الحياة الزوجية صَرْحٌ ثابت، وصعيدٌ خابت، صرْحٌ من المودَّة الدائبة، وصعيدٌ منَ الرحمة الدائمة، حُب بالعطاء يُرام، وتسامحٌ بالصبر يُقام.
الحياة الزوجية مشروع الحياة ورحلة العمر، وهي حياة تحتاج إلى وعْي وإدارة، ورعايةٍ وإشادة، وهذه الحياة من طبيعتها أنها حياةٌ حافلةٌ بالمتغيِّرات والتطوُّرات والتقلُّبات، فلا يوجد زوجان بلا مشكلات، ولا تخلو حياةٌ من مُنغصات، وهنا يبرزُ دور الزوج الواعي في احتواء المشكلات، ويتجلَّى دور الزوجة الرَّاقية في وَأْد الخلافات، والرجل هو المسؤول الأول في إنجاح هذه الحياة، وإن كانت المرأة مسؤولة أيضًا، لكنَّ الرجل يحمل قَدْرًا أكبرَ في إصلاح أمور الأسرة؛ لأنه غالبًا هو المُطاع في الأسرة، وهو القادر على تسييرها بإنفاقه مِمَّا رزَقَه الله، وبتمكُّنه من ضبْط الأبناء والبنات بالرأْفة والدعوة الصادقة، أو بالمحاسبة والوقفة الصارمة، ولكن – ومع الأسف – فإنَّ بعض الأزواج يقعُ في أخطاء فادِحة في حقِّ نفسه، وفي حقِّ أفراد أُسرته، وفي مقدمتهم شريكة العمر، وحَسَنة الدُّنيا، وذلك حين يرتدي تقصيرُه أثوابَه الخَلِقة، وأسْماله البالية، في صورةٍ ذات أبعادٍ حزينة، وإطارات كئيبة، تذهبُ ضَحيتها الزوجةُ، تلك المرأة التي ما خرَجَت من بيت أبيها إلاَّ طالبة حياة كريمة في ظِلِّ زوجٍ يحترم رأْيها، ويُراعي شعورها، ويرحم رِقَّتها، ويصون كرامتها، خاصة إذا كانت يتيمة، أو عاشت ظُروفًا حياتيَّة صعبة؛ لإدراكه بأنها أمانةٌ عنده، يعيشان العُمر بانيين حِصْنَ المحبَّة، وقَصْر المودَّة، ولكن وفي بعضِ الحالات، ومع تَقدُّم الحياة الزوجية، تَئِنُّ كثيرٌ من الزوجات تحت أثقال الهَجْر، وأحْمَال الحَجْر، ليس الهَجْرُ بقصْد الإصلاح، بل هو الهجر بسبب تَوْه الزوج وضياعه؛ وذلك حين ترى الزوجة زوجَها هاجرًا لها، فهو لا يَعتني بها ولا بأبنائه وبناته، بعد أن مالَ إلى زوجةٍ أُخرى أَحْكَمتْ سَيطرتها عليه، ولَم تَستشعر وجود زوجةٍ سابقةٍ له، لها من الحقوق مثلما لها، أو أنَّ هذا الزوج قد اعتادَ السَّهر مع رُفقاء السوء في جلسات مُريبة، واجتماعات مُنكرة، أفسدت حياته، وأتلفَتْ دُنياه بامتدادها إلى ما بعد الفجر والنوم أحيانًا خارج البيت، وتلك الزوجة المحرومة باقيةً في كل ليلةٍ تَترقَّبُ رجوع زوجها المنتظر، إنَّ مسؤولية الزوج نحو الزوجة لا تنتهي بمجرد كِبَر الأولاد وحصولهم على وظائف، فَهُم المطالبون بالإنفاق على الأُمِّ في ظِلِّ تضييع الزوج للمال في جلسات السمر، أو رحلات السفر.
إنَّ الزوج مُطالَب بأداء حُقُوق الزوجة وأبنائهما في حُدُود إمكاناته، مُسْتمدًّا العَوْنَ من المولَى، وقاصدًا إسعادَ أهل داره، وجالِبًا الماء النَّمير إلى حَقْل بيته؛ لتعود إليه النَّضارة الجميلة، وتَدبَّ فيه الحياة السعيدة، وليَحسَّ هو بالسعادة ما دامَ في خدمة أهله، وليشعرَ بالراحة فيما يُقدِّمه لهم، ولا سيَّما وهو الذي قد جعَل من أهدافه الرئيسة في هذه الحياة، تأمينَ حياة كريمة لأُسرته؛ حتى تسير في جَادَّة السناء، وطريق الهَنَاء، ومَهْمَا بلغتْ أخطاء المرأة، فإن العقار دائمًا يبقى بيدِ القائد، وهو الرجل، ولن يُضيِّعَ الله جَهده ما دام أنَّ هَمَّه هو إصلاحُ أهل بيته، ليَهون التَّعب، ويضيع النَّصَب، حين ينال ثمرة ذلك بتسخير زوجةٍ صالحةٍ له، ولن يُخيبَ الله رجاءَه بصلاح أنْجالٍ هُم لعينه اليمنى مَبرَّة، وفلاح كريماتٍ هُنَّ لعينه اليسرى مَسرَّة.
_______________
بواسطة:
د / ماجد محمد الوبيران
_______________
رابط الموضوع: