مهر الزواج وتيسيره

المهر هو ذلك المال الذي يدفعه الزوج لزوجته عن طيب نفس، دون مماطلةٍ أو بَخس، ويكون مِلكًا لها تتصرف فيه؛ قال – تعالى -: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ [النساء: 4].

 

وقد يتفاوت مقدارُه حسب الأشخاص والبلدان والعادات والأعراف، ولكن الأمر المتفق عليه، والضرورة تستدعيه، والحاجة ماسة إليه: هو التيسيرُ والتسهيل؛ سعيًا لمصلحة الزوجين.

 

وقد وردت صور متعددة للمهر والصداق، كلُّها تدل على التسهيل والتيسير، نستعرض بعضها:

1- حفظ ما تيسر من القرآن: فقد قال الرسول – صلى الله عليه وسلم – للصحابي الذي لم يكن لديه شيءٌ، ولا خاتم من حديد: ((ماذا معك من القرآن؟))، فقال: معي سورة كذا وسورة كذا، لسور يعددها، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((أَمْلَكْنَاكَهَا بما معك من القرآن))[1].

 

وعن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لرجل من أصحابه: ((يا فلان، هل تزوجتَ؟))، قال: لا، وليس عندي ما أتزوج، قال: ((أليس معك: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾؟))، قال: بلى، قال: ((ربع القرآن، أليس معك: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾؟))، قال: بلى، قال: ((ربع القرآن، قال: أليس معك ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ ﴾؟))، قال: بلى، قال: ((ربع القرآن، تزوَّجْ تزوَّج تزوج))[2].

 

2- اثنتا عشْرةَ أوقية[3]، وهو ما يعادل خمسمائة درهم، وهو أعلى ما وصل إليه مهر زوجاتِ وبنات النبي – صلى الله عليه وسلم – فعن عائشةَ – رضي الله عنها – قالت: “كان صداقُه لأزواجه ثنتي عشْرة أوقية ونشًّا، قالت: أتدري ما النَّشُّ؟ قال: قلت: نصف أوقية، فتلك خمسمائة درهم”[4].

 

وعن عمرَ بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: “ألا لا تغالوا في صُدُقِ النساء؛ فإنه لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى، لكان أَولى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يصدق أحدًا من نسائه، ولم يصدق أحدًا من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، ألا وإن أحدكم ليُغالي بصداقِ امرأته حتى يبقى لها في نفسه عداوة”[5].

 

3- وزن نواة من الذهب: فعن أنس بن مالك:أن النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – رأى على عبدِالرحمن بن عوف أثَرَ صُفرةٍ، فقال: ((ما هذا؟))، قال: يا رسول الله، إني تزوَّجْتُ امرأةً على وزن نواة من ذهب، قال: ((فبارَك الله لك، أولِمْ ولو بشاةٍ)) [6].

 

4- أربع أواقٍ: ففي الحديث: ((على كم تزوَّجْتَها؟))، قال: على أربع أواق، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((على أربع أواق؟! كأنما تنحتون الفضة من عُرْضِ هذا الجبل)) [7]، وهذا دليل على معاتبة النبي – صلى الله عليه وسلم – من دفَع من المهر فوق طاقته.

 

5- درهمان: فهذا سعيد بن المسيب – رحمه الله تعالى – وهو أحد كبار التابعين لم تفُته تكبيرة الإحرام أربعين سنة في مسجد النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – كان يتردد عليه طلبة العلم، ومن ضمن الذين كانوا يترددون عليه ويحافظون على حضور دروسه تلميذٌ نبيهٌ يسمَّى عبدالله بن أبي وداعة، فافتقده سعيد بن المسيب أيامًا، فدخل عليه بعدها، فقال: أين كنت يا عبدالله؟ قال: لقد توفِّيَت زوجتي فانشغلت بها، قال: ألا آذنتَنا حتى نحضرَها؟! ثم قال له: يا عبدالله، هل أحدثت زوجًا غيرها؟ هل تزوَّجْتَ غيرها؟ قال: يرحمك الله يا إمام، ومن يزوجني ولا أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟! قال: أنا أزوجك، قال: وتفعل؟! قال: نعم، ثم حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه – صلى الله عليه وسلم – وزوَّج تلميذه بدرهمين، قال عبدالله: فخرَجْتُ وأنا مهموم، من أين أستدِين؟! ومن أين أوفر الصداق؟! ومن أين آتي بالمال؟! فبينما كنت في منزلي بعد صلاة المغرب، وكنت صائمًا وقد قربت فطوري وكان خبزًا وزيتًا، قال: فإذا بالباب يطرق، فقلت: من؟ قال: سعيد، قال: فحضرني كلُّ من اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب؛ لأنه لم يغادر بيته إلا إلى مسجده منذ أربعين عامًا، قال: ففتحت الباب فإذا سعيد بن المسيب، إمام أهل المدينة العالم الكبير، قال: قلتُ: يرحمك الله لو أرسلتَ إليَّ لأتيتك، قال: لا، أنت أحق أن تؤتى، إني تذكَّرت أنك رجل كنت ذا زوجة، وأنك تبيت عزبًا هذه الليلة، فخشيت أن تبيت وحدَك وهذه زوجتك، قال: فدفعها إليَّ وأغلق الباب، قال: فوجدتها من أحفَظ النساء لكتاب الله ولسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومن أجمل ما رأت عيناي، وكانت ابنة سعيد بن المسيب هذه قد خطبها عبدُالملك بن مروان خليفة المسلمين لابنه ولي عهد المسلمين الوليد بن عبدالملك، فأبى أن يزوِّجَه إياها[8].

6- خاتم من حديد: عندما جاءت امرأةٌ إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – تعرض عليه النكاح، قام أحد الصحابة يُريدُ نكاحًا، فقال له: ((التمس ولو خاتمًا من حديد))[9].

 

7- نعلان: روى عامر بن ربيعة – رضي الله عنه – عن أبيه أن امرأةً من بني فزارة تزوَّجَت على نعلين، فجيء بها إلى النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – فقال لها: ((أرضيتِ من نفسك ومالك بنعلينِ؟))، فقالت: نعم، فأجازه النبيُ – صلى الله عليه وسلم [10].

 

8- العتق والحرية: كان أنسُ بن مالك – رضي الله عنه – يقول: “سبى النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – صفيَّةَ، فأعتقها، وتزوجها، فقال ثابت لأنس: ما أصدَقَها؟ قال: أصدقها نفسها، فأعتقها”[11]، وذكر ابن حجر: أن صفية – رضي الله عنها – قالت: “أعتقني النبي – صلى الله عليه وسلم – وجعَل عِتقي صداقي”، قال ابن الصلاح: معناه أن العتق يحل محل الصداق، وإن لم يكن صداقًا، وقال ابن الجوزي: فإن قيل: ثواب العتق عظيم، فكيف فَوَّتَهُ حيث جعله مهرًا، وكان يمكن جعل المهر غيره؟ فالجواب: أن صفيةَ بنتُ ملِكٍ، ومثلها لا يقنع إلا بالمهر الكثير، ولم يكن عنده – صلى الله عليه وسلم – إذ ذاك ما يُرضيها به، ولم يُرِدْ أن يقصر فجعل صداقها نفسها، وذلك عندها أشرفُ من المال الكثير[12].

 

9- الدخول في الإسلام: فعن أنس – رضي الله عنه – قال: “خطب أبو طلحةَ أمَّ سُليم، فقالت: والله ما مِثلك يا أبا طلحة يُرَد، ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوَّجك، فإن تُسلم، فذاك مهري، وما أسأَلُك غيره، فأسلَم، فكان ذلك مهرَها”[13].

 

10- أداة الحرب كالدرع: لما تزوج عليٌّ – رضي الله عنه – فاطمة – رضي الله عنها – قال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((أعطِها شيئًا))، قال: ما عندي، قال: ((فأين دِرْعُك الحُطَمِيَّة؟))[14].

 

وعليه نقول للمعسِّرين من أولياء الأمور: ارفُقوا ببناتكم ومن ولاكم الله عليهن، وانظروا مصلحتهن، واقتدوا برسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصحبه الكرام – رضي الله عنهم – تكسبوا الخير والسعادة.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بواسطة :الدكتور سليمان الحوسني.

 

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*