هل الزواج بمثابة عقد لتوزيع العمل؟!

لقد عُني الإسلام بالزواج عناية خاصة تفوق عنايته بأية علاقة إنسانية أخرى، ويبدو ذلك في كل ما عرض له الإسلام من مسائل الأسرة، ابتداءً بالخطبة وانتهاء بالطلاق عند الضرورة.

ولما كان الزواج أساس بناء الأسرة، ولا يمكن أن تقوم أسرة دون زواج شرعي، وجب أن يقوم الزواج على الرغبة والاختيار والرضا المشترك.

ومن ثَمَّ فلا عجب أن أجمع علماء الاجتماع على أن الأسرة عماد المجتمع، وأنها إذا قامت على أسس ودعائم قوية، استقرت أحوال المجتمع وتوطدت أركانه، فإذا وهنت قواعد الأسرة، ولم يتحقق لها أسباب القوة على اختلاف أشكالها، اضطربت حياة المجتمع واختل توازنه.

لقد تحفظ الاقتصاديون حوالي قرنين من الزمن عن الكلام عن الأسرة أوفي شؤونها، وتركوا تلك المهمة لعلماء الاجتماع والمحللين النفسيين.

أما اليوم، فقد أثبت غير واحد من الاقتصاديين المعاصرين أن الزواج بمثابة عقد لتوزيع العمل، فكل من الزوجين يتخصص في مجال معين، وطبقًا للعادات والتقاليد الاجتماعية، فإن الزوج هو الذي يعمل في الخارج، وتبقى الزوجة في المنزل للقيام بالأعمال المنزلية وممارسة الأمومة؛ حيث يحقق التخصص أفضل تنظيم لمولود الأزواج، وأقصى قدر من الرفاهية.

وبعد، فإن أهم ما ينبغي توجيهه للزوجين من نصائح اقتصادية، وهما في مقتبل حياتهما الزوجية، ما يلي:
أولاً: الاقتصاد الاقتصاد: إن على الزوجة الواعية أن تكون أول من يحافظ على ميزانية الأسرة، وتحاول الاقتصاد في المصروفات، والاعتدال في النفقات.

فقد جاءت مناهٍ شرعية وتحذيرات إلهية من الإسراف والتبذير؛ يقول – سبحانه -: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141]، ويقول – تعالى -: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء: 26 – 27].

ومن المعروف شرعًا وعرفًا، وعقلاً وواقعًا أن الوقاية خير من العلاج.

ثم إن مبدأ الرشادة الاقتصادية يستلزم الاعتدال في الأكل والشرب واللباس، والسكن والنقل والأثاث، وتكاليف الزواج والمهور.

ثانيًا: تيسير المهور وتكاليف الزواج: ذلك لأن المبالغة في المهور المتمثلة في الشروط الثقيلة، جعلت من العروس سلعة تجارية ومَيدانًا للتفاخر والمزايدات.

كما ينبغي الحذر من المبالغة في بطاقات الزواج وكروت الأعراس، خاصة إذا علمنا أن تكلفة الواحدة منها قد تصل الى عشرة ريالات في المتوسط.

إن المبالغة في المهور مصيبة أكثرت من العوانس والعزاب، فهي حجر عثرة في طريق الزواج، وجمع الرؤوس في الحلال.

كما تجرُّ المبالغة في المهور الأقساط والديون على الزوج وأهله، وتوقعه في مزيد من الاستدانة لشهور طويلة، رغم أن الهدي النبوي أكَّد أن خير النساء والزوجات، وأعظمهن بركة أيسرهنَّ مؤنة وتكلفة ومهرًا.

وإذا كانت المغالاة في المهور قبل الزواج سببًا لإعراض كثير من الرجال والشباب عن الزواج، فإنها بعد الزواج ربما تكون سببًا للمشكلات والشقاق والخلافات الزوجية، وربما جرت إلى الطلاق ومشكلات الانفصال.

ثالثًا: تجنُّب الإسراف في حفلات الزفاف؛ بإقامة الأفراح في البيوت أو صالات الأفراح المناسبة، دون اللجوء إلى الفنادق والصالات غالية الثمن، فقد أصبحت للأسف صالات الأفراح والفنادق مَيدانًا للسرف والبطر والمباهاة.

كما ينبغي الحذر من المبالغة في لباس العروس، فلا تنفق الأموال الطائلة في أمور كمالية ترفيهية غير ضرورية.
كذا ينبغي الحذر من المبالغة في تنويع الأطعمة في مناسبات الزفاف، ذلك لأن مآل كثير منها القمامة للأسف، فهناك تلال من هذه القمامة تتزايد يومًا بعد يوم، وعرسًا بعد آخر، وما ذلك إلا لتلبية دواعي الاستعراض الاجتماعي، وحب التقليد والمحاكاة والظهور الاجتماعي.

وما زلنا نجد عند بعض الأُسَر، حتى ذات الدخل المحدود تصرُّفات لا مبرر لها سوى العادات والهوى والتقليد، احتفالات مكلفة وملابس غالية الأثمان، وبنود استهلاكية تثقل كاهل الزوجين والأسرة المستقبلية.

ونسينا أو تناسينا أن الإسلام لم يشرع في نفقات عقد الزواج سوى المهر المعقول للمرأة، والوليمة المناسبة للعرس، وإكرام الضيوف بما يناسب الحال، فلا حاجة بنا إلى موائد مفتوحة، وصواني دوَّارة.

رابعًا: الحذر من حمى الشراء والتسوق: إن أخطر ما يمرُّ على الزوجين ما يُعرف بحُمَّى الشراء والتسوق، والاستجابة للاستهلاك المظهري، والمبالغة في الأزياء والموضات، والانسياق وراء الدعايات والإعلانات الخادعة، دون تحكيم دقيق للعقل وتقدير للعواقب والنتائج.

لذا ينبغي تجنب الشراء العاطفي؛ من خلال وضع خطة للأشياء المطلوبة قبل القيام بعملية التسوق.

فكثيرًا ما يكون لدى أحد الزوجين العديد من الأعمال التي تحتاج إلى إنجاز في وقت محدد، أو يحتاج إلى القيام بعمل لم يسبق له القيام به فيما مضى.

في هذه الحالات وغيرها يكون التخطيط هو الحل؛ إذ تحدد الخطوات الواجب اتِّباعها للوصول إلى هدف معين، ويحدد الوقت المطلوب لإنجاز هذه الخطوات، وعن طريقه يمكن تصور العقبات التي قد تصادف الزوجين، والهدف الذي يريدان الوصول إليه.

خامسًا: ميزانية رشيدة للأسرة: إن الزوجة الرشيدة هي التي تلعب دورًا فريدًا في إسعاد زوجها، وذلك بإدارتها الحكيمة لشؤون المنزل وتدبير مصروفاته وصحة أفراده، فالمنزل هو المكان الذي يسعد فيه جميع أفراد الأسرة.

ومن العوامل المساعدة على توفير السعادة في الأسرة الناحية المادية، من حيث تقدير دخل الأسرة وتنظيم ميزانيتها؛ بحيث توفر جميع حاجات ومتطلبات الأسرة؛ للمحافظة على صحة الأفراد وتأمين الملبس والمسكن المريح.

ويا ليت لو اهتم الزوجان بتخصيص مبالغ مالية للتوفير والادخار لوقت الحاجة والطوارئ المفاجئة.

إذ إن الزوجة الواعية هي تلك التي توزع ميزانية الأسرة على الأبواب اللازمة للإنفاق.

إن هذا يستدعي ضرورة وضع ميزانية محكمة رشيدة للأسرة، تضبط النفقات وتحدد الإيرادات وأوجه الصرف مع المراقبة الدقيقة لهذه الميزانية.

سادسًا: الوعي بأهمية اقتصاديات الأسرة: إن دراية الزوجين باقتصاديات الأسرة ومواردها البشرية والمالية والتخطيط السليم للإنفاق يؤثر بدوره على الاقتصاد الوطني، ذلك لأن الاقتصاد المنزلي ضروري لمواجهة أعباء الحياة؛ نتيجة زيادة أسعار السلع المختلفة والخدمات، الأمر الذي يتطلب الانتفاع بالموارد المتاحة.

ومما لاشك فيه أن الأسرة التي تهتم بتخطيط أسلوب حياتها، سوف تحقق أهدافها.

لذا ينبغي مراعاة إمكانات الأسرة واتِّباع نظام الإنفاق السليم من حيث عدم زيادة مقدار المنفق على الدخل، وتوزيع الدخل قدر الإمكان على أبواب الإنفاق.

يقول – تعالى -: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بواسطة : د / زيد بن محمد الرماني .

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*