الاستقرار العاطفي والنفسي والأمان من خلال التفاهم نجاح للزواج
تحقيقاً لمزيد من طمأنينة المرأة على مستقبلها الأسري واستقرارها النفسي، وتفادياً لما قد تحدثه غيرتها وتأذيّها بالضُّرَّة من خلافات وخصومات، قد تمزق الأسر وتشرد الأبناء وتوجد الحقد والضغينة بين الزوجات وأولادهن وأهلهن، كما هو مشاهد بعضه في واقع كثير من الزوجات والأسر والبيوت، منح الإسلام الزوجة الحقَّ في اشتراطها على الزوج ألا يتزوج عليها، وهذا أصح القولين وأرجحهما كما سيأتي بيانه، وهو ما ذهب إليه عدد من الصحابة منهم: عمر بن الخطاب، وعبدالله بن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص رضي الله عنهم جميعاً.
وهو المنقول عن كثير من فقهاء التابعين منهم: شريح القاضي، وطاووس الكيساني، وعمر بن بن عبدالعزيز، والليث بن سعد، وإبن شهاب الزهري، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والأوزاعي، وآخرين من فقهاء التابعين ومن بعدهم، منهم الإمام الأجل أحمد بن حنبل، وأصحابه وعامة فقهاء المذهب الحنبلي، وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه الهمام إبن القيم، رحمهم الله تعالى جميعاً.
وإلى جواز هذا الشرط أشار الإمام البخاري، والحافظ الفقيه الشافعي ابن حجر، والحافظ الفقيه الحنفي العيني، بل قال العيني: إن بعض المتأخرين من الفقهاء استحسن هذا الشرط ونحوه.
حول الموضوع ومدى تقبل المجتمع له وأيضا مدى احترام هذا الشرط وعدم مخالفته للكتاب والسنة طرحنا الموضوع على عدد من المشائخ وخرجنا بالتالي:
بعد زواج دام نحو 20 عاما طلقت زوجة في الأربعين من عمرها لإخلال زوجها بشرط مسجل في عقد الزواج يمنعه من الزواج بأخرى. وجاء فسخ العقد بعد تأييد محكمة التمييز الحكم الصادر بهذا الشأن من المحكمة العامة بجدة. وفيما أيد عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله بن منيع الحكم بفسخ النكاح شدد على أنه لا رجعة للزوج على زوجته بعد الفسخ إلا بعقد جديد وبرضاها وبمهر جديد، باعتبارها ليست حراما.
آراء في هذا الشرط
يقول د. أحمد المعبي عضو المحكمين بوزارة العدل: من خلال تتبع كتابات الفقهاء في هذا الصدد تبين أن لهم قولين، القول الأول مجملُه: أنه لا يجوز للمرأة ولا لأهلها الاشتراط على الزوج ألا يتزوج عليها، فإن وقع هذا الشرط وقَبِلَهُ الزوج صح عقد الزواج وبطل هذا الشرط، ولم يَنْبَنِ عليه أي أثر ولا يلزم تنفيذه، القول الثاني مجمله: أنه يجوز للمرأة ولأهلها أن يشترطوا على الزوج ألا يتزوج عليها، فإن وافق على ذلك كان العقد صحيحاً والشرط صحيحاً، ويجبر الزوج على الوفاء بالشرط، فإن عمد إلى مخالفته وباشر أسباب الزواج عليها عملياً كان للزوجة فسخ النكاح واستيفاء كامل حقوقها.
وأنا أميل للرأي ببطلان هذا الشرط لأدلة القائلين ببطلان هذا الشرط وأنه لا يجب الوفاء به، ومنها ما يلي: ما رواه البخاري ومسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: «كلُّ شرط ليس في كتاب الله فهو باطل»، حيث أفاد هذا الحديث منع وبطلان تحريم الحلال كالتزوج على المرأة الذي أحله الله تعالى في قوله: «فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع».
والدليل الثاني: ما رواه الترمذي وحسَّنه وأبوداود من قوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرَّم حلالاً أو أحلَّ حراماً».
وأوضح أستاذ الفقه في جامعة أم القرى د. محمد العصيمي أنه يحق للمرأة اشتراط عدم الزواج عليها وقال: «اختلف العلماء في ذلك على قولين، فالأول: وهو مذهب الحنابلة الذين قالوا بعدم صحة وجواز هذا الشرط؛ لأن الله تعالى أباح للزوج أن يتزوج بأكثرمن زوجة فإذا شرطت المرأة ذلك كان هذا مضادا للشرع؛ لأنه ورد في الحديث الشريف: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)، وقوله (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مئة شرط قضاء الله حق وشرع الله أصدق وإنما الولاء لمن أعتق)، والقول الثاني: صحة اشتراط المرأة على زوجها ألا يتزوج عليها، وذلك لقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) وقوله: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج).
وبين أن من الأدلة الخاصة بهذه المسألة أيضا الاستدلال بأن عليا رضي الله عنه لما أراد أن يتزوج من فاطمة رضي الله عنها قام النبي صلى الله عليه وخطب قائلا: (إنما فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني)، فترك علي رضي الله عنه الزواج عليها، مما يدل على أن اشتراط المرأة على زوجها ألا يتزوج عليها من الشروط الصحيحة، وهو القول هو الذي دلت عليه النصوص، وهو الراجح ولا حرج على المرأة أن تشرط على زوجها ذلك، ويكون هذا حقا من حقوقها الخاصة التي لها أن تتنازل عنها في المستقبل، كما أن لها أن تتمسك بها، وإذا خالف الزوج ذلك فإن لها أن تفسخ؛ لأنه لم يوف بالشرط وعند ذلك نعرف بأنه لا تعارض بين الدليلين؛ لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) أي بعمومه ولا بخصوصه، والأدلة العامة والخاصة دلت على مشروعية هذا الشرط وجوازه، وأنه يصح للمرأة أن تشرط ذلك وعلى الزوج أن يوف به إذا اشترط عليه.
وبينّ الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي: حكم اشتراط المرأة على زوجها عدم الزواج عليها فقال: «هذا الشرط صحيح ويجب على الزوج الوفاء بهذا الشرط فإن تزوج عليها بامرأة أخرى فلها حق الفسخ ويدل على ذلك ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» وقوله أيضاً: «المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما»، وهذا الشرط لا يحرم حلالا إنما يُقيد سلطة الرجل ويجعل للزوجة الحق في الفسخ.
وأضاف الصقعبي فقال: «وقال ابن قدامة رحمه الله: وجملة ذلك أن الشروط في النكاح تنقسم أقساما ثلاثة، أحدها: ما يلزم الوفاء به، وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته، أو لا يتزوج عليها، ولا يتسرى عليها، فهذا يلزمه الوفاء لها به، فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح.
ومما يجب التنبيه عليه أن هذه الشروط أنما تكون معتبرة إذا تمّ الاتفاق عليها عند عقد النكاح، أما إذا وقعت بعد العقد كانت وعدا لا يعطي الزوجة حق الفسخ، لكن يجب على الزوج أن يفي بوعده؛ لعموم الأدلة الآمرة بالوفاء بالوعد، كقوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً).
إهدار لكرامة الرجل
ويرى الأخصائي الاجتماعي د. محمود كامل: الشروط المنظمة للحياة الزوجية كانت موجودة قديماً لتنظيم الحياة الأسرية مستقبلاً، من دون مشاكل، وأضاف أن هناك اتجاها سائدا وفكرا قائما نحو شروط الوثيقة الزوجية بأن بعض الشروط فيها إهدار لكرامة الرجل، من العار والخزي أن يقبل بشروط زوجته، وإنها حرام والشرع لم ينص على ذلك، وهذه الثقافة من شأنها عرقلة الطرفين، في الاتفاق على أهم أمور الحياة.
ويضيف: لو فكرنا جدياً في الأمر سنجد أن الشروط التي تضمن للحياة الزوجية استقرارها سبيل للوقاية من كثير من النزاعات التي تنشأ بين الزوجين مستقبلاً بعد الزواج، فعلى سبيل المثال إذا كانت المرأة لا تريد أن تترك عملها في فترة ما قبل دخول أطفالها الحضانة، وكذلك عدم الزواج عليها، أو إكمال تعليمها، الأفضل لها أن تصل إلى حل ووعد من زوجها قبل عقد القران، ويكون موثقا في الوثيقة فقط من أجل تذكرة الزوج فيما بعد، فهناك حالات كثيرة جداً تصل إلى المحكمة وإلى الطلاق كان يمكن تلافيها إذا اتفق الزوجان في البداية في أثناء فيضان حالة المودة والحب بينهما، ففي هذه الأثناء يكون كل طرف متمسكا بالآخر وعلى استعداد لتنفيذ مطالبه والاتفاق معه.
ويؤكد كامل على أنه كلما شعرت المرأة بالأمان مع زوجها وبأنه لن يمكن أن يرميها غدراً أو يتزوج عليها بأخرى وأنه على اتفاق واضح معها في تفاصيل حياتهما، أعطت أكثر لأسرتها واستطاعت تربية أبناءها بنفسية سوية وبطريقة أفضل، ووجد هو أيضاً المزيد من الود والإخلاص.
Leave a Reply