في بيتك جميلة! 

نجد كثيرًا من الناس ينظُرُ إلى نساء الآخرين، ويُحدِّق البَصَر نحو الأجنبيات، ويتأمَّل زينتَهُنَّ، وربما يتخيَّل عوراتَهُنَّ!


وما ذاك إلا لأن هذا المسكين لم ينظُرْ إلى زوجته نظرةً رُوحيةً جماليةً، بل نظر إليها نظرةً ماديةً بحتة، نظر إليها أنها كُتْلةُ لحْمٍ مخلوطٍ بشَحْم وعَظْم وعصب! فرأى فيها النقص؛ فلجأ إلى إشباع غريزته للنظر في غير زوجته – التي ينظر إليها أنها باقة ورْدٍ مخلوط بريحان وزنبق وياسمين؛ ليملأ فراغَه الجسماني، وخياله العاطفي، وشهوته العارمة.


ويظُنُّ المسكينُ أنه بهذا النظر الآثم يُسعِد نفسه، ويُخفِّف مِن غُلوائه، وما درى اللاهثُ أنه بهذا الفعل المشين قد ارتكب المحرَّمات؛ بل قد زاد حَطَبًا في ناره ليُشعِلَ قلبَه اللاهي، ليرجع إلى زوجه المسكينة؛ لتزداد قُبْحًا في نظره! وعجبًا له، كيف له أن يُحِبَّ هذه الأجنبية من نظرة أو نظرات؟!


قال ابن حزم: “وإني لأُطيل العجب من كلِّ مَنْ يدَّعي أنه يُحِبُّ من نظرة واحدة، ولا أكادُ أُصَدِّقُه، ولا أجعل حُبَّه إلا ضَرْبًا من الشهوة”؛ (طوق الحمامة).
وإذا استمرَّ في غيِّه؛ لجأ إلى حَسَد أصدقائه والآخرين، وأن زوجاتهم جميلات؛ بل ربما لجأ للشكوى لبعضهم من قُبْحِ زوجته، وأنها لا تعتني بنفسها، وأنه لا يجد إقبالًا نحوها! ولعمري هو المضيِّع لها، والمفرِّط فيها، والنائي عنها، وكأنها من سَقَطِ المتاع، فلا يُعِيرها اهتمامًا، ولا يجلس معها، ولا يُبادلها كلامًا إلَّا لمامًا، وهو خِلْو من نظراته العاشقة، ولمساته الحانية، وكلماته الشادية، بل هي منه في شقاء وعذاب! ولكنها صابرة عليه، وعلى أولادها، فماذا بوُسْعِها أن تفعل؟


تقول: أصبِرُ، حتى يقضي اللهُ أمرًا كان مفعولًا، فلعلَّه يتغيَّر، ويعود إلى رُشْده، وهي خجِلة لم تستطع أن تُصارحَه بتغيُّره، أو ربما خائفة من تعسُّفِه وجبروته! وربما صارحتْه، فكان ماذا؟!
وقد يتجرَّأ فيسأل صديقه: هل تشعُر بهذا تجاه زوجتك؟ ليتلقَّى إجابة صارخة: لا، زوجتي أشعُر نحوها بالحنان، وكأننا في الجنان، والحمد للرحمن؛ فيلجأ صاحبُنا إلى تبكيت نفسه وإهانتها، والمواصلة في النظر الفاتن للأخريات، ولو كُنَّ محجَّبات أو مبرقعات أو مجلببات؛ لأنه يتخيلهُنَّ جميلات، وعليه بنى هيامه وغرامه! ولا يزداد إلا نارًا ولهيبًا، ولا يزال يئنُّ ويَزفِر، وربما مرِض واصفرَّ إذا سمِعَ أن فلانًا تزوَّج بنت فلان من الناس! فتراه يسأل من أقبل وأدْبَر عن زوجة هذا: كيف جمالها؟ وكيف قبيلتها؟ وهل هم ذوو يَسار ورياش؟ وهكذا يُلقي كمًّا هائلًا من أسئلة بلهاء لا تخصُّه بل تزيده ألَمًا وحسرةً وحَيْرةً!فيرجع إلى بيته وقد امتلأ قلبُه حَنَقًا وغيظًا تجاه صديقه، وكيف تزوَّج بهذه الجميلة؟وأنا لا أملِك ما يملِك! وهو في هذا يُعارض الله في حُكْمِه وحِكْمتِه ومَلَكُوتِه!ولو أنه رجع إلى بيته وجلس إلى زوجته، وأمعَن فيها النظر، وحَدَّق فيها البَصَر، وجال فيها بعقله، لرأى هذه الجميلة تفوق كثيرًا غيرها من الجميلات، والجمال نسبي من امرأة لأخرى، ومن حُسْن صُنْع الله، أن الله حبَّبَ كُلَّ امرأة في عين زوجِها، فيراها بارعةَ الجمال، قانعًا بها ومحظوظًا، ولا يتخيَّل أن هناك مَنْ هي أجمل من زوجته!وهذا هو جمال القلب والرُّوح، أما جمال العين المجرَّدة والهوى؛ فلا يقنعها جمال قطُّ!


لكن القانع العفيف الراضي ينظُر إلى زوجه وقد ملكت لُبَّه وقلبه، وإن لم يرها غيرُه كذلك إلَّا أنه يراها ملكة الجمال، وهذا لمن قَصَرَ بَصَرُه، وزمَّ خِطامَ نفسه، وكبَح جِماحَها، أمَّا من أتبع نفسه هواها، وأطلق لبصره العِنان؛ فلا والله لن تُشبِعَه نساءُ الدنيا!”وكلُّ محاسن المرأة هي خيالُ متخيِّلٍ، ولا حقيقةَ لشيء منها في الطبيعة؛ وإنما حقيقتها في العين الناظرة إليها؛ فلا تكونُ امرأةٌ فاتنةً إلَّا للمفتونِ بها ليس غيرُ، ولو رَدَّتِ الطبيعةُ على مَنْ يُشَبِّب – يتغزَّل – بامرأةٍ جميلةٍ، فيقول لها: هذه محاسِنُكِ، وهذه فِتْنَتُكِ، وهذا سِحْرُكِ، وهذا وهذا؛ لقالت له الطبيعة: بل هذه كُلُّها شهواتُكَ أنت، وبهذا يختلف الجمال عند فَقْد النَّظَر؛ فلا يَفتِن الأعمَى جمالُ الصُّورة، ولا سِحْرُ الشَّكْل، ولا فَراهةُ المنظر؛ وإنما يَفْتِنُه صوتُ المرأة ومَجَسَّتُها – لَمْسُها – ورائحتُها، فلا حقيقةَ في المرأة إلا المرأةُ نفسها؛ ولو أُخِذَتْ كُلُّ أنثى على حقيقتها هذه؛ لما  فَسَدَ رجلٌ، ولا  شَقِيتِ امرأةٌ، ولانْتَظَمَتْ حياةُ كلِّ زوجَيْنِ بأسبابها التي فيها”؛ (وحي القلم).
فلو أن كل الناس نظروا للمرأة على أنها امرأة متكاملة من جمال ودلال، وجميلِ خِلالٍ؛ لاستقامَت الحياة بين الذكر والأنثى وَفْق الشريعة؛ ولكن يُنظَر إلى جمالها فحسب، ولا شيء غيره، فإذا هَرِمَتْ هَرِمَ معه حُبُّها، وهكذا صار العِشْق للَّحْم والدَّمِ، والله المستعان.ومن لطف الله أن صاحبنا هذا فقير، فلو كان غنيًّا لعبث بنساء المسلمين بين زواج وطلاق إلى ما لا نهاية – كما سمِعنا عن البعض – لأنه لم يحْظَ بالجمال الذي رآه موزَّعًا بين نساء كثيرات!هذه طويلة، وتلك رشيقة، وثالثة دعجاء، ورابعة لعساء، وخامسة نعساء، وسادسة كذا وكذا، وهو يريد كل هذه الأوصاف في امرأته المسكينة التي تعيش جحيمًا من زوجها من قلة الإقبال عليها، والابتعاد عنها، وسوء معاملتها، وربما مصارحتها بأنها غير جميلة! فكم يكسِر هذا الجِلْف من قلب، وكم يبكي من عين، وكم يخرب من أسرة، فيا وَيْلَه من العظيم المتعال!هذه زفرة كتبتُها على علاتها، أرجو أن تُقابِلَ قلوبًا واعية، وآذانًا مُصغية.والله الموفق.

______________________________

بواسطة :وليد بن عبده الوصابي.
______________________________
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/social/0/128642/%D9%81%D9%8A-%D8%A8%D9%8A%D8%AA%D9%83-%D8%AC%D9%85%D9%8A%D9%84%D8%A9/#ixzz7OO5hRraj

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*