من أسباب المودة بين الزوجين

جعَل الله المودَّةَ بين الزوجينِ آيةً ظاهرة، ومعجزةً باهرة، وآية من آياته الدالَّة على ربوبيَّتِه، وهي مِن أسباب دوام العِشْرة بينهما، والألفة في العَلاقة بينهما، فقال: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

 

وبهذه المودَّة والمحبَّة تنتظمُ الحياة الأُسرية، وتسير على وَفْقِ الشرع الحنيف، وتسودُ أجواءَ الأسرةِ السكينةُ والطمأنينة، ومِن تلك الأسرة السعيدة يتخرَّج الأبناء ويكونون أداةً صالحة في خدمة دينهم ومجتمعهم.

 

وهذه المودَّة والرحمة والسكينة لا تجدُها في العَلاقات الجنسية المحرَّمة؛ لأن الغرض ليس هو بناءَ أسرة، وتربية الأجيال، وتطبيق السُّنة في تكثير النسل، بل هو لقضاءِ الشهوة واستفراغها فيما حرَّم الله؛ ولذا فإن ما بُني على باطلٍ فهو باطلٌ، وما كان أساسُه غيرَ متينٍ سرعان ما ينهار ويضمحلُّ، فتجد آثار هذه العَلاقات الجنسية، وتلك الصدقات الوقتية – وخيمةً على الفرد والمجتمع؛ مِن انتشار الجرائم، وفقدان الأمن والأمان، وشُيُوع الخوف والرعب، مهما احتاط لها أصحابها، ومهما زيَّنوها وحسَّنوها وجمَّلوها، ومهما جعَلوا لها ما يحرسها ويحميها، أو سنُّوا لها القوانين والأنظمة.

 

وقد جعَل الإسلامُ الأسسَ والقواعد المتينةَ في دوام الألفة، وبناء المحبة بين الزوجين، واستمرار التقارب بين المحبين، وأرشد المسلمين إلى أسسِ التعامل الحسنِ بينهما مِن أجل ديمومةِ الرحمة، والحفاظ عليها مما يعصِفُ بها من مشاكل، وتواجهه من عقبات، فإذا كانت الأسسُ التي تُبنَى عليها الأسرة متينةً، فإنه يؤدي إلى سعادتها وارتقائها، ويجعل الله لتلك الأسرةِ قرَّة العين، وراحة البال، وسعادة القلب، ويتخرَّج في دائرة تلك الأسرة الأجيالُ الصالحة النافعة.

 

من هذه الأسس:

الإيمان بالله واليوم الآخر، وابتغاء مرضاة الله، وبِناء عُشِّ الزوجية على هذا الأساس القويِّ المتين.

وأن يكون كلٌّ مِن الزوجين له هدفٌ وغاية من هذه الحياة، وهو مرضاة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومِن شأن ذلك أن يكفُلَ لهما السعادة الحقة، والحياة الطيبة، والعيشة الهنية، ولو كانوا لا يَملِكون إلا بيتًا صغيرًا، أو أثاثًا قليلًا، أو طعامًا قليلًا، فإن الإيمان العميقَ يقلِبُ هذه الحياة إلى سعادةٍ واطمئنان، ويمنحها القناعة والصبر والرضا بالقليل، والشكر على القليل، والسعي في العمل الصالح، والتنافس في أمور الآخرة، قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

 

وبالعكس تجد مَن يبني حياته على العَلاقات المحرَّمة أو الشاذَّة، يعيش في نكدٍ وضَنْكٍ، وقلق وحيرة، ولو كان يملِك القصور العالية، والأموال الطائلة، والنساء الجميلة، والأسفار العديدة في شتى البلدان، وفي مختلف الفنادق الراقية، والأسواق المزخرفة الملونة، والسببُ في ذلك أن السعادة القلبية أساسُها الالتزام بأوامر الله والتنعُّم بحلاوة الإيمان.

 

ومما يُدِيم المودةَ بين الزوجين، ويقوِّي المحبة بينهما: أن يقنع كلٌّ منهما بما رزَقه الله مِن الحلال الطيِّب في المأكل والجمال والسكن، ولا يتجاوز بطرفِه إلى ما حرَّم الله فيُفسِدَ العَلاقةَ بينه وبين زوجته، ويبدأُ يزهد فيها بسبب كثرةِ النظر في القنوات الفضائية، ووسائل الاتصال المختلفة إلى النساء الجميلات، والسافرات المتبرِّجات، فيضعف إقبالُه ومحبته لزوجته، بل ربما نفَر منها فتَسُوء عَلاقته بها، وربما دفَعه ذلك إلى سلوك الطرقِ المحرَّمة، والمسالك المنحرفة، فيخرب بيته، ويهدم أسرته، ويقوِّض بنيانه بيدِه.

 

مِن أسباب دوامِ رُوح المحبة بين المحبين، والحب الحلال بين العاشقين: تقاسُمُ الحقوق الشرعية، والتفاهم على القيام بها أفضل قيامٍ، فالزوج مِن حقه على الزوجة المعاشرةُ بالحسنى والمعروف، والزوجةُ عليها الطاعة والتنفيذ، وأن تسرَّه إذا نظر إليها، وتُجيبَه إذا دعاها، دون عنادٍ، وأن تكون للزوجة حكمةٌ في مُدارةِ زوجها عند الغضب، وأن يكون للزوج معرفةٌ تامَّة بحق الزوجة وطبيعتها التي خلقها الله عليها؛ من سرعة التأثر ورقَّة المشاعر، فالأسرة عبارةٌ عن مؤسسة يُديرها كلٌّ من الزوج والزوجة، وأي خللٍ يحصل بينهما ينتقلُ أثره إلى جميع أفراد الأسرة، بل يتعدَّى ضررُه إلى المجتمعِ أجمعَ، أو هي عبارةٌ عن سفينة تَمخَرُ في البحر الهائج، فلا بد من رُبَّان ماهرٍ يقودها، ومَن يعاونه ويساعده في مهامِّه من البحَّارة، وإلا غرِقت السفينة في أعماق البحر، وتحطَّمت مقابل الأمواج المتلاطمة، ولن تصل إلى برِّ الأمان!

 

فن المعاشرة:

هناك فنٌّ مِن فنون معاشرة الزوجة وربَّة البيت ورفيقة العمر، للأسف لا يُحسِنه كثير من الرجال، فهم يطلبون من المرأة – التي حبَست نفسها في البيت لأجل القيام بحقه، والانصياع لأمره، والقيام بواجبه – أن تكون كالعبدِ؛ يعمل في النهار، وفي آخر الليل يكون محلًّا للاستمتاع، دون مراعاة مشاعرها وحاجاتها!

 

وفي السُّنة النبوية نصوصٌ مُحكَمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُبيِّن كيفية تعامل الزوج مع زوجته؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً، إن كرِه منها خُلُقًا، رَضِي منها آخر)).

 

وعن عبدالله بن زَمْعة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يَجلِدْ أحدُكم امرأتَه جلدَ العبد، ثم يُجامِعها في آخر اليوم)).

ومِن الأخطاء في هذا الجانب غيابُ الزوج عن البيت لساعاتٍ طويلة مع أصدقائه وأحبابه؛ يوزِّع الابتسامات، ويتحدَّث بألطفِ العبارات، وأجمل النكات، فإذا دخل البيت فإنه لا يجلس مع أهله وأولاده، فيأنس بحديثهم، ويتحدث معهم، بل يتحوَّل لإنسان آخر، وشكلٍ مختلف؛ مما يُدخِل الوحشة في قلوبهم، فكيف يمكن والحال هذه أن تَقْوَى العلاقة، وتدوم المحبة، ويستمر الحب؟!

 

ومن الأخطاء دوامُ السكوت الطويل، والصمت القاتل بين الزوج وزوجته، بالرغم من وجودهما تحت سقفٍ واحد، وربما حتى على مائدةِ الطعام، بل حتى في مخدعِ النوم، وهذا داءٌ خطير يجب علاجُه، وهو فجوةٌ وهُوَّة تتوسَّع كل يوم، ويزداد أثرها وخطرها إذا استمر فيها الطرفان، وإذا لم يجلسا ويُحدِّدا رأس المشكلة ومَكْمَن الداء، وهو خطوةٌ نحو بناءِ الثقة والمودة بينهما، عن طريق التحدث والخروج عن الصمت، وإبداء ما يجولُ بخاطرهما من هموم ومشاكل، وقد ثبت أن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم كنَّ يتحدَّثْنَ معه في أمور البيت والعائلة، وينقُلْن أحاديثه وأقواله الشريفة الكريمة إلى الأمة.

﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكاتب: مرشد الحيالي

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*