لماذا نتزوج؟ 

لا بد أن هذا السؤال يتردَّد في نفسِك بعد أن قرأتَ ما فات من مقالات مختلفة، وددتُ أن أبدأ به، لكنني فضَّلتُ أن يكون قربَ نهاية هذه السلسلة من المقالات، فكِّر معي، وفكِّري معي، هل يتزوَّج الشاب لأنه يحب، أم لشهوة وحسب، أم يريد فعلًا تكوين أسرة كاملة ويعمر في الأرض؟

هل يدرك الشباب والفتيات أنها مسؤولية عظيمة، أم يتزوجون فقط حبًّا وهيامًا، ويُفاجأ كلٌّ منهم بالواقع، وأن الزواج ليس أمسية وردية، ونزهة للعشاق في بستان ورديٍّ؟!

يقول ربُّنا عز وجل في كتابه: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

إن مِن حكمة الله تعالى أَنْ خلق في الإنسان الشهوةَ لتستمرَّ الحياة ويبقى النوع؛ لذا فإن الغريزة الجنسية من أقوى الغرائز وأعنفِها، وهي تلحُّ على صاحبها لإيجاد ما يسكِّنها، فما لم يكن ثَمة ما يُشبِعها، أصبح الإنسان قلقًا مضطربًا؛ نظرًا لاحتياجه، ولوجود نقص في شيء ما، ولو لم يكن ذاك الميلُ الفطريُّ موجودًا، لانصرف الشباب والفتيات عن الزواج.

ونظرًا لاختلاف الناس، وتبايُن الشخصيات، واختلاف الأخلاقيات، فإن هذا الاحتياج يُؤثِّر على سلوكه؛ كالجائع يريد إشباع شهوته، فقد يسرق ليُشبِع هذه الحاجة إن استبدَّ به الإحساس بالجوع لفترة طويلة، وكذا الاحتياج إلى الجنس إن لم يُلجِمْه الشخص بتقوى الله، قد ينحرف فيسقط في الزنا والعياذ بالله، فالنكاح على كتابِ الله وسنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم هو العَلاقة النقية الطاهرة التي شُرِع بها الزواج، والإسلام لم يُنكِر هذا الاحتياج الفطريَّ، بل جعل له أصولًا وحدودًا.

شرع الزواج للإحصانِ، ولإرواء الغريزة وإشباعها بالحلال، فيهدأ البدن، وتطمئنُّ النفس، ويتعفَّف الإنسان، ويكُف عن التطلع إلى الحرام، والعفة هي اجتنابُ الرذائل وكبح جماح النفس عن ارتكاب ما لا يُرضي الله، يتحصَّن الزوجان وكأن كليهما داخل قلعة تحميه من الحرام، يسكن لشريكه؛ ﴿ لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾ [الروم: 21].

إذًا فتلك الحاجة – أيها القارئ الكريم – هي من الحاجات الفسيولوجية الأساسية للحياة، مثلها مثل الطعام والماء والهواء.

لكن تمهَّلوا، فالبيوت لا تقام على هذا فقط! البيوت تحتاج إلى المودة والحب؛ لأن الشهوة غير الحب، والحب أكبر وأعلى منها بدرجات؛ الشهوة احتياجٌ لنوع آخرَ وحسب، لكن الحب احتياجٌ إلى نفس وروح وكينونة أخرى، ولو عاش الزوجان بلا حب ومودة، لانطفأتِ الحياة، وصارت مُوحِشة مُظلمة باردة، فالحمد لله الذي جعل المودة والرحمة بين الزوجين سببًا للسكينة واستقرار البيوت، فنحن نرى بأعيننا كيف تتحوَّل العَلاقة بين الزوجين من اللهفة الأولى للقاء، إلى المودة والرحمة، ويعيشان معًا لسنوات طويلة.

ومن منظور آخر: الزواج صدقة! فالزواج سبيلٌ لقضاء الشهوة ونَيْل الأجر، فالزوج والزوجة عندما يقضيانِ شهوتَهما، فإنها يؤجَران على ذلك؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وفي بُضْع أحدكم صدقة))، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكون له فيها أجر؟! قال: ((أرأيتُم لو وضعها في الحرام، أكان عليه فيها وزر؟))، قالوا: بلى، قال: ((كذلك إنْ وضعها في الحلال كان له فيها أجر))؛ رواه مسلم.

والزواج سببٌ لطلب الرزق، يقول صاحب الظِّلال:

“ولا يجوز أن يكون الفقر عائقًا عن التزويج، متى كانوا صالحين للزواج، راغبين فيه، رجالًا ونساءً، فالرزق بيدِ الله، وقد تكفَّل الله بإغنائهم، إن هم اختاروا طريق العفة النظيف؛ ﴿ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النور: 32]، وقال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثةٌ حقٌّ على الله عونُهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتِب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف))”؛ حديث حسن، رواه الترمذي والبيهقي.

قيل في شرح الحديث: إن هذه الأمور الثلاثة شاقَّة على الإنسان، يكدح ويتعب وإن سعى وحده لن يُطيق! لولا عونُ الله له ما قام بها، فقمع الشهوة التي فُطِر عليها بجبلَّته التي نزلت به أمرٌ صعب، وليس هيِّنًا على الشاب، فإذا استَعْفَف واتَّقى الله، أعانه الله بفضله.

والزواج هو اللَّبِنة الأولى لبناءِ المجتمع، نواة الأسرة، والأسرة تقوم على شركةٍ بين اثنين اختار كلٌّ منهما الآخر برضا نفس، واستشرافٌ لمستقبل ومسؤولية تُلقَى على عاتق الزوجين، ورعاية جيل جديد وتنشئته على قواعد الإسلام، ومشروعٌ لزرعِ عقيدة التوحيد في أنفسٍ خَلَقها الله مُضغة ثم علَقة في الحلال، ودروس يومية تُلقِّنها الأم لأبنائها، ويشرحُها الأب لهم في كل همسة ولفتة وشاردة وواردة تصدر منه، وراية يحملها جيل مِن جيل، ورسالةٌ مستمرَّة، وهي إعلاء كلمة الله وعبادته، والإعمار باسمه في الأرض؛ ليكونَ الزواج أرضًا يزرع فيها المسلم فيُنبِت ذريةً صالحة تؤدِّي المهمة في زمن آخرَ، وهكذا حتى تقوم الساعة.

♦♦ ♦♦ ♦♦


منارة حب

الحب هو أن تُحسِن اختيار زوجتِك وتحبها، وتحسني اختيار زوجك وتحبيه؛ لتزرعا معًا – بحبٍّ – طاعةَ الله في صدور أبنائكما، فالزواج رسالة وأمانة، ويا لها من أمانة!

____________________________
بواسطة : د/حنان لاشين أم البنين

____________________________
رابط الموضوع:

https://cutt.ly/6SyMGdC

رسائل حبٍّ أنقذت زوجين! 

منذ ما يُقارب الشهر أو أكثر حدَّثتْني عن رغبتِها في الانفصال عن زوجها.

لخَّصتْ أسباب رغبتها في الانفصال في أنها تموت كلَّ يوم وهي على قيد الحياة… ترتدي قناع الابتسامة وقلبها يملؤه الهمُّ، تُوهِم زوجَها بأنها سعيدةٌ معه، وهي في قِمَّة التعاسة والغم.

لا تجد منه حبًّا ولاحنانًا… لا تجد منه تفهُّمًا ولا احتواءً… لا تجد تقبُّلًا ولا ارتواءً.

هو يراها سبب تعاسته، وهي تراه سبب بُؤسها في الحياة.

العجيب أنها رغم كل ذلك تحبُّه وتعلم أنه يُحبُّها!

تمتزج داخلها الأحاسيس المتناقضة… تحبُّه وتكره صنيعَه معها… لا تستطيع البُعْد عنه؛ فلها معه الكثير من الذكريات السعيدة، وفي الوقت نفسه لم تعُد تحتمل الحياة معه؛ فلها معه الكثير من مشاعر الصدِّ والخذلان، والكثير من الأحداث التعيسة!

تودُّ لو تفارقه، ولكنها كلَّما تخيَّلت حاله بعد الفراق أشفقت عليه؛ فيلين قلبُها وتستكين ثورتُها، ثم سرعان ما تندم وتشعر أنها تُدمِّر نفسها بنفسها، فتُفكِّر في الانفصال مُجدَّدًا.

تحاورنا معًا…قلتُ لها: أليس من الحكمة أن نمنحَ أنفسنا فُرصةً جديدةً، ربما تُبعث الحياة في القلوب الذابلة ما دمتِ تُكنِّين له بعض الحب وما دام يُكِنُّ لكِ بعضَ الحبِّ؟

أليس من الحكمة أن تجلِسا معًا، وتتناقشا فيما يحتاجه كلٌّ منكما من الآخر؟!

قالتْ: كيف وهو لا يمنحني الفرصة للتفاهُم أو الحوار؟

التعبير عن رأيي ممنوع!

الحديث عن احتياجاتي غير مسموع!

بل الحديث عن حلِّ مشاكلنا غيرُ واردٍ على الإطلاق، فأنا وحدي سبب المشاكل في حياتنا، كما يُخبرني دومًا!

لقد صرتُ أشعر بحربٍ تشتعل داخل نفسي… حرب يزيد لهيبُها يومًا بعد يوم.

الكلُّ يراني سعيدةً ومبتسمةً ومرحةً، ولا يدرون أنني أموت ألفَ مرةٍ كلَّ يوم.

ضاعت السكينة من بيتنا… تصحَّرت المشاعر في قلوبنا… جفَّت أودية السكن والمودة والرحمة بيننا.

ضاعت كلُّ مقومات الحياة الزوجية، فكيف لي أن أتحمَّل العيش معه بعد الآن؟

قلتُ لها: وأين أنتِ من الدعاء؟!

أين أنتِ من الدعاء باسم الله السلام أن يرزقَكِ السلام النفسيَّ والهدوء والسَّكِينة، وأن يُذهِب غيظ قلبكِ، ويمحوَ نار صدركِ، ويجعلها برْدًا وسلامًا؟!

أين أنتِ من اسم الله الفتَّاح الذي تفتح الدعوةُ به القلوبَ المغلقة، وتُحل به المشاكل العصيَّة؟!

أين أنتِ من دعوة يونس عليه السلام التي أخرجتْه من بطن الحوت، فهل حُوتُ مشكلتِكِ الزوجية أشرَسُ من حوت يونس؟!

هل ظُلُمات مشكلتكِ أشدُّ وطأةً من ظُلُمات الليل، وظُلُمات البحر، وظُلُمات الحوت التي أحاطت بنبي الله يونس من كل اتجاه؟

قالتْ: لقد نال اليأسُ مني، وتمكَّن من كل خلايا نفسي!

قلتُ لها: لا تيئسي؛ فاليأسُ يا عزيزتي ليس له مكانٌ في حياتنا، اليأسُ بضاعة الكافرين، أمَّا نحن فبالإيمان نتسلَّح، وبحُسْن الظنِّ بالله نتدرَّع، ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].

أكثري من الدعاء، ثم خُذي بالأسباب، حاولي أن تتعرفي على احتياجاته وتُحقِّقيها له… حدِّثيه برفق، وإيَّاك والنقد… غلِّفي كلماتِك بالمودَّة والتقدير…جرِّبي أن تُرسلي له رسائلَ حُبٍّ يومية.

أحضري دفترًا جميلًا، واكتبي له في كل يوم صفةً جميلةً تُحبِّينها فيه، وفي صفحة أخرى اكتبي له يوميًّا موقِفًا جميلًا تتذكَّرينه له، وموقِفًا جميلًا قُمتِ له به… اذكُريه له على سبيل الحُبِّ، لا على سبيل المنِّ، واحذري أن تُذكِّريه بمواقفه السلبية معك.

أحضري له دفترًا واطلبي منه بحُبٍّ وحنان أن يفعل معك نفس الشيء، ربما يرفض في البداية، أو يستهين بالفكرة، أو يسخر منها ويتَّهمكِ بالسذاجة والطفولية.

لا عليك… استمري أنتِ واكتبي له، ثم تدلَّلي عليه بلُطْف، وأخبريه أن هذه الرسائل ستمنحكِ المزيد من السعادة والدفء، وستوقظ مشاعر القلب.

استمري على الكتابة له لمدة شهر، وحاولي أن تجعليه يكتب لكِ في نفس الشهر، وستجدين كلَّ يوم مشاعركما قد بدأت في الاستيقاظ من جديد، ووقتها ستشفع ذكرياتكما الجميلة لك وله، وستكتشفين كم به من الخير، وستكتشفين أنه يرى فيكِ كل الخير.

قلتُ لها ذلك وقد فعَلَتْه، ثم أخبرتني بعد أسبوعين وهي سعيدة أنها دعت الله كثيرًا بأسمائه الحسنى، وأنَّ الله استجاب لها.

قالت لي: تخيَّلي ماذا كتب لي؟!

كتب لي أنني طيبة وحنون، وأحرص على زينتي في المنزل، وأهتمُّ بأطفالي، وأنني مُشجِّعة وداعمة له، وصابرة على منغصات الحياة، وأشجِّعه على صلة الرحم، ولقاء الأصدقاء، وممارسة الهوايات، ثم فتح قلبه للحديث معي عن احتياجاتي واحتياجاته!

قالت: لقد بكيت فرحًا حين قرأتُ ذلك… كنت أنتظر كلَّ يوم كلماته التي سيكتبُها لي… كانت كلماته مرآةً أرى فيها قيمتي لديه، لقد كان يُعبِّر بكلمة واحدة أو كلمتين في كل يوم، ولكنَّ ذلك كان كفيلًا بأن يروي ظمأ سنوات عجاف مرَّت على قلبي فأنهكته… كنتُ أقرأ كلماته فأشعر في كل مرة أنني أُولد من جديد، وأنني أعيش الحياة بشكل جديد.

سألتني مُتعجِّبةً: لِمَ لمْ يُخبرني بأي شيء من ذلك من قبل؟ لقد كنت أظنُّه يراني بلا قيمةٍ في حياته!

قلتُ لها: الرجال لا يُعبِّرون عادةً بالكلمات.

قالت: ولمَ كان ينتقد بالكلمات؟!

قلتُ: ربما ضغوط الحياة تمكَّنت منه، فكنتِ أنتِ مرمى سهامه، فاغفري له.

قالت: أتعرفين؟ لقد اكتشفتُ فيه أشياءَ جميلةً كانت قد توارت عني بالفعل، وأدركتُ أننا كنا ندفن زهور الحبِّ بين ركام المخلَّفات؛ بسبب سوء التعبير وسوء الفهم.

قالت بخوف: أتعتقدين أنَّ هذه السعادة ستدوم، وستعوِّض مرار العمر الماضي؟

أتعتقدين أنني لن أستيقظ ذات يوم من هذا الحلم الجميل على نكبة جديدة لقلبي؟!

قلتُ لها: أحسِني الظنَّ بالله، وخُذي بالأسباب، وأكثِري من هذا الدعاء: “اللهمَّ ألِّف بين قلوبنا، وأصلِحْ ذاتَ بَيْنِنا، واهدنا سُبُل السلام”.

أَنهَينا حديثنا، وجلستُ مع نفسي أفكِّر: كيف وصل حال بيوتنا إلى مرحلة البراكين الخامدة التي على وشك الانفجار، والبراكين المنفجرة بالفعل، رغم كل ما في أصحابها من صفات طيبة؟!

كيف نُضيِّع سنوات العمر، ونحن غارقون في ظُلُمات الحزن والضياع، والتشتُّت النفسي، والطلاق الرُّوحي، في حين أنه كان يُمكننا أن نحياها في سعادة وحب؟!

كيف نُضيِّع مقومات الحياة الزوجية بسبب سوء التواصُل وسوء الفهم؟

دعوت لها، وقلت وأنا أحدِّث نفسي:

ليتهم يحتفظون بهذه الأوراق ولا يمزِّقونها عند أول خلاف كما مزَّقوا من قبل الكثير من الذكريات الطيبة.

ليتهم يحتفظون ببريق الحبِّ وبريق الذكريات من خلال هذه الرسائل الداعمة.

ليتهم يعلمون أنَّه لا جدوى من إهدار العمر في سفاسِف الأمور، وغيرهم يعانون من كل مقومات الشقاء، ومع ذلك يُجاهدون ويحتفظون ببريق الحب.

ليتهم يعلمون، وليتنا نعلم.

ليتهم يتعلَّمون، وليتنا نتعلَّم.

_________________________
بواسطة: أ/رضا الجنيدي

_________________________

رابط الموضوع:

https://cutt.ly/HA8V4wP

هو عالمها 

هو رجلٌ ليس ككلِّ الرجال، ومع ذلك لا يختلف عنهم ذاك الاختلافَ الساحق… لم يكن يُميِّزه شيءٌ عظيم، لكنَّه كان يُميِّز الأشياء كلَّها، وكانت الأشياء كلها تكبر معه وتعظُم به! كان حفيًّا بأن يُرافَق، وجديرًا بأن يُوافَق على أيِّ أمر يقترحه أو يرتئيه؛ لأنَّه كان بكلِّ بساطة خليقًا بالموافقة!

لا تدركُ له وصفًا مُحدَّدًا حين تشرع بتعريفه؛ لذا نادرًا ما كانت تفكِّر في الحديث عنه… حين تريد الكتابة عنه، تهرُب الكلمات منها، وتأبى إلَّا أن تكون واقعًا مجسَّدًا ومُعاشًا، لا مُجرَّد كلماتٍ عابرةٍ فحسب تطفو دون أن تغوص…

ثمَّ إنَّها تعلم في خَلَدِها أنَّ الكلمات لن تسعها للتعبير عما تُكنُّه له في جوفها من مشاعرَ وأحاسيس وعواطف أوسع بكثير من أن يُحاط بها، أو أن يُعبَّر عنها بصفحةٍ واحدة أو ببضع صفحات… هو أوسعُ من هذا بكثير… هو عالمها!

لا تعلم بالتحديد ما هو السرُّ العجيب الذي شدَّها إليه واجتذبه لقلبها منذ الطفولة، منذ أن كانت تراه بضع مرَّاتٍ فقط صيفَ كل عام.

كان حينها في الحادية عشرة، يوم صارحها بحبِّه الطفولي الخجول المفعم بالبراءة والأحلام … يومها كتب رسالته السريعة تلك على ورقة من أوراق دفتره الصغير الذي لطالما كان يُرافقه، ثمَّ مزَّقها بسرعة… كانا يلعبان حينها على شُرفة منزلها الشاسعة كقلبيهما… وكانت تحبُّه، لكنها لم تكن لتعلنَ عن حبِّها له ولا لأيِّ إنسان، فالحبُّ عندها هالةٌ قدسيةٌ تُسقى دون أن تُروى؛ لأنَّها إذا رُويت جفَّت وحلَّ بها النسيان… هي هكذا عاطفةٌ حرَّةٌ رقراقةٌ حلوة، تنمو بصمتٍ ونقاء بذاتها ولذاتها، بعيدًا عن الكلمات والأصوات والمؤثِّرات الرسمية والشكلية.

كانت في عمقها تعي شعوره العميق ذاك حتى قبل أن يُصرِّح عنه، ويبوح به على الورق؛ حيث كانت تقرؤه في عينيه ورقَّته، وتحسُّه في حسِّه المرهف الراقي عند تعامُله معها…

كان جديرًا بأن يكون رفيق عمرها منذ الصغر، كيف لا؟ وهو ابن خالتها المفضَّل الذي شاركها كلَّ شيء؛ من العمر، إلى الأحلام، إلى أرجوحة الطفولة؟ كيف لا؟ وهي التي كانت تنتظر نسيم الغربة المرَّة أن يهبَّ ليحمله لها صيف كل عام قادمًا مع عائلته، ليُمضي معها ومع وباقي أبناء الخالات أسعد اللحظات، وأكثرها بهجةً ومرحًا وطفولة.

كانت لها معه أجمل الذكريات، وأكثرها براءةً وضحكًا وشقاوةً، لكنَّها لم تكن لتبُوحَ ولو لمرَّة، فهي هكذا تعرف عن حبِّها بالكتمان؛ لأنَّ الحبَّ عندها كمالٌ ينقُصُه البوحُ ويَذهَبُ به، تمامًا كما تنقُصُ الشكوى لذَّةَ الألم الفريد وتُذهِب هيبته.

تلك الغربة التي قضى فيها عمره كلَّه، كانت عدوتها اللدود، لكنها ما كانت تدري أنها هي نفسها التي ستصير رفيقتَها الدائمة، وأنيستها الثانية، التي ستُشاركها سُكناها مع رفيق العمر وأنيس الأحلام.

كلُّ ما فعلتْه حين قرأت رسالته الخاطفة الهاربة تلك أن تجاهلتها… تجاهلتها بكامل وعيها وبملْء إرادتها، كمالًا لا دلالًا، وترفُّعًا لا كِبرًا، واستحياءً لا غطرسةً… ابتعدت عنه من حينها مسافةً كافيةً؛ لتُخفي فيها ذاك الخجل الفاضح الذي صار يعتريها ويدبُّ في كيانها كلَّما جمعتهما الأيام في حديقة الجدَّة أو على شرفة اللعب والشغب… هو أيضًا كان خجولًا وبريئًا جدًّا، لكنه ما كان ليستسلمَ ويُسلِّم بحبِّه الطفولي البريء ذاك، وما كان ليعتبره مجرد محطة طفولية عابرة، بل كانت تلك العاطفة الجيَّاشةُ بالنسبة له هي تلك القوة المعجزة الخارقة التي تدفعه نحو النضج دفعًا، وتقودُه نحو عمر الرُّشْد بأسرع ما يمكن أن يكون.

لقد كبر الحبُّ فيه سنةً تلو سنة، وعامًا إثرَ عام… كان يأتيها محمَّلًا بالبسمات والأمل، وفي طيات نظراته الدافئة تلك، كان يُخبِّئ الكثير من الوعود الزاخرة التي ما كان لينطق بها أو يبوح؛ لأنه كبر الآن وما عاد طفلًا! ظلَّ يكتم حبَّه عنها، ويغضُّ نظراته الخجلى قدر ما استطاع، وظلَّت هي أيضًا تُخفي ذلك الحبَّ الطاهر الصامت الذي ما انفكَّ ينمو برفقٍ وتؤدة على سجيَّته، ويُسقى في قلبها بماء الذكريات وعبير الأمنيات.

ولأنَّه نشأ في طاعة الله، وتربَّى على يد شيخه ووالده وصديقه ومثله الأعلى؛ لذلك ما عرَفت نفسه الآثام قطُّ، ولا جنحت نفسه للميل عليها، ولا لسلوك أهون الطرق إليها… ولأنَّها نشأت في بيئةٍ محافظة، وترعرعت على حبِّ الدين وعشق المسجد وحلقات القرآن، فقد كان يرضيها فقط أن تراه وتستمع إليه في كلِّ زيارة عائلية يأتي بها محمَّلًا بالشرائط والنصائح الدينية التي كان يغدق بها عليها وعلى إخوتها صيف كل عام، إلى أن قرَّرت وأخواتها على إثرها ارتداء الحجاب.

لقد كانت هذه طريقته الوحيدة في التعبير عن الحبِّ والمودَّة، وهل من محبَّةٍ أكبر وأعمقَ من أن تُسهم في إصلاح من تحبُّ؟ وهل من صلاحٍ أعز وأَولى من صلاحِ الأحبَّة؟

مرَّت الأيام، وكبرت الأحلام وصارت حقيقة لا خيالًا، واجتمع الاثنان بأمر الله وتيسيره تحت سقف واحد، تحفُّه السكينة والمودَّة، والفرحة العارمة، والأحلام التي لا تموت، فهي أبدًا في تجدُّدٍ واستمرار وولادة دائمة.

ظلَّ قلبُه الحاني هو ملجأَها الهادئ الساحر الذي لا تسكُن إلَّا إليه، ولا تملُّ من البوح عليه، لا شيء تغيَّر سوى أنه صار في عينيها أكبر وأعظم، بعد أن خبرت خُلُقَه الزاكي المثاليَّ الذي لا بُقعة فيه ولا شوائب، لا أحقاد ولا ضغينة ولا حسد!

ما سمعت منه مرَّة واحدة كلمة بذيئة، أو عبارة تخدش الحياء أو الإحساس أو تمسُّ سطحه مسًّا… ما جرحها ولو مرة، وهو الرقيق المتفائل الباسم دومًا حتى في أصعب الظروف… ما سمعته يومًا يغتاب إنسانًا على وجه البسيطة، أو يشكو جُرحًا، أو يئنُّ لوجع… كان يبتلع جراحه بصمْت وإيمان وتسليم كامل، وينسى ويُسامح خذلان الأصدقاء دون أن يُعبِّر عنه، وهذا أكثر ما تحبُّه فيه!

ما خطر بباله ولو مرة أن يستغلَّ تعبها أو يحمِّلها ما لا طاقة لها به، فحتى حين فقد عمله، وظلَّ فترةً طويلة بلا مصدرٍ ثابت للرزق، فضَّل أن يعمل عملًا مؤقَّتًا شاقًّا بالساعات على أن يجعلها ساقيةً شقيَّةً يسترزق منها أو يروي بها جشعه كما يفعل الرجال الماديُّون الاتِّكاليُّون، وهي التي تمنَّت أن تكون له جداولَ وينابيعَ من المياه العذبة التي لا تنتهي؛ لأنه يستحقُّ هذا، ولا شيء يكافئه!

لا زال في عينيها وقلبها فارس الأحلام والعمر والطفولة التي لا تكبر، ولا زالت أمانيهما معًا تكبر يومًا بعد يوم، وتغدق على حياتهما بمزيد من النفحات الزاخرة بالغبطة والوفاء، المستظلة أبدًا بفيء الذكريات.

هي تعلم اليوم أنها تُحبُّه أكثر من أي يومٍ مضى؛ لأنه الوفي الذي ما خانها يومًا، ولا تخلَّى عنها أو خذلها كما فعل الجميع… يكفيها أنَّه ما برح يمثِّلُ أحرص إنسانٍ على رضا أمِّه، وأحبَّ قلبٍ لقرب أبيه، وهو الذي لطالما اتَّخذ من رضا الوالدين ذخيرةً وزادًا يُخفِّف بها عنه ما يُثقل كاهله من أعباء الطريق.

وحده هو الذي كان وسيظلُّ ويبقى سفينتها التي تُبحر بها نحو عالم أوسع وأطهر وأبهى… عالم مليء بالصدق والبراءة والصفاء… عالم لا يعرف عنه أحدٌ سواهما، فهو عالمٌ غير قابل للتعدُّد والزيادة والنقصان… هو عالم يحيا ويسمو أبدًا في ثباتٍ وبريق لا يخفت ولا يضمحلُّ، لا يخبو ولا يغيب؛ لأنه من عالم الروح يستقي استمرارَه وأبديَّته وجماله وجلاله وإشراقته…

وهي الموقنة أبدًا بأنَّه كان وما زال وسيبقى بقلبها وبروحها وبعقلها أحبَّ حقيقةٍ وأعزَّ ذكرى!

___________________________
بواسطة :نورا عبدالغني عيتاني

___________________________
رابط الموضوع:https://cutt.ly/YAcjbqc

اهجرها في المضجع ولا تقتل أبناءك 

أطفالنا زهورٌ رقيقة تملأ حياتَنا عطرًا وجمالًا، ولكن بعضنا يطأ زهوَره بأقدامه وهو لا يشعر، ويقتُلُ فيهم كلَّ جميل بسيوفٍ باردة، وهو يظنُّ أنه يُحسِن صنعًا!

ومن أكثرِ المَشاهِدِ التي يحدُث فيها قتلٌ للأبناء بسيوف باردة مشهدُ هجرِ الزوج لزوجته خارج حدود غرفة نومهما؛ اعتقادًا منه أنَّه بهذا التصرُّف يُؤدِّبها، وما يدري أنَّه بصنيعه هذا يُدمِّر أبناءه من حيث لا يدري.

لقد أرشَدَ الله عز وجل الزوج لطبيعة التعامُل مع الزوجة الناشز، وعلَّمه أنْ يتدرَّج في التعامُل معها من خلال ثلاث طرق متتابعة، يتوسَّطها الهجرُ في المضاجع، ليس ذلك بغرض حماية الحياة الزوجية فحسب؛ بل لحماية الأطفال من اختراق الاضطراب والتشتُّت النفسيِّ لقلوبهم ونفوسهم.

يقول الله عز وجل في سورة النساء: ﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ﴾ [النساء: 34].

هل لاحظت أيها الزوج الفاضل عمقَ التعبير ودقَّتَه؟

هل لاحظت أنَّ الله عز وجل يُرشدكَ إلى أنَّ الهجر للزوجة الناشز يجب أنْ يكون في فراشكما، وليس خارج حدود غرفة نومكما؟ وذلك لأسباب تتعلَّق بعدة جوانبَ في الحياة الأسرية؛ منها: حماية الأبناء من أعراض القلق والاضطرابات النفسية التي تنشأ حين يُلاحِظون وجود المشكلات بين أُمِّهم وأبيهم.

تُرى: كيف حال الأبناء الذين يُشاهدون أباهم قد أخذ أغراضه، واعتزل زوجته وهجَرَها لخلاف حدث بينهما؟

كيف ستكون ردود أفعالهم حين يتعرَّضون لمشكلةٍ ما، أو حين تُصادفهم بعضُ التحديات في حياتهم؟

أخشى أنْ تكون مواجهتهم لها بالانسحاب كما يفعل والدهم أمام أعينهم.

هم يرَوْن أباهم يُسارع بخصام أُمِّهم وهجرها حين تحدث بينه وبينها مشكلة، ومِن ثَمَّ سيُصبح هذا هو الحلَّ الأمثل في أذهانهم حين تواجههم بعض المشكلات في حياتهم.

وربما ينعكس ذلك على علاقتهم بكَ وبأُمِّهم، فإذا بهم يخاصمونكما ويهجرونكما عند أول خلاف يحدث بينكما وبينهم.

الآثار السلبية أيها الزوج الفاضل لا تتوقَّف عند هذا الحدِّ؛ بل تمتدُّ لتدمير أسرة أبنائك في المستقبل، فقد تبدأ ابنتُكَ في هجْر زوجها حين تغضب منه أو تختلف معه؛ لأنها رأت نموذجًا يُخبرها أنَّ الرجال حين يغضبون يخاصمون ويهجرون؛ فتبدأ هي بانتهاج هذا النهج حمايةً لنفسها من خطر ترتقبه وتتوقَّعه.

أما إذا لم تكن ابنتك بهذه الجرأة، فربما تُصبح ضحيةً للاستنزاف العاطفيِّ، فتسعى للتنازُل في كل مرة يُهينها فيها زوجها، حتى وإن كان الحقُّ معها؛ لأنها تكره النكد، ولأنها أصبحت مريضةً بفوبيا المشكلات والخلافات.

وقد يُكرِّر ابنُكَ نفس سلوكِكَ مع زوجته، فتحمل له الزوجة مشاعرَ النفور والكراهية وتعتاد هجْرَه؛ فيعيش تعيسًا ومنعزلًا.

فهل تحب أن تكون حياة أبنائك هكذا؟!

وهل تحب أن تكون مشاعرُ أبنائك سلبيةً تجاهك؟

إنَّ الأبناء يميلون بطبيعتهم للأُمِّ في صغرهم وفي مراهقتهم، ويرون فيها الجانب الأضعف والأكثر حنانًا واحتواءً، والطرف الذي يكدح ويتعب من أجلهم… هم بطبيعتهم الطفولية لا يرون جهد الأب في هذا العمر؛ فلا تشحن قلوبَهم، ولا توغر صدورهم ضدَّك بهجركَ لأُمِّهم؛ فهم أحوجُ ما يكونون إلى الامتلاء بالمشاعر الإيجابية نحوك.

حبُّهم وتقديرهم لك سيمنحهم الشعور بالقوة النفسية، فلا تخذلهم، سيمنحهم الشعور بأنَّ أباهم رجلٌ فاضل، وزوج رائع، وإنسان عظيم، وقدوة جميلة؛ فلا تُشوِّه صورتكَ في أعينهم.

المشكلات الأسرية كذلك حين تصل إلى علم أبنائك تنتزع منهم الشعور بالأمن والأمان؛ فتصبح حساسيتهم لها عالية… سيتخيَّلون كلَّ حوارٍ بينكَ وبين أُمِّهم على أنه نزاع.

كل صوت مرتفع ولو على سبيل النقاش سيعتقدون أنه خلاف، وستبدأ أذهانهم في ترقُّب السوء، وانتظار عقبات هذه المشكلة، سيُنتزع الأمن منهم انتزاعًا، وسيُربَّى فيهم الخوف من أجواء المشكلات، والخوفُ من الفراق المرتقب في أذهانهم نتيجة للمشكلات.

هل تدرك أيها الأب الحنون معنى أن يعيش الإنسان قلقًا وخائفًا، وللشرِّ مترقِّبًا؟

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أصبَحَ مِنكم آمِنًا في سِرْبه، مُعافًى في جَسَدِه، عنده قُوتُ يومِه، فكأنَّما حِيزَتْ له الدُّنيا)).

لقد جعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم الشعور بالأمن داخل البيت أوَّلَ دليلٍ على حيازة الدنيا؛ فلماذا ننتزع الأمن من قلوب أبنائنا انتزاعًا، ونغرس فيهم من سهام الخوف سهامًا وسهامًا؟!

أليس في السير على شرع الله حياة؟

أليس الله بأعلَمَ بما يُصلِح حال عباده؟

لو علم الله في هجركَ هذا خيرًا، لأرشدك إليه، فَسِرْ على طريق الحقِّ تَسعدْ، سِرْ على شرع الله؛ كي لا تقتل أبناءك، وحين تُريد أن تُؤدِّب زوجتَكَ الناشز اهجرْها في المضجع وليس خارج غرفتكما، وذلك بعد استنفاد وسائل النصح، وحين تختلف مع زوجتك التي تتقي الله فيكَ، ابحثْ معها عن وسائل لعلاج مشكلاتكما داخل غرفة نومكما، ولا تجعل الهجر أوَّلَ حلولِكَ فتُدمِّرَ أبناءك.

____________________________________

بواسطة : أ / رضا الجنيدي .
____________________________________

رابط الموضوع:

https://cutt.ly/tAgkj4U

بين الزوجين معارك حسنة 

يقول دانييل جولمان في كتابه: ((الذكاء العاطفي)): إن الأمر الذي يلاحظ أنه مفقود في معظم الحالات التي تنتهي آخر الأمر بالطلاق، هو أن أيّاً من الطرفين المختلفين لا يحاول أن يخفِّف حدة التوتر.

ذلك أن الاختلاف الفاصل الذي يفرًق بين معارك الأزواج التي تنتهي حياتهم الزوجية بالطلاق عن غيرهم من الأزواج الذين تستمر حياتهم الزوجية، هو وجود أساليب التعامل التي تضيق هوة الشُقة بين الزوجين أو غياب هذه الأساليب.

حيث إن آليات الإصلاح التي تحول دون تصعيد الجدل إلى مرحلة التفجر العنيف، ما هي إلا مجرد أمور يسيرة، مثل: الإبقاء على استمرار المناقشة، والتعاطف، وخفض حدة التوتر.

إن عدم التركيز على المسائل التي تثير العراك بين الزوجين مثل: تربية الأطفال، والجنس، والأعمال المنزلية، هو الاستراتيجية العامة التي تجعل الزواج بإذن الله – ناجحاً. بل هو الذكاء العاطفي الذي يشترك في رعايته كل من الزوجين، وبالتالي تتحسن فرص نجاح العلاقة بينهما.

ومن بين المهارات العاطفية المهمة في هذا الشأن، القدرة على تهدئة النفس وتهدئة الطرف الآخر بالتعاطف والإنصات الجيد.

الأمر الذي يرجح حل الخلافات الزوجية والعائلية بصفة عامة، بفاعلية.

وهذا ما يجعل من الخلافات الصحية بين الزوجين معارك حسنة تسمح بازدهار العلاقة الزوجية وتتغلب على سلبيات الزواج التي إن تركها الطرفان تنمو وتهدم الزواج تماماً.

إذن: ما الذي يحمي الزواج؟ وماذا يمكن أن يفعله الزوجان لحماية مشاعر المودة والرحمة التي تجمعهما؟!. للإجابة على ذلك قدّم الباحثون في الشؤون الزوجية نصائح محدّدة لكلٍ من الرجال والنساء.

يقول دانييل جولمان في كتابه ((الذكاء العاطفي)): يحتاج الرجال والنساء إلى شتى أنواع التوافق العاطفي، وعليه فإن النصيحة للرجال بألاّ يتجنّبوا الخلاف مع زوجاتهم بل أن يدركوا أن الزوجات عندما يطرحن بعض الشكوى أو الخلاف معهم، فهن يفعلن ذلك من منطلق المحبة ويحاولن الحفاظ على حيوية العلاقة ونموها.

وعلى الأزواج أن يدركوا أن غضب الزوجات وشعورهن بعدم الرضا لا يمثّلان هجوماً شخصياً عليهم، فغالباً ما تكون انفعالات زوجاتهم تأكيداً لمشاعرهن القوية بالنسبة للموضوع محل النقاش.

والمطلوب من الرجال أيضاً أن يتوخوا الحذر من تقصير دورة المناقشة وتقديم حل عملي سريع، ذلك لأن ما هو أكثر أهمية للزوجة هو استماع زوجها لشكواها وتعاطفه مع مشاعرها حول الموضوع الذي تتحدث فيه، على الرغم من عدم اتفاقه معها. فالواقع أن معظم الزوجات يرغبن في الاعتراف بمشاعرهن الصادقة واحترامها حتى لو اختلف الأزواج معهن، وتشعر الزوجة في معظم الأحيان بالهدوء النفسي، عندما يستمع زوجها إلى وجهة نظرها، ويتفهم مشاعرها، من خلال ودٍّ وانسجامٍ مشترك.

والنصيحة المقدّمة للنساء، هي موازية لنصيحة الرجال وهي: ما دامت أكبر مشكلة الرجال هي تركيز الزوجات على الشكوى دائماً، فليتهن يبذلن جهداً متعمداً على عدم نقد الأزواج أو الهجوم الشخصي عليهم، ويحرصن على أن تكون الشكوى فقط ضد ما فعله الزوج، وليس نقداً لشخصه وتعبيراً عن احتقاره، بل عرض الفعل المحدد الذي سبّب لهن الضيق والهمّ.

ذلك أن الهجوم الشخصي الغاضب يؤدي بالتأكيد إلى أن يأخذ الزوج الموقف الدفاعي أو يوقف المناقشة، ويبني جداراً من الصمت، وهو موقف يؤدي إلى مزيد من شعور الزوجة بالإحباط ويصّعد المعركة. هذا الموقف يساعد أيضاً على مزيد من الإحباط خاصة إذا كانت الزوجة تعرض شكواها في سياق تأكيد حبها لزوجها.

لقد تبيّن أن الزيجات التي دامت طويلاً، تميل إلى التمسك بموضوع واحد، وهو إعطاء كل طرف للطرف الآخر الفرصة لعرض وجهة نظره في بادئ الأمر، بل يذهب هؤلاء الأزواج إلى ما هو أبعد من ذلك، أي أن يظهر كل طرف للآخر أنه ينصت إليه تماماً. وما دام كل طرف استمع إلى خلجات الطرف الآخر، فغالباً ما يشعر المتظلم عاطفياً أن هناك من التعاطف ما يقلّل حدة التوتر.

__________________________
بواسطة: الدكتور / زيد بن محمد الرماني.

__________________________

رابط الموضوع:https://cutt.ly/1Aatuit