العاطفة في الحياة الزوجية هي الحب الذي يكنّه الزوجان للآخر، أو هو الجاذبية التي تجذب كلاهما نحو الآخر وتشده إليه؛ فهي شعور داخلي ناتج من استحسان أوصاف وطبائع وأخلاق الطرف الآخر، وميل فطري إلى النواحي الجمالية والصفات الخلقية والخُلقية لشريك الحياة.
وهي في العلاقة الزوجية بمنزلة الملح للطعام، أو الماء للنبات؛ فكما أنه لا قيمة للطعام دون ملح، ولا حياة للنبات دون ماء؛ فكذلك الحياة الزوجية لا طعم لها ولا ضمان لاستمراريتها وبقاء حيويتها دون عاطفة.
وتتجسد قيمة العاطفة في إبدائها للطرف الآخر وإشعاره بوجودها والعمل على تنميتها؛ فالحب المكنون في القلب الذي لا يعمل صاحبه على إبدائه كالوردة التي لا عطر لها، حيث تصبح العلاقة الزوجية سطحية جافة، فاقدة للحيوية والانتعاش، يسيطر الملل على جوانبها، وتعمّ الوحشة جميع أرجائها؛ فالمرأة بحاجة إلى ما يخفف عنها عناء الأعمال المنزلية، والرجل بحاجة إلى ما يخفف عنه متاعب العمل أو الوظيفة، وكلاهما بحاجة إلى ما يسري عنه همومه وأحزانه، ويخفف من وطأتها عليه، وبحاجة إلى إحساسه بأن هناك من يعتني به ويراعي مشاعره.
أعظم وسيلة
وهناك الكثير من الوسائل لتنمية العاطفة بين الزوجين، وهي في نفس الوقت وسائل تعبير عن الحب المضمر في القلب. وقبل الشروع في ذكر الوسائل فإني أحب أن أذكّر القارئ الكريم أن أهم وسيلة وأعظم طرية لتقوية العلاقة بين الزوجين طاعتهما لله وابتعادهما عن محاربته بالمعاصي؛ قال تعالى: “إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا”. غير أن الله تعالى جعل لك شيء أسبابه، كما أن عامة صنوف الإحسان إلى الطرف الآخر تعمل على تنمية الحب بين الزوجين؛ فقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها، غير أني سأركز على نقاط معينة غفل أو تغافل عنها الكثير من الأزواج؛ من أهمها:
-
الكلام العاطفي الصريح، واستخدام كلمات الحب والغرام. فقد روي أن السيدة عائشة كانت تقول: “سمعت حبيبي صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا…”.
-
مخاطبة شريك الحياة بالكنى والألقاب الحسنة، وتدليل الأسماء أو ترقيقها أو ترخيمها، كما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يخاطب السيدة عائشة بقوله: “يا عائش” أو “يا حميراء”.
-
المزاح والمداعبة ومقابلة الطرف الآخر بالكلمة الرقيقة والابتسامة الحانية، وعدم التجهم والعبوس في وجهه دون مبرر؛ وهذا من أهم وسائل الترويح عن نفسية الطرف الآخر وتخفيف أحزانه. وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يمازح زوجاته ويداعبهن، وقد ذكر صلى الله عليه وسلم في بعض أحاديثه أنّ وضْع اللقمة في فم الزوجة فيه أجر ومثوبة، وهو من صور المداعبة.
-
التغزّل في الزوجة وذكر النواحي الجمالية فيها.
-
الإشادة بأخلاق الطرف الآخر وحسن تعامله، وشكره على ما يقدم من خدمات، والإغضاء عن هفواته بتذكر حسناته، وعدم استخدام المناظير السوداء بالتركيز على النواحي السلبية.
-
إطراء الزوج، حسن اختيار الزوجة للباسها، وحسن صنيعها في الطعام، وحسن ترتيبها لأثاث المنزل واهتمامها بشؤون العائلة.
-
حرص الزوجة على التزيّن الدائم لزوجها، وحرصها على اختيار ما يميل إليه من اللباس وألوانها، وانتقاء ما يميل إليه ذوقه من العطر والزينة وغيرها، وكذلك الحال بالنسبة إلى الزوج.
-
احترام الزوج لميول زوجته الفكرية واهتماماتها الثقافية، وعدم دفعها أو إجبارها على التقيد بنواحي فكرية معينة يميل إليها؛ إلا إذا كانت تميل إلى أفكار هدامة منافية للقيم الدينية والاجتماعية.
-
احترام مشاعر الطرف الآخر وأحاسيسه، والابتعاد عما يكدّر خاطره ويجرح مشاعره؛ فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لصفية بنت حيي (وكان أبوها من اليهود): “لقد كان أبوكِ من أشد الناس عداوة لي حتى قتله الله”، فقالت: يا رسول الله “ولا تزر وازرة وزر أخرى”؛ فلم يذكر صلى الله عليه وسلم أباها بعد ذلك بسوء؛ حفاظًا على مشاعرها واحترامًا لأحاسيسها.
-
تبادل الهدايا بين الزوجين في المناسبات؛ فإن الهدية من أكبر أسباب المحبة، كما قال صلى الله عليه وسلم: “تهادوا تحابوا”.
هدايا الناس بعضهم لبعض .. تولد في قلوبهم الوصالا
وتزرع في النفوس هوى وحبّا .. وتكسوهم إذا حضروا جمالا
-
احترام أهل الطرف الآخر، والإشادة بهم وحسن تربيتهم، وعدم ذكر عيوبهم والتنقص بهم؛ فإن في ذلك إيذاء للطرف الآخر وتنقصًا به، إلا إذا كان على سبيل التحذير من عادة أو خلق معين يتّصفون به.
-
الابتعاد عن سوء الظن في شريك الحياة أو التشكيك في سلوكه دون مبررات وأدلة؛ فإن شدّة الغيرة والمبالغة فيها معول هدم للحياة الزوجية.
وقد يعتقد كثير من الأزواج أن بعض هذه الأمور منافية لرجولته أو تقلل من هيبته أمام زوجته، ويرجع اعتقادهم هذا إلى عوامل نفسية أو تربوية أو اجتماعية، كالضعف النفسي أو نشأتهم على الشدة والقسوة أو التدليل الزائد، أو نشأتهم في بيئة جافة من ناحية عاطفية؛ فليقلب هؤلاء سير المصطفى صلى الله عليه وسلم أكمل الرجال رجولة وأعلاهم هيبة ليجدوا الأمر بعكس تصورهم.
فقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم حافلة بحسن تعامله مع زوجاته وتلطفه بهن، وكانت العاطفة الصادقة تسود جو حياته الزوجية، فقد كان طليق الوجه مبتسمًا، ولم يكن متجهما عبوسا، وهو القائل: “إن الله يحب السهل اللين القريب”، لا كما يفعل بعض الرجال حين يدخل بيته كالوحش الكاسر يملؤه صخبًا وصراخا، ولا يعرف إلا الشدة والعنف والغلظة، فنسأل الله السلامة والعافية.
Leave a Reply