطَ الاختيار . نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يردهم إليه رداً جميلاً ، إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين .

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه … عباد الله ..

العقبة الرابعة والأخيرة أمام الزواج: الإسراف والمبالغة في التكاليف

حينما أُحيطت بعض حفلات الأعراس بهالةٍ من التكاليف والمبالغات، التي تضخّمت حتى أصبحت عَقَبةً كَأْدَاء، قد تتجاوز تكاليفها قيمة المهر . تكاليفُ باهظة، ونفقاتٌ مذهلة، وعاداتٌ فرضها كثير من الناس على أنفسهم، تقليدًا وتبعية، ومفاخرةً ومباهاة، وإسرافًا وتبذيرًا، وقد قال الله: (إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوٰنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِرَبّهِ كَفُورًا) . وتعظم المصيبة إذا اقترنت هذه التكاليف بشيء من المنكرات والمعاصي ..اختلاطٌ بين الرجال والنساء، جَلْبٌ للمغنّين والمغنّيات بالمعازف وآلات الطرب، تضييعٌ الصلوات، كشفٌ للعورات، وتعرٍّ في لباس الحفلات، ناهيك عن التصوير العلني والخفي؟

أيّ بركة تُرجَى، وأيّ توفيق يُؤمّل، إذا استُفْتِحَت الحياة الزوجية من أوّل ليلة بالمنكرات، ومعصيةِ ربّ الأرض والسماوات، الذي بيده مفاتيح القلوب، ولا يملك أسباب السعادة والتوفيق إلا هو . ألا يُعدّ هذا الإسراف المحرم كفرًا بالنعمة، وبَطَرًا وتمرّدًا على المنعم سبحانه؟.. ألا نعتبر يا عباد الله بأحوال إخوانٍ لنا في العقيدة، في بقاعٍ شتى من العالم، لا يجدون ما يسدّ رمقهم، ولا ما يواري عوراتهم، بل ولا ما يدفنون به موتاهم؟ نعوذ بالله من الكفر بنعمته، ونسأله تعالى أن لا يؤاخدنا بما فعل السفهاء منا.

عباد الله .. لقد جاءت شريعتنا الغراء بتيسير أمور الزواج والحث على الاقتصاد فيه، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خير النكاح أيسره . روى أبو داود وصححه الألباني . ما نريده لأبنائنا وبناتنا هو تيسير الزواج، والمساعدةُ على الإحصان والعفاف، والحرصُ على الأكفاء ذوي الدين والخلق، مع البعد عن التكاليف والمبالغات التي تقصم ظهور الشباب، وتصدهم عن الزواج .

وعلى الوجهاء والعلماء والأثرياء، أن يكونوا قدوة لغيرهم في هذا المجال، وعلى وسائل الإعلام نصيب كبير في بث التوعية والتوجيه في صفوف أبناء المجتمع . ولكل الآباء والأولياء نقول: اتقوا الله فيما ولاكم، واحرصوا على تزويج أبنائكم وبناتكم، ولا تعرِّضوهم للعنوسة أو الفتنة والانحراف لا قدر الله .

إننا إذا وضعنا العراقيل أمام الزواج، فلا نلم إلا أنفسنا إذا انتشر الانحلال والدعارة من المعاكسات والعلاقات المشبوهة والسفرات المحرمة، في زمن تعاظمت فيه ألوان الفساد وأنواع الفتن، مما تبثه القنوات الفضائية، والشبكات المعلوماتية التي تفجر براكين الجنس، وتزلزل ثوابت الغريزة، وتهدم قيم الأمة وأخلاقها .. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) ، نسأل الله العافية والسلامة . اللهم صل على محمد …

المصدر: سامي بن خالد الحمود

العشرة الزوجية

إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،

أيها الناس: اتقوا الله تعالى, واعلموا أن العشرة بين الزوجين شأنها عظيم, والقيام بحقوقها واجب مشترك على الزوج والزوجة سيُسألان عنه يوم القيامة, ولعظم شأنه أكد النبي صلى الله عليه وسلم عليه في أعظم مجمع عرفه المسلمون, في حجة الوداع, في يوم عرفة, وكان يوم جمعة, حيث قال: ( اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله, واستحللتم فروجهن بكلمة الله … الحديث ). والمراد بالعشرة ما يكون بين الزوجين من الألفة والإنضمام, لأنه يلزم كُلَّا من الزوجين معاشرةُ الآخر بالمعروف; فلا يماطله بحقه، ولا يتكره لبذله, ولا يتبعه أذى ومنة, لقوله تعالى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( خيركم خيركم لأهله ). وقال أيضاً: ( إذا صلت المرأة خَمْسَها, وحَصًّنت فرجها وأطاعت بعلها, دخلت من أي أبواب الجنة شاءت ). فالمرأة يجب عليها طاعة زوجها, وخدمته, وبذل ما يدل على بره ورعاية بيته في غيبته, وأن لا تخرج أو تسافر إلا بإذنه, وأن لا تذكره بما يكره بدون مبرر شرعي, ويحرم عليها الإمتناع عن فراشه إذا كان يقوم بحقها الواجب, قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم: ( إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها، لعنتها الملائكة حتى تصبح ). وينبغي لها أن لا تثقل عليه في أمور الدنيا ومطالبها لأن ذلك مما يفسد المودة والألفة. وينبغي لها نصحه فيما يتعلق بدينه, وأن تعينه على طاعة الله, وأن توقظه للصلاة, ويجب على الزوج أن يفرح بذلك, حيث وهبه الله تعالى امرأة تعينه على طاعة الله, فإن خير متاع الدنيا المرأةُ الصالحة.

وأما الزوج: فإن الحقَّ عليه أعظم, والمسؤوليةَ عليه أكبر, لأنه القَوَّامُ على زوجته, وبيده عُقْدةُ النكاح ولذلك صار الطلاق بيده هو لا بيد المرأة, وهذا من حكمة اللهِ الحكيم العليم سبحانه, إذْ لو كان الطلاق بيد الزوجة لفسد نظام العالم, وهذا من رحمة الله بالناس, وبالمرأةِ نفسِها, إذْ لم يكن الأمر بيدها. فالواجب على الزوج أن يتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خُلُقاً, وخياركم خياركم لنسائهم ), وقوله: ( استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عَوَانٌ عندكم ), أي أسيرات لا يملكن من أمرهن شيئا, وهذا يدل على وجوب الإهتمام البالغ بالزوجة فيما يتعلق بالإحسان إليها, ومراعاتِ شعورِها وعاطِفتها, والبعدِ عن كل ما يخدش في كرامتها أو يؤثر في حسن العلاقة معها. حتى لو رأى في نفسه كراهية لها, فإن الأفضل هو إبقاؤها والصبر على ذلك مع العشرة بالمعروف, ما لم تأت بفاحشة مبينة, لقوله تعالى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا }. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يفرك مؤمن مؤمنة, إن كَرِهَ منها خُلُقاً رضي منها آخر ), ومعنى لا يفرك: أي لا يبغض. فمن وجد في نفسه كراهية, أو نفرة فليصبر, وليكثر من سؤال الله أن يرزقه وُدَّها وحُبَّها, خيرٌ له من أن يستعجل فيفارقها.

ثم اعلم أيها المسلم: أن الصبرَ على الزوجة, ومُراعاةَ حالها, والحلمَ تجاه تصرفاتها, والبُعْدَ عن كثرةِ الجدالِ معها, من علامات كمالِ الرجال وكرمِ أخلاقِهم. ولا ينبغي للزوج أن يكثر السهر خارج البيت, أو يخاطب زوجته بما لا يليق. ويجب عليه أن ينفق عليها وأن لا يقصر في متطلباتها بالمعروف إذا كان قادراً, وإلا فإنه يلقى الله وهو آثم مضيع لحقوقها. ومن ذلك أن لايمنعها من زيارة أبويها, وصلةِ رحِمِها. ويجب على الزوج أن يأمر زوجته بالمعروف وينهاها عن المنكر, بالرفق والأسلوب المناسب. فيأمرها بالصلاة في وقتها, والحجابِ, وينهاها عن الخلوة بغير المحارم, وينهاها عن سماع الغناء والمعازف, ويهيئ لها البيئة المناسبة التي تَمنعُها من التبرج وتعينها على حسن العلاقة مع الله .

باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ

عباد الله: يحرم على الزوج وطء زوجته حال حيضها لقوله تعالى: { فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ }. ويجوز له مباشرتها فيما دون الفرج. ويحرم عليه وطؤها في الدبر, وهو من كبائر الذنوب, وقد كان الصحابة يشددون في إنكاره ويسمونه كفراً, لشناعته, ومخالفته لأمر الله بإتيان النساء في موضع الحرث. ومن كان عنده أكثر من زوجة, فيجب عليه العدل بينهما في المبيت والنفقة, حتى لو كانت إحدى زوجاته حائضاً أو نُفساء, فإنه يَقسم لها

في المبيت, ما لَمْ تكُنْ تَقضي أيام نفاسها عند أهلها. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من كانت له امرأتان فمال إلى أحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ).

وينبغي للشاب المُقْبِلِ على الزواج, أو حديثِ العهدِ بالزواجِ, أن يَعرفَ أحكامَ العشرة الزوجية, وأن حياتَهُ ومَسْؤولياتِه بعدَ الزواجِ تختلفُ عن حياتِهِ ومسؤولياتِه قبلها. وأنْ يَتَحَلَّى بالصبرِ والحِلْمِ والأناةِ. وأنْ يَعْلَمَ بأن الزوجَ الفاشل, هو الزوجُ الذي يريدُ مِنْ زوجتِه أن تكونَ كما يقال: ” أُطْلُبْ تَجِدْ “.

فاتقوا الله أيها المسلمون, وراقبوا الله في أنفسكم ومن تعولون, واعلموا أن من ليس فيه خير لأهله, فلن يكون من خيار الناس في الآخرة.

ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً ، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور يا ذا الجلال والإكرام، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها، اللهم احفظها مما يكيد لها، اللهم وفق حكامها وأعوانهم لما فيه صلاح أمر الإسلام والمسلمين، وبصّرهم بأعدائهم يا حي يا قيوم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.

المصدر: الشيخ أحمد العتيق

الزواج نعمة فلا نجعله نقمة

الحمدُ للهِ خَلَقَ من المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسباً وصِهْراً,جَعَلَ الزِّواجَ مَودَّةً وَرَحمَةً وبِرًّا،نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له،لَهُ الأَسمَاءُ الحُسنى،والصِّفاتُ العُلا,شَرَعَ الزِّواجَ لِغَايَةٍ عُظْمَى،ونشهدُ أنَّ مُحمَّدا عبدُ اللهِ ورسولُه،أَمَرَنا بِالتَّمسكِ بالعُروةِ الوُثْقَى،صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه,وعلى آله وأصحابِه ومن استنَّ بسُنَّتهِ واهتدى بهديه إلى يوم الدِّينِ . أمَّا بعدُ:فاتَّقوا الله عباد اللهِ حقَّ التَّقوى،فَتقوى اللهِ طَرِيقُ الهُدى،ومُخَالفَتُها سَبِيلُ الشَّقَاءِ.

أيُّها المُؤمنونَ: نعيشُ هذهِ الأيامَ بمناسبةِ كثرةِ الأَفرَاحِ والزِّواجاتِ,أيامَ فَرَحٍ وسُرورٍ,وأنسٍ وحُبُورٍ,فللهِ الحمدُ والمنَّةُ,ودينُنا الحَنِيفُ شَرَعَ لَنا الفَرحَ والسُّرورَ ما دُمْنا في حُدودِ الشَّرعِ والمقبولِ.لأنَّهُ دينُ اليُسرِ والسَّماحةِ,والبَشَاشَةِ والفَرَحِ, فهل نُقَدِّرُ هذهِ النِّعمَ ونُحافِظُ على الشَّرعِ والقِيَمِ ؟! قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ.

عباد اللهِ: لقد أمرنا اللهُ بالنِّكاح لأنَّهُ نِعْمَةٌ وأُنسٌ فقال: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ فزَوِّجوهم على كلِّ حالٍ!واللهُ تعالى مُعينٌ لَهُما ومُيَسِّرٌ أمُورَهما!وسيِّدُ الخلقِ تزوَّج وزوَّج بنَاتِهِ ،وقال : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وبالزِّواجِ تَتَقَارَبُ الأُسرُ وَتَتَعَارفُ! وبِهِ يحصلُ النَّسلُ و تكثرُ الذُّرِّية،وَيَكُونُ الأَجرُ والثَّوابُ وقد قالَ النَّبِيُّ: « تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »)« فمن رغِبَ عن سُنَّتِي فليسَ مِنِّي» والزِّواجُ صِيَانَةٌ عن الحَرامِ،فالنَّفسُ فيها غَرِيزَةٌ لا تُشبَعُ إلا عن طَرِيقِ الزِّواجِ!قالَ : « إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ،إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ».

والزِّواجُ يا كرام:أُنْسٌ ومودَّةٌ,وراحَةٌ وطمأنِينَةٌ بين الزَّوجينِ، واستقرَارٌ عَاطِفِيٌّ!وقد صَوَّرَ القرآنُ الكريمُ ذلك بِألطَفِ عِبَارَةٍ وأَدَقِ تَصويرٍ!فقال جلَّ في علاه: أيُّها المؤمنون: أليس الزِّواجُ بذلك نِعمَةً وَمنَّةً,وهبَةً من الله وَرَحمَةً ؟! فلماذا أصبح الزِّواجُ على بعضنا همَّاً وغمَّاً,ونِقمَةً وكَرْباً ؟! لماذا صَارَ مَشرُوعُ الزِّواجُ في كثيرٍ من الأحيانِ مَصدَراً للذُّنوبِ الآثامِ؟! أَتدرُونَ لِمَاذا لأنَّنا خَرَجْنَا به عن حدودِ الشَّرعِ والمَعقُولِ!ولأنَّنا في كثيرٍ من الأحيانِ آتينا أَموالَنا السُّفهاءَ وَجَعَلْنا التَّصرُّفَ والتَّحكمَ في أَيدِ النِّسَاءِ!وأحكمُ الحاكمين قال: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ قال الشيخُ السَّعديُّ رحمه الله: (ولَمَّا كانَ كثيرٌ من النَّاسِ يَظلِمونَ النِّساءَ وَيَهضِمُونَهنَّ حقُوقَهُنَّ،في الصَّداقِ,أَمَرَهُمُ اللهُ على إيتاءِ النِّساءِ مُهورِهِنَّ عن طِيبِ نَفْسٍ، والمَهرُ يُدفَعُ لِلمَرأَةِ إذا كانت مُكلَّفةً،وأنَّها تَملِكُه بالعقدِ).

(ياكرامُ:خُذوا على سَبِيلِ المِثَالِ, أُمُوراً جَعَلَتْ زِواجَاتِنا همَّاً وغمَّاً, ونِقمَةً وكَرْباً!وغُرماً وإثماً! ما يتعلقُ في المَهْرِ:الذي هو حقٌّ من اللهِ تعالى للمرأةِ فقد أَثبَتَتْ شَرِيعَتُنا حقَّها في التَّمَلُّكِ بِدَفْعِ الصَّدَاقِ لها،الذي هو نَوعُ تَقْدِيرٍ واحتِرامٍ لها،ولَيسَ ثَمَناً أو قِيمَةً للاستِمتَاعِ بها قال تعالى: وَءاتُواْ ٱلنِّسَاءَ صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْء مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً عباد اللهِ: والإسلامُ دِينُ عَدْلٍ وقَصدٍ،فقد أمرَ بالمَهرِ من جِهَةٍ وحثَّ على تَيسِيرهِ وَتَخفِيفِهِ وتَسهِيلِهِ من جِهَاتٍ أُخرَى!وفي شَرِيعتِنا أنَّهُ كُلَّما قلَّ المَهرُ وسَهُلَ كُلَّما علَتِ المرأةُ وازْدَادَت بَرَكَتُها، ألم يقلْ رَسُولُنا: « أعظمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أيسَرُهُنَّ مؤونةً »وقال: «خيرُ الصَّداقِ أيسَرُهُ». وقالَ : « من يُمنِ المَرأَةِ تَيسِيرُ خِطبَتِها وَتَيسِيرُ صَدَاقِها ».

والشَّرعُ لم يحدِّدْ مِقدارَ المَهرِ وَكَمَيَّتَهُ،لِتَبايُنِ النَّاسِ واختِلافِ مُستوياتِهم وعاداتِهم،ولكنَّ الاتِّجاهَ العامَّ في شَريعَتِنا المَيلُ نحوَ التَّقليلِ فيه،فذاكَ أقربُ لروحِ الشَّريعةِ ومقاصِدها، وممَّا جَعَلَ الزِّواجَ همَّاً ونقمةً المغالاةُ في المَهرِ!فقد ظهرَ في مُجتَمَعِنا عاداتٌ أدَّت إلى التَّفاخرِ والتَّباهي!فهذا صندوقٌ بِأَغلى الأَثمَانِ,يحملهُ الرِّجالُ!ومئاتٌ الرِّيلاتِ تُصَفُّ بِأغربِ الأشكالِ،وصناديقُ مُذَهَّبَةٌ للهدايا!ثمَّ احتفالٌ نسائيٌّ مُكَلِّفٌ كليلةِ الزَّفافِ! وَمَصَارِيفُ باهِضَةٌ ما أَنزَلَ اللهُ بها من سلطانٍ،وَسَرَفٌ وخيلاءٌ ظاهرٌ،فَأَينَ التَّوسطُ والاعتدالُ فالمؤمنونَ: إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا فلا أحدَ يُمَانِعُ من الشَّبكةِ والفَرَحِ وَلَكنَّ الإِسرَافَ مُحَرَّمٌ شَرْعاً وَمَرفُوضٌ عَقلاً! كما ينبغي أنْ يُعلمَ أنَّ المَهرَ حقٌّ لِلمرأةِ لا يَجُوزَ لِولِيِّها أنْ يأخُذَ منهُ شَيئَاً أو أنْ يَتَحَكَّمَ في توزيعِهِ!إنْ تَعَلَّقَت حَاجَتُها بهِ أو كانَ أَخذُ شيءٍ منهُ يَضُرُّ بِها. أيُّها المؤمنونَ:وإقامةُ الولائِم سُنَّةٌ نَبَويةٌ وَشَرِيعَةٌ رَبَّانِيَّةٌ فعن أنسِ بنِ مالكٍ أنَّ النبيَّ أَوْلَمَ على زينبَ بشاةٍ،وقال لعبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ: « أَولِم ولو بشاةِ» ومع الأسف صار الإسرافُ والبذخُ والتَّبذيرُ أمراً ظاهراً خَاصَّةً في وَلائِمِ النِّساءِ،فَيَعمَدْنَ إلى أنواعِ الأطعمةِ وأصنافِ المَأكُولاتِ والعَصِيراتِ،بكميَّاتٍ كبيرةٍ تفيضُ على الْمَدعُوِّينَ!وقد قالَ : «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ،فإنَّ اللهَ يحبُّ أن يَرَى أثَرَ نِعْمَتِهُ على عبدِهِ».فهل مَنْ يَسعى للزِّواجِ تُستنزَفُ أموالُه أمْ الواجِبُ أنْ تخفَّفَ عنهُ أعباءُهُ؟ فيا كرامُ:ارحموا شبابَ المسلمين ولا تُحمِّلوهم ما لا يُطِيقون! وأقولُ ما تَسمعونَ واستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروهُ إنَّه هو الغفورُ الرَّحيمُ .

الخطبةُ الثانيةُ

الحمدُ لله جَعَلَ الزِّواجَ مَودَّةً وَرَحمَةً وَسَكَنَاً,نشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدهُ لا شَريكَ له، حَكَمَ فَقَدَّرَ،وَشَرَعَ فَيَسَّرَ،ونشهدُ أنَّ نبيَّنَا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ,دَعَا إلى اللهِ بالحكمةِ والمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ,فَكانَ خيرَ قُدوةٍ وأحسَنَ مَعشَرٍ.صلَّى الله وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آله وأصحابِه,وَمَن تَبِعَهم بِإحسَانٍ ما بَدا الصُّبحُ وَأَسْفَر.أمَّا بعد:فأوصيكم عبادَ اللهِ ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ واتباعِ مرضاتِه,فمن أَرضَى اللهَ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللهُ عنهُ وأَرضَى عنهُ النَّاسَ،ومن أَسخَطَ اللهَ بِرضى النَّاسِ سخِطَ اللهُ عليهِ وأَسخَطَ عليه النَّاسَ.

عبادَ اللهِ:وحضورُ النِّساءِ للأفراحِ أمرٌ مُباحٌ فقد كُنَّ في عهدِ النَّبيِّ يَجتَمِعنَ ويَلعبْنَ فيما بَينَهُنَّ وَيَضْرِبنَّ بالدُّفِّ بينَ يدي الزَّوجةِ وهنَّ مُحتَشِّماتٌ غيرَ فاتِناتٍ لأحدٍ! أمَّا بعضُ أعراسِنا فالأمرُ بِخلافِ ذلكَ تماماً ؟! ألا تَسمَعُونَ عن نِسَاءٍ كاسِيَاتٍ عَارِياتٍ كما وصفهنَّ رسولُنا فالضَّيِّقُ من المَلبسِ والشَّفافُ والقَصِيرُ بَاتَ أمراً واضحاً وواقعاً مُخزِياً!فهل يليقُ بأُمَّةِ الحِشمَةِ والعِفَّةِ والحَيَاءِ أنْ تَستسلِمَ لهذا الواقعِ الْمُخزِي ؟! أم الواجبُ علينا الأخذُ على أيدِ بناتِنا وأخواتِنا,والنَّصحُ والتَّوجيهُ لهم؟!وهل يكفي أنْ نُحوقِلَ وَنَستَرجِعَ وَنَقُولُ هذا لُبسُ النَّاسِ وعَجِزْنا عنهم وغيرها من الأعذارِ الواهِيَةِ؟ كلا واللهِ. فيا أيُّها الأولياءُ الكرامُ: لا يَحِقُّ لكم أنْ تَتَهَرَّبوا من المَسؤولِيَّةِ,ولا أنْ تَتَنَصَّلوا عنها ! فأنتم المسئولونَ أمامَ اللهِ وأمامَ عبادِهِ!فَقُومُوا بِما أَوجَبَ اللهُ عليكم من الرِّعايةِ والقِوامَةِ : « فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». كَمَا الوَاجِبُ عَلينا يا كرامُ:أنْ نُخفِّفَ من دَعوةِ عامَّةِ النِّساءِ إذا كنَّا غيرَ قَادَرينَ على ضَبطِهنَّ وحِشْمَتِهِنَّ!وأنْ نَحرِصَ على اجتِماعِ النِّساء العائِليِّ فقط.

وذكِّروا نسائَكم بقولِ النَّبيِّ: «مَنْ لَبِسَ ثوبَ شُهرةِ ألبَسَهُ اللهُ ثوبَ مَذَلِّةِ يومَ القيامةِ)). ذَكِّرُوهُنَّ بأنَّ القرآنَ أمَرَ بالحِشمَةِ والحياءِ,ذكِّروهنَّ بتحريم الفخر والخُيلاءِ في الْمَلْبَسِ، فقد قالَ نبيُّنا : «بَينَما رَجُلٌ يَمشِي في حُلَّةٍ تُعجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ رَأْسَهُ يَخْتَالُ في مِشيَتِهِ إذْ خَسَفَ اللهُ بهِ،فهو يَتَجَلْجَلُ في الأَرضِ إلى يَومِ القِيامةِ» وهُنا لَفتَةٌ يا كرامُ:أنَّ الْخُطَّابَ أوَّلُ ما يَسأَلُونَ عنْ حَيَاءِ المَرأَةِ ولِبَاسِها في المُناسَباتِ العامَّةِ فإن كانت مُحتَشِمَةً,صَارَت مَحَلَّ رَغْبَةٍ لِلخُطَّابِ,وإنْ كَانت غَيرَ ذلكَ أَعرَضُوا عنهاَ ! فياليتَنا نُدرِكُ ذَلِكَ ونَعقِلَهُ! ويا أهلَ الخيرِ والصَّلاح,ويا طلبةَ العلمِ الأفاضلِ،كُونوا خيرَ قُدوةٍ للنَّاسِ في ذَالكَ,فأغلبُ النَّاسِ يَنظُرُونَ إلى أفعالِكم ويَرقُبُونَها بعينِ البَصيرَةِ والاقتداءِ !

ومن الأمورِ المُزعِجَةِ عُرفَاً المَحظُورَةِ شَرعاً ما يُصاحِبُ مَواكِبَ الأَفرَاحِ من إِزعاجٍ للنَّاسِ,وَقَطعٍ للطُّرقاتٍ,وتَعطيلٍ لِمصالِحِ النَّاسِ,وأذيَّةِ للبلادِ والعبادِ,ورفعٍ لأصواتِ الأغاني, ورقصٍ مَقِيتِ, وقطعٍ للإشاراتِ,وَتَفْحِيطٍ وجُنونٍ,يَدُلُّ على التَّخَلُّفِ والتَّهوُّرِ وَسَفَهِ العقلِ وقِلَّةِ الدِّينِ والمُرؤَةِ,فهل هذا تعبيرٌ صادِقٌ للفرحِ؟كلا وربِّي إنَّما ذاكَ نوعٌ من إثارَةِ الفتنِ والتَّظاهُراتِ والفَوضى!فأينَ الحزمُ في ذالكَ؟وأينَ العقوباتُ الصَّارمةُ بهذا الشَّأنِ؟فَخُذوا على يدِ السَّفيهِ وأْطُرُوهُ على الحَقِّ أطراً!

عبادَ اللهِ:إنَّ على كُلِّ واحِدٍ منَّا واجبٌ ومسؤوليةٌ,فَتوجيهُ الأبناءِ من واجباتِنا,والتَّواصُلُ مع رجالِ المرورِ وتَواجُدُهم يَحدُّ من المَشَاكِلِ,واجتماعُ أهلِ الزَّوجينِ في صالاتِ الأفراحِ مُباشَرةً تقضي على مثلِ هذهِ الظَّواهِر,مع ما فيها من منافعَ أخرى,من التَّيسيرِ على النَّاسِ,وقلَّةِ التَّكاليفِ,وإنَّكَ لَتُكبِرُ أهلَ الزَّوجينِ الذينَ حرصوا على اجتماعِهم في مَحَلٍّ واحِدٍ,فَجَزَاهُمُ اللهُ خيرا وباركَ لهم وباركَ عليهم,ومن سَنَّ سُنَّةً حَسَنةً،فلهُ أجرُها وأجرُ من عَمِلَ بِها إلى يومِ القيامة؟!الَّلهُمَّ اجعلنا جميعاً مفاتيحَ للخيرِ مَغَالِيقَ للشَّرِ. الَّلهُمَّ وفِّقْ أبناءَنا وبناتِنا لما تُحبُّ وتَرضى,وارزقَهم العِفَّة والحياءَ والتَّقوى,وَأَعذهُم من الفَواحِشِ والفِتَنِ مَاظَهَرَ منها وما بَطَن ياربَّ العالمين.

الَّلهُمَّ بَارِك لِلمُتَزوِّجينَ وَبَارِك عليهما واجمع بَينَهمُا بِخيرٍ ياربَّ العالمين.رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.الَّلهُمَّ زيِّنا بزينةِ الإيمانِ والتَّقوى,واجعلنا هُداةً مُهتدين غير ضالين ولا مُضلينَ. الَّلهُمَّ أصلح شبابَ المسلمين واحفظهم من كلِّ سوء. الَّلهُمَّ واحفظ نسائنا وارزقهنَّ الحشمة والحياء.الَّلهُمَّ وفِّق وسدِّد الآمرينَ بالمعروف والنَّاهينَ عن المنكر وقوِّى عزائِمَهم وأهدهم سُبَلَ السَّلامِ يارب العالمين.رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار .

عباد الله أذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

المصدر: (خطبة الجمعة 12-08-143 للشيخ خالد القرعاوي).