أثبت كثيرٌ من المتخصصين في العلاقات الزوجية والأسرية الصحيحة أن عنصري “الليونة” و”التسامح بين الزوجين” من أهم عناصر توافر حياة أسرية سعيدة؛ فكثير من المشكلات التي تحدثُ بين كثيرٍ من الأزواج يكون السبب الرئيس فيها عدم استخدام الزوجين أو أحدهما لهذين العنصرين.
من هنا تأتي أهمية هذا الحوار مع الدكتور الوليد العادل، استشاري العلاقات الزوجية والأسرية، وصاحب أول مكتب زواج واستشارات أسرية في الشرق الأوسط.
في البداية، كثيرٌ من المشكلات التي تحدث بين الزوجين يكون السبب فيها تافهًا جدًّا. فما رؤيتك لهذا الأمر؟
غالبًا ردُّ فعل الزوج أو الزوجة المبالَغ فيه يكونُ بسبب تراكم عددٍ كبير من المشكلات؛ فيظهر رد الفعل لهم بصورة صعبة جدًّا، فنحن نرى أن أحد الأزواج ينفعل انفعالًا شديدًا، ويفتعل مشاجرة كبيرة قد تصل إلى الطلاق، ويكون السبب الظاهري للمشكلة تافهًا جدًّا؛ كأن تسقط نقطة شاي فقط على الملابس، أو أن السكَّر الذي تم وضعه في الشاي ليس مضبوطًا، ولكن رد الفعل العنيف جدًّا الذي صدر من الزوج يكون بسبب التراكم، أو عدم التوافق بين الزوجين من الأساس؛ وكل هذا أدى في النهاية إلى أن هذا الموقف هو ذروة الكبت بالنسبة إلى الشخص، فهو لا يستطع أن يصبر، أو أن يكتم في نفسه أكثر من ذلك؛ فغالبًا ما تكون المشكلات التافهة نتاجًا لعددٍ كبير جدًّا من المشكلات، إضافة إلى المشكلة الأخيرة البسيطة جدًّا.
كيف يمكن تفريغ التراكمات حتى لا ينفعل الزوج أو الزوجة بشكل سريع؟
لكي يقومَ الشخص بتفريغ طاقات الغضب الموجودة بداخله عليه أن يستخدم ما يُسمَّى “الطب الوقائي”، وهو أن يحاول بقدر الإمكان أن يبتعد عن المشكلات؛ فكثير منا يبحث عن كيفية تفريغ شحنات الغضب المتراكمة نتيجة لبعض المشكلات، ولكن لا أحد يسأل عن الكيفية التي يمكن من خلالها أن نتلاشى حدوث المشكلات من الأساس. أعتقد أنه إذا تم تطبيق هذا الأسلوب ستقلُّ المشكلات بشكل كبير.
كيف يؤثر الاختيار الصحيح للزوج أو الزوجة في استقرار الحياة الأسرية؟
الموضوع يبدأ في الأصل من نقطة اختيار الطرف الآخر، فإذا كان الاختيار سليمًا أعتقد أنه سيقل عدد المشكلات التي تحدُث أثناء الحياة الزوجية، وإذا كان الاختيار خاطئًا فلا نستطيع أن نتصور تبعات هذا الاختيار، فيجب على الشباب المقبلين على الزواج أن يركزوا في اختيار طرف آخر يستطيع أن يفهمهم، وأن يفهم رغباتهم، ويستطيع أن يمتص غضبهم، وهكذا.
ولكن، في فترة الخطوبة يحاول كل طرف أن يخفي عيوبه. فكيف يمكن التعرف على الطباع في هذه الحالة؟
بالطبع كل هذا الكلام صحيح، ولكن الخطوط العريضة أعتقد أنها تكون مفهومة؛ حتى وإن حاول الخاطب أو المخطوبة أن يُخْفوا عيوبهم، فالمستوى الثقافي يكون ظاهرًا جدًّا أثناءَ التحدث، ومستوى التفكير كذلك، كما أن كثيرًا من الفتيات في فترة الخطوبة يُركِّزن على تصرفات الخاطب بصورة كبيرة: هل هو يأتي لزيارتهم حاملًا لأشياء معينة لزوم الزيارة وما إلى ذلك أم لا؟ وهل هو يأتي ليتناول الطعام فقط في المنزل؟ هل هو يسمع لها بشكل جيد، أم يفرض رأيَه عليها؟ هل هناك نقاط تفاهُمٍ بينهما أثناء التحدث في أمور ما بعد الزواج؟
كل هذه الأشياء من شأنِها أن تُظهِر شخصيةَ الرجل قبل الزواج، كما أن هناك طباعًا معيَّنة في الفرد لا يستطيع أن يُخفِيَها، وهي تتمثل في البنية الأساسية النفسية والاجتماعية والثقافية والخلقية للإنسان، تظهر رغمًا عنه، سواء للشاب أو للفتاة؛ ولذلك علينا أن نبحث عن الاختيار الصحيح من البداية.
هل يجب أن يكون الزوج والزوجة متطابقين تمامًا في كل شيء حتى يحدُثَ توافقٌ بينهما؟
ليس شرطًا أن تكون الصفات في الزوج والزوجة متطابقة تمامًا حتى لا تحدث بينهم مشكلات، ولكن المهم أن يكون بينهم التفاهُم الذي يُعتَبر المكوِّنَ الأساسي للتطابق فيما بينهم؛ أي: يكونان هما الاثنان وحدةً واحدة، بداية التفاهم تأتي عندما نتوقَّف كلانا عن التفكير في الطرف الآخر على أنه “آخر”؛ لأنه بمجرد أنْ تم عقد النكاح بينهما، فإنهما قد أصبحا شيئًا واحدًا منذ هذه اللحظة.
ما هي المواصفات التي يجب أن ينظر إليها الشخص أثناء اختيار شريك الحياة؟
كل الأديان علَّمتنا المرأة الجيدة ما مواصفاتها، والرجل الجيد أيضًا ما مواصفاته، ومن أهم هذه المواصفات طبعًا حسن الخُلق، ولكن لا بد أن يكون هناك تكافؤ فيما بينهما، تكافؤ في كل شيء؛ في المستوى الثقافي والفكري، وعلى مستوى العمل، والمستوى الأُسري، وكل المستويات، لا يوجد مانع أن يكون هناك بعض التنوع؛ لأن هذا كله يضيف للحياة الزوجية أشياء جديدة لا ينقص منها شيئًا.
كثير من الرجال يظنون أن المرأة دورها الوحيد هو أن يفرغ الرجل كل طاقاته السلبية فيها وما عليها إلا أن تتحمل. فما رأيك؟
هناك مفهوم خاطئ جدًّا لدى كثير من الرجال، إن لم يكن جميعهم، وهو أن الزوجة دورها الوحيد في الحياة أن تحمل كل هموم الرجل، وأن يفرغ فيها كل الضغوط الواقعة عليه في العمل؛ فكل رجل يأتي إلى المنزل بعد تعب يوم طويل في العمل، ويفتعل المشكلات مع الزوجة نتيجة لتلك الضغوط، ويعتبر أن المرأة هي الحلقة الأضعف في حياته، ويردد كلمات غريبة جدًّا تعني أنها لا بد أن تتحمله، ولا بد أن تحمِل عنه كل الضغوط، وأن هذا هو دورها في الحياة، هذا ليس خطأ، فهذا بالفعل يقع ضمن أدوار الزوجة؛ ولكن ليس هذا هو دورها الوحيد، فهي أيضًا عليها كثير من الضغوط في المنزل إن كانت لا تعمل في الخارج، فكل شخص لديه متاعب ولديه مهمات يُؤدِّيها، فلا بد أن يُدرِك كلا الزوجين أنهما أصبحا شيئًا واحدًا يحملان كل الضغوط مع بعضهما البعض، ولا يُلقِي أحد بكل الهموم على الآخر.
مفاهيم مغلوطة
ما رأيك في المفاهيم المغلوطة عن الزواج أنه كله مشكلات وما هو إلا متاعب وأعباء فقط؟
العَلاقة الزوجية السليمة، والحياة الزوجية السعيدة، لا يوجد أروع منها في الحياة، فسيدنا آدم أبو البشر عندما كان في الجنة بمفرده لم يستطع أن يعيش بدون المرأة، والمرأة هي أجمل شيء وأروع شيء خلقه الله تعالى للإنسان، بشرط أن تفهم المرأة وتشعر بذلك في نفسها، ويكفي لإقامة عَلاقة زوجية سعيدة أن يترُكَ كلا الزوجين نفسَه لفطرته؛ لأن الفطرة التي خلق الله عليها البشر شيء جميل جدًّا، يجب ألا يُشوِّهها الإنسان؛ لأنه بالطبع سيجعل نفسه أكثر سوءًا، والبعد عن المشكلات بين الزوجين يتلخَّص في شيء واحد فقط، وهو أهم جزء في الحياة الزوجية، وهو أن يؤمن كلاهما أن كلاًّ منهما يعطي للآخر قوَّة، وأنهما قادران على مواجهة كل المشكلات مع بعضهما البعض.
كيف يمكن أن يتقاسم الزوجان الحياة الزوجية؟ وما هي الأدوار التي يجب أن يؤدِّيَها كل منهما؟
أنا من المؤمنين بأن الحياة كلها هي المرأة، يجب أن يكون باب المنزل هو ما يفصل بين مجال الرجل ومجال المرأة، فكل شيء داخل مجال المرأة – أي المنزل – هو يعتبر مِلكها، والمنزل هو مملكتها الخاصة، وتفعل بداخلها ما تريد، وكل شيء يجب أن يكون باختيارها، فهي التي تختار نوع الطعام، وتختار نظام البيت، وتختار كل شيء داخل مملكتها، ولا مانع أن يشاركها الرجل في كل هذه الأشياء، ولكن برضاها، وخارج المنزل هو مجال الرجل؛ لأنه هو وزير الاقتصاد في المنزل، فهو خارج المنزل كل دوره أن يأتي بالموارد المادية لهذا المنزل، وهو المسؤول عن الحماية والرعاية للأسرة، هذا هو المفهوم الصحيح لكلمة القوامة، فكثير من الناس يفهمون كلمة القوامة على أن الرجل هو الرئيس، وأنه هو الذي يأمر فقط، ولا بد للمرأة أن تسمع كلامه بدون إبداء رأيها، القوامة حتى معناها اللُّغوي هي تعني الرعاية “أن يقوم على الشيء”؛ تعني “أن يرعاه ويؤدي واجبه ناحيتَه”، فالفكرةُ ليست في الأمر والنهي والضرب وما إلى ذلك فقط، لكن لا بد من التفاهم وحسن معالجة الأمور حتى لا تحدث مشكلات.
كثير من الأزواج يتَّجِهون إلى ضرب المرأة أو تعنيفها كوسيلة لحل المشكلة؟
الضرب هو إحدى الوسائل لحل المشكلات، ولكن ليس هو الوسيلة الوحيدة، فيجب على الزوج أن يضع هذه الوسيلة في المرتبة الأخيرة، وألاَّ يتَّجِه إليها إلا في الحالات المستعصية، فإذا نظرنا إلى أن فلانًا قد ضرب زوجته، وتم حل المشكلة مؤقتًا، فهذا شيء مقبول في هذه الحالة، ولكن علينا أن ننظر إلى نتيجة هذا الحل: ماذا حدث للأسرة؟ هل تحسَّنت حياة الأسرة بعد ذلك الحل؟ وماذا عن الحالة النفسية للزوجة؟ وماذا عن الحالة النفسية للأطفال؟
فالظاهر أن المشكلة قد تم حلها، ولكن الحقيقة أن مشكلات كثيرة جدًّا قد ترتَّبت على هذا الفعل؛ إذًا هذا أسلوب خطأ، ويجب أن نبحث عن أسلوب آخر في إطار التفاهم المتبادل بين الزوجين، وحُسن المعاملة للزوجة.
Leave a Reply