بطل هذه القصة هو قاض في إحدى الدول العربية، يقول فيها: دخلتْ عليّ زوجة في مقتبل العمر وأنا جالس في المحكمة أنظر في قضايا الزواج والطلاق، فسلمت عليّ ثم قالت: أريد أن تطلقني من زوجي، قلتُ: هل أستطيع معرفة السبب الذي يدفعك لطلب الطلاق؟! قالت: لا مانع؛ فطالما أنني وصلت إلى المحكمة فلا مانع من ذكر كل شيء، قلت: حسنًا، تفضلي واستريحي وخذي هذه ورقة بيضاء وقلم، نظرت إلي باستغراب ثم قالت: ولماذا الورقة والقلم؟! قلت: لتكتبي لي سلبيات زوجك والأسباب التي دفعتك للحضور إلى المحكمة، قالت: حسنا. ولكن أعطني فرصة.
ثم جلست على الكرسي ومكثت تفكر بضع دقائق، ثم حضرت وسلمتني الورقة؛ فنظرت إليها وإذا مكتوب فيها: “إن زوجي يضربني أحيانًا، إنه بخيل ولا يصرف عليّ”.
قلتُ، بعد أن قرأت الورقة: أهذه الأسباب فقط هي التي دفعتك إلى الطلاق؟! قالت متسائلة: وهل تستطيع امرأة غيري أن تعيش مع رجل يضربها ويبخل عليها. قلت لها: وهل هناك أسباب أخرى؟! قالت: لا؛ ثم تناولتُ ورقة بيضاء ثانية وسلمتها إياها وقلت لها: أيمكن أن تكتبي لي إيجابيات زوجك! فنظرت إلي قائلة: هل تريد أن تطلقني من زوجي أم لا؟! قلت لها: نعم سأطلقك، ولكن أعطيني من وقتك القليل كي أقتنع بطلبك.
قالت : حسنًا، ثم أخذت الورقة البيضاء وجلست فترة وهي تفكر، ثم جاءت وقدمت الورقة؛ فنظرت إليها ولم تكتب شيئًا. قلت: لماذا لم تكتبي شيئًا؟ قالت: بصراحة، فكرت كثيرًا ولم أجد لزوجي إيجابية واحدة. قلت لها: منذ متى تزوجك زوجك؟! قالت: منذ 12 عامًا، وعندي منه أربعة أطفال، قلتُ: وأين يعمل زوجك؟ قالت:في شركة البترول، وراتبه 1500 د.ك، قلتُ: ومتى يرجع إلى المنزل؟! قالت: يأتي الساعة الثالثة عصرًا كل يوم؛ لكنه مزعج. قلتُ: مزعج، ماذا تقصدين؟! قالت: عندما يدخل البيت كل يوم فإنه مزعج؛ يرفع صوته مع الأولاد ويلعب معهم.
ثم ناولتها الورقة البيضاء وقلت لها: أيمكن أن تسجلي هذه الإيجابية لي، مستغربة، ثم قالت: وأين الإيجابية: إني أعرف آباء لا يلعبون مع أبنائهم؟! ثم بدأت تكتب الإيجابية الأولى: زوجي يلعب مع أبنائي كل يوم. ثم تابعتُ الحديث معها؛ فعرفت أنها وزوجها وأولادها في الصيف الماضي ذهبوا إلى “تركيا” للسياحة، فأعطيتها الورقة وقلت لها: اكتبي هذه إيجابية ثانية، فإني أعرف أزواجًا لا يسافرون مع أولادهم وزوجاتهم. وبدأتْ تكتب الإيجابيات.
وأثناء حديثنا عن حياتها الزوجية حتى وصلت إلى 12 إيجابية، وهناك توقفت عن الحديث معها؛ ثم أخذت الورقتين (ورقة الإيجابية ووضعتها على كفي الأيمن، وورقة السلبيات ووضعتها على كفي الأيسر)، ثم سألتها هل أطلقك من زوجك؟! فسكتت، وهي تنظر إلى الورقتين، ثم قالت بعد صمت طويل: والله لقد حيرتني ولا أعرف ماذا أقول!
ثم استرجعت نفسها وقالت: ولكني لا أريده؛ لأنه يضربني، وهو بخيل. قلتُ: وأنا لا لم أنف عنه صفة البخل وأنه يضربك، ولكن الرجل عنده حسنات كثيرة؛ فيمكنك العيش معه، وأما البخل والضرب فلهما علاج، ولكن ليس علاجهما “الطلاق”، وأنتِ تعرفين الآثار النفسية والاجتماعية بعد الطلاق على الزوجة وأبنائها. قالت: دعني أفكر في الموضوع أكثر؛ فذهبتْ ولم ترجع.
أقول في ختام هذه القصة الواقعية: إن مشكلة الإنسان أنه دائمًا يركز على سلبيات الطرف الآخر ولا ينظر إلى حسناته، وهذا ظلم عظيم؛ فالإنسان يقوّم بحسناته وسيئاته، ثم نحدد السلبيات ونضع خطة لعلاجها؛ فلا شيء مستحيل في الحياة إذا كان الإنسان واثقًا من نفسه ومتوكلًا على ربه.
مقال رائع ،، شكرًا لكم..