سعادة رئيس التحرير، نقرأ كثيرًا عن مشاكل الحياة الزوجية وتعقّد الحياة؛ مما دفعنا إلى كتابة هذا الموضوع:
النجاحات والانتكاسات في الحياة الزوجية لها مسببات وظروف ومشاكل وتسامح وخصام، وإخلاص وخيانة. وفي زحمة متطلبات الحياة واتساع حاجاتها وتباينها وتعقد العلاقات الإنسانية وتشابكها؛ مما يوثر وبشكل واضح على العلاقات الزوجية، لدرجة أنه غالبًا ما يتبادر إلى أذهاننا مفهوم السعادة الزوجية الذي نحلم به ونقرأ عنه في الروايات والأفلام الرومانسية الذي أصبح مفهومًا بعيدًا كل البعد عن الواقع.
والسؤال الذي نرغب أن نطرحه على القراء من الجنسين: ما مقوّمات نجاح الحياة الزوجية؟ ولتوضيح المقومات المطلوبة لا بد وأن نستعين ببعض المتزوجين، الناجحين منهم والفاشلين؛ لمعرفة أسباب النجاح وأسباب الفشل.
في البدء، نتوقف عند مفهوم الحد الفاصل بين الزوج والزوجة، وهذا ما يسمى عادة “أرفع الكلفة”، ولكي أصل إلى تصوّر محدد لهذا المفهوم طرحت السؤال التالي على عدد من الأزواج والزوجات؛ في محاولة للبحث عن قاعدة متينة للحياة الزوجية. يقول السؤال: هل من المفروض أن ترفع الكلفة تمامًا بين الزوجين أم من الافضل أن تبقى قائمة؟ ولماذا؟
واخترت مجموعة من المتزوجين للإجابة عن هذا السؤال، وكانت الأجوبة طبعًا متباينة؛ بعضهم خبر الحياة الزوجية منذ سنين طويلة ما يسمح له بإجابة موضوعية، والبعض ما زال يعيش السنين الأولى من الزواج لكن لديه فكرة أو تصورًا معقولًا عن الموضوع، وكان طبيعيًا أن تتباين وجهات النظر بعض الشيء؛ ولكن الأكثرية تعتقد أنه يجب ألا ترفع الكلفة بين الزوجين بشكل كامل؛ حتى لا تزول الحدود بينهما ويطغى أحدهما على الآخر.
أي إن التباين كان حول حدود الانفتاح وسماكة الحاجز الذي يجب أن يبقى بين الزوجين؛ لأن رفع الكلفة بشكل كامل يؤدي إلى عدم مراعاة مشاعر الطرف الآخر، وينعكس أثر ذلك بشكل خاص على النواحي النفسية. وحول سماكة الحاجز بين الزوجين تحدثنا إحدى السيدات قائلة: لم تعد العادات القديمة مقبولة في عصرنا؛ مثلًا لم تعد الزوجة تقبل أن تغسل أرجل زوجها أو أن يتقدمها في السير أو يتحدث عن كل شيء في البيت قبلها، أو أن يتقدمها بركب السيارة أو في الأكل أو يتحدث عن الأطفال والأشياء بصيغة الملكية الفردية (أي: بيتي، مكتبي، ابني، سيارات… إلخ).
وتكمل: وأيضًا ألا تظهر الزوجة بمظهر غير لائق أمام زوجها، أو العكس؛ باعتبار أن كليهما يعرف الآخر ويتصرف كلاهما بشكل لطيف ومهذب مع الآخر؛ ليصبح هذا التهذيب عادة وليس تصرفًا طارئًا لنيل المودة.
وقد طالبتْ كل زوجة ألا تظهر بمظهر غير لائق أمام زوجها، وأن يتصرف الزوجان بشكل لطيف ومهذب مع الآخر. وتواصل السيدة حديثها بالقول: على كل زوجة وزوج أن يجتهدا للتعامل مع الآخر وكأنهما لا يزالان في فترة الخطوبة، وهذا يضمن التجدد المستمر في الحياة الزوحية؛ لأن الخمول والركود يؤديان إلى تآكل كل شيء، حتى الحديد؛ فكيف بالطبيعة الإنسانية التي يقتلها الملل أكثر من غيره، وبالنسبة إلى الزوجة فإن الحفاظ الدائم على نظافة البيت بأثاثه وترتيبه وتغيير الديكور كل فترة يضمن التجديد في جو البيت حتى لا يسيطر الروتين والخمول عليه، وأن تبقى هي نضِرة حتى لا تجنح عيون زوجها إلى غيرها في حال جعلته يمل منها، والمعروف أن الابتسامة الصادقة الحنون تبعث شعاع الدفء في قلب الرجل وعروقه، ومنها إلى زوايا الحياة العاتمة؛ وبناء على ما سبق نخلص إلى القول بأنه باستطاعتنا أن نجعل حياتنا الزوجية أكثر جمالًا وسعادة.
ويحدثنا (تركي) في هذا الموضوع فيقول: السعادة طبعًا هي هدف يسعى إليه كل شخص، خاصة عند الإقدام على الزواج؛ فهو يتمنى أن يكون ارتباطه موفقًا يحقق له الاستقرار والسعادة، ولكي تتحقق السعادة في الزواج لا بد أولًا من الاحترام المتبادل قبل أن يربط الحب بين الطرفين؛ لأن الاحترام والحب يوجدان عاطفة نابضة تساعد كل طرف على تحمل المشكلات والأعباء.
ومن وجهة نظر الرجل، الحب في هذه الحالة لا يعني العاطفة المشتعلة التي قد تنطفئ نارها سريعًا؛ ولكن يعني التفاهم الفعلي والروحي الذي يساعد على تحقيق التوافق والتأقلم بينهما، وبذلك تختفي المتاعب في بدايتها.
أما إذا خلا الزواج من الحب ففي هذه الحالة تتراكم المشكلات ويحدث تصدع للزواج من بدايته؛ لأنه لا يقدر على الصمود، أو تستمر الحياة من دون طعم؛ بسبب المصالح المشتركة إذا كان هناك أبناء.
الإخلاص
ولا يكون الزواج ناجحًا من دون إخلاص؛ فالزوج الذي يسخر دائمًا من زوجته يعبّر بذلك عن عدم إخلاصه واحترامه لها، والزوجة التي تداوم على نقد زوجها أمام الآخرين تعبر بذلك عن عدم احترامها وإخلاصها له؛ فالاحترام والإخلاص بين الطرفين يظهر الرغبة الحقيقية في المشاركة لكل ما يدعم الحياة الزوجية، وأيضًا يجب في الزواج أن لا يحاول كل طرف أن يغيّر من عادات الطرف الآخر؛ فلكل شخص عاداته وتقاليده التي يصعب عليه تغييرها.
لذلك؛ من الخطأ في الزواج أن يحاول الزوج أو الزوجة تغيير الطرف الآخر؛ فقد يحدث التأقلم بين الطرفين بعد فترة قصيرة ويبدأ كل منهما بالتنازل عن بعض من عاداته التي لا يحبها الطرف الآخر به، ولكن تبقى الصفات الأساسية التي لا يمكن تغييرها ويجب تقبلها من الطرف الآخر؛ حتى تسير الحياة الزوجية بهدوء، وكلنا يعرف أن الزواج يحتاج إلى كثير من العطاء، والارتباط مع شخص معين والبدء معه في مسيرة حياة جديدة يتطلب العطاء والتضحية والحب والاحترام والتفهم الكامل لطبيعة شريك الحياة.
نصيحة السبعينية
وتقودنا هذه الأقوال إلى قول امرأة مسنة، وهي الآن جدة وأم لسبعة أولاد، وعاشت وتعيش حياة زوجية سعيدة جدًا. تقول: “ليس في حياتي ألم أو مشاحنات وتعاسة كما صورها الآخرون من المتزوجين. إنني أعيش قمة حياتي الزوحية؛ فلقد مرّ على زواجي حوالي خمسون سنة، وأنا الآن في السبعين من عمري“. وبدأت تكمل المديح الكثير عن زوجها، وحدثتني عن مدى تفهم زوجها منذ البداية وتفهمها له قائلة: “شعرتُ خلال خمسين سنة أنني تزوجت خمسين رجلًا؛ حيث في كل سنة يستبدل زوجي مظهره ومعاملته وأسلوبه، ولكنه يبقي على إخلاصه وحبه لي؛ وكانت تضحياته لي جسيمة وتضحياتي له كبيرة؛ ولكنه يستحقها وأنا أستحقها أيضًا”.
وتساءلتْ: ماذا تريد المرأة إلا أن تكون حياتها الزوجية سعيدة ويكون في جابنها رجل دبلوماسي يعرف متى يصمت ومتى يتكلم، يعرف متى يحرك مشاعرها بأخلاقه ونبله ويظلل عليها بذارعيه، لا يعمد أن يشعرها بالفشل حتى في لحظات خسارتها، يصارحها ولا يؤذيها، يصادقها ولا ينافقها، ولا يحاول أن يصادر عقلها،ولا يستغل طيبتها وحبها واحترامها له، يناقشها ويستوعبها ويحترمها!
Leave a Reply