علماء وشيوخ: العنف الأسري من الكبائر المحرمة

الاعتداء على الأطفال مرض خطير يفكك الأسر ويحتاج لعقاب رادع

تحقيق – حمد الجمهور:

يعد العنف الأسري من أبشع السلوكيات التي تمارس ضد الأسرة عموماً وضد الأطفال والزوجة والاخوة والوالدين، وغالباً ما تصدر هذه السلوكيات المشينة من أشخاص تربيتهم ليست سوية وعقولهم فيها خلل وإلاّ فإن ما نراه ونسمعه من اعتداء وظلم من قبل قلة من الوالدين أو زوجة الوالد على الأطفال والتفنن في التعذيب والضرب والحرمان هي ولا شك وقائع حقيقية موجودة في المجتمع بدأت بالظهور بشكل واضح وهناك الكثير منها في الأسر التي لا يعلم عنها.

ومن المؤلم ان تحدث هذه الجرائم والتعديات من أقرب إنسان للطفل هو والدة أو ووالدته أو أحد أقربائه.

«الرياض» طرحت العنف الأسري خاصة ضد الأطفال أسبابه وطرق علاجه مع عدد من المشايخ والمختصين في التربية لتوضيح أسباب العنف والطرق الكفيلة بوضع الحلول المناسبة له وتوعية المجتمع من مخاطره.

صور العنف الأسري وعلاجه

في البداية يقول د. نهار العتيبي الداعية المعروف: مصدر العنف الأسري غالباً ما يكون من الزوج سواء تجاه زوجته أو أبنائه أو تجاههما معاً ونادراً ما يكون العكس. وقد يكون من الزوجة تجاه أبنائها أو يكون من زوج الأم أو زوجة الأب تجاه الأطفال فاقدي الأبوين أو فاقدي أحدهما إما بموت أو طلاق كما انه قد يكون العنف من أحد الاخوة أو الأولياء أو الأقارب ضد الأيتام أو بعض النساء أو الأطفال ممن يعيشون بعيداً عن الأب أو الأم أو الأبوين معاً. وتختلف صور العنف الأسري باختلاف الأذى الواقع على المعتدى عليهم فيندرج العنف تحت إحدى الصور التالية:

الصورة الأولى: الأذى الجسدي.. وذلك بأن يكون الأذى موجهاً لجسد المعتدى عليه إما بالضرب الذي يتعدى حدود التأديب ويصل إلى حد التعذيب أو يكون بالكي بالنار مثلاً أو بربط المعتدى عليه أو ربطه وتعليقه في مكان مرتفع أو نحو ذلك من الأذى الواقع على جسده.

الصورة الثانية: الأذى النفسي.. ويكون بالاهانة أو السب والشتم أو التقبيح الذي نهى عنه الإسلام أو يكون بالحرمان من الطعام والشراب أو بالسجن في المنزل أو في إحدى الغرف لفترات طويلة أو نحو ذلك من أنواع الأذى النفسي للمعتدى عليه.

الصورة الثالثة: الأذى الجنسي الاتهام في العرض.. سواء كان ذلك بالاستغلال الجنسي للمعتدى عليه أو بقذفه واتهامه بفعل الفاحشة أو الإساءة إليه بالكلام وتعبيره بالأمور المحرمة مثل المعاكسات أو نحوها.

علاج العنف الأسري

ويضيف د. نهاد أما علاج العنف الأسري فإنه يعتمد على محورين أساسيين وهي:

المحور الأول: علاج العنف الأسري قبل وقوعه.. ويكون هذا العلاج بعلاج الأسباب المؤدية إليه، فإنه عند معرفة الأسباب التي تؤدي إلى العنف الأسري والعمل على علاج هذه الأسباب فإن ذلك يؤدي إلى منع وقوعه مستقبلاً وبالتالي يمكن القضاء عليه. فإذا عرفنا ان من أسباب العنف الأسري الجهل بالتربية الإسلامية مثلاً وان هذا الجهل يشمل الجهل بما دعى إليه الإسلام من الأمر بحسن التعامل مع الزوجة واحترامها وكذا الأمر بحسن تربية الأبناء وان هذه الأسرة من الرعية التي أمر الإسلام الزوج بالاهتمام بها واحاطتها بنصحه والمحافظة عليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله سائل كل راع عمن استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه) وقوله: (كلم راع وكلم مسؤول عن رعيته) وان الإسلام يحرم التعدي على الزوجة أو الأبناء بالضرب المبرح أو التعذيب حيث قال صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وقوله صلى الله عليه وسلم (استوصوا بالنساء خيراً) وان التربية الإسلامية تقتضي محبتهم وتعليمهم وتقبيلهم وكان هذا هو ما يفعله النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جاء رجل النبي صلى الله عليه وسلم فرأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن أو الحسين فاستغرب ذلك الرجل وقال أتقبلون صبيانكم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ف «نعم»، قال الرجل ان لي عشرة من الولد ما قبلت منهم واحداً فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (أو أملك ان نزع الله الرحمة من قلبك من لا يرحم لا يرحم) وفي يوم من الأيام أطال النبي صلى الله عليه وسلم السجود وعندما قام وانتهى من الصلاة أخبر الصحابة عن سبب اطالته السجود فقال (ان ابني هذا ارتحلني فكرهت ان أعجله) أو كلمة نحو هذه الكلمة. وكان من رحمته صلى الله عليه وسلم انه يخفف الصلاة – مع أنها الركن الثاني من أركان الإسلام – عندما يسمع بكاء الصبي مخافة ان يشق على أمه. وكان ينهى صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه بل كان ينهى عن ما هو أقل من ذلك فينهى الرجل ان يقبح زوجته. كما ان أساليب التأديب في الإسلام ليست بالضرب وحده كما هو معلوم فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يهجر من اخطأ حتى يعود عن خطأه ويتوب منه كما روت عائشة رضي الله عنها ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وقالت فيمكث النبي صلى الله عليه وسلم لا يكلمه حتى يحدث توبة وكان صلى الله عليه وسلم يعلق السوط في البيت حتى يراه أهل الدار إذا استوجب ذلك عندما يفعل أحدهم خطأ وهكذا.

وأما إذا كان سبب العنف الأسري هو تسلط الزوج وعدم خوفه من الله عز وجل فإنه بالامكان التذكير والتخويف من الله تعالى وبيان خطورة ظلم الزوجة أو الأبناء وان الله عز وجل سوف يحاسبه على ظلمه وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة) وفي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ومن العدل بينهم ان لا يظلم منهم أحداً وان لا يعطي أحدهم ويمنع الآخر.

ويمكن علاج هذه الأسباب وغيرها من أسباب العنف الأسري من خلال العديد من الوسائل الإعلامية المختلفة أو من خلال خطب الجمعة أو في المدارس أو غير ذلك من قنوات الاتصال التي تصل إلى الأسرة بكافة مراحلها العمرية.

المحور الثاني: علاج العنف الأسري بعد وقوعه: وهذا يستلزم معرفة من وقع عليه العنف الأسري ومن أوقعه وما هي الأسباب التي أدت إلى وقوعه وما هو العلاج الفوري لهذا العنف وقد يستدعى معاقبة من وقع منه الاعتداء، فإن من لم يردعه كلام الله وكلام رسول صلى الله عليه وسلم وجب ردعه بالعقاب المناسب الذي يوقفه عن هذا الظلم وعن اقتراف ما حرمه الله تعالى حالاً ومستقبلاً. وهذا بلا شك يتطلب تعاون الكثير من الجهات التربوية والاجتماعية وغيرها تعاوناً يؤدي إلى معرفة من يتعرض للعنف الأسري إما بوضع هواتف معلنة ومعلومة أو جهة معينة تهتم بالسؤال والتعرف على من يتعرض إلى العنف حتى ولو لم يستطع الوصول إليها كبعض الأطفال مثلاً الذين لا يستطيعون الاتصال بتلك الجهة أو الوصول إليها وهذا ما حثنا عليه ديننا الحنيف فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) وما الأطفال والنساء إلاّ أعضاء من ذلك الجسد.

ويرى عضو الدعوة والإرشاد الشيخ تركي بن عبدالعزيز العقيل ان العنف من الأمور التي بدأت بالظهور خاصة عند الأطفال.

ويضيف العقيل يبلغ بنا العجب منتهاه حينما نرى بعض الأقربين يحصل بينهم ظلم فاضح وعدوان واضح فنعجب ويزداد العجب حينما لا نرى من البهائم من يصنع ذلك بأولادها: ولقد بلغ الأمر في هذا الزمن منتهاه وما ذاك إلاّ بسبب ضعف الدين عند هؤلاء الناس واضاعتهم للصلوات الخمس في أوقاتها الرجال لا يأتون بها جماعة في المساجد والنساء لا يأتين بها في أوقاتها في بيوتهن. وإذا لم نفعل ذلك فإن العقاب شديد في الدنيا وأشد بعد الدنيا والعنف الأسري من هذه العقوبات الشديدة، وذلك محرم في دين الله بل من الكبائر الفاحشة إثماً عند الله ثم بين خلقه من عباده المسلمين. يقول الله تعالى: {ولا تعتدوا انه لا يحب المعتدين} لماذا يحدث هذا كله بيننا؟ أين الرحمة؟ أين اللطف والعفو والتواضع والصبر؟ ان الله تعالى يقول (إلاّ الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة) فمن يرحم الأولاد ويحسن إلى الزوجات ويصفح عن المسيء ويعالج أخطاءهم بالحكمة؟ انه من يتق الله ويصدق بوعد الله واخباره عن حدوث فتن واختلاف وجهات نظر بين الأسرة خاصة مع طول وكثرة المخالطة معهم قال تعالى {إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم} ثم بين العلاج مع هذه الفتنة وهي حاصلة لابد منها {فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا}.

إن هذا العنف في داخل البيوت لا يؤدي إلى نتيجة حميدة فإما ان يقع الطلاق وإما ان تحصل مضاربات ومشاجرات وإما ان يقع ما هو أعظم من سفك الدماء أو قتل على حين غرة.

ولهذا يجب على المسلمين ان ينقادوا الله تعالى فلا يطيعوا الشيطان الذين يأتيهم بالغضب، فإذا غضب شخص فالغضب من الشيطان ان لم يتمالك العبد ويكظم غيظه ويمنع نفسه من الاسترسال في الغضب والا حدثت المكروهات ثم الندم واللوعات التي لا تنتهي. وبالتالي فالعنف الأسري محرم وليس من فعل المسلمين وأصله من الغضب الذي هو من الشيطان ومفاسده كثيرة كالطلاق وغيره وليس هو علاج لمشاكل الأسرة ويوقع شماتة الأعداء بنا وخلاف هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان على خلق عظيم.

أسباب العنف الأسري

ويدعو أستاذ العلوم الشرعية الشيخ نادر العضياني إلى التربية الإسلامية الصحيحة، حتى يتم تفادي أسباب العنف الأسري ويقول: هنالك العديد من الأسباب التي تؤدي إلي العنف الأسري وتختلف باختلاف المجتمعات إذ ان العنف الأسري لا يرتبط بفرد معين من أفراد الأسرة فقد يصدر من الأب أو من الأم أو من الأبناء وقد تجتمع بعض أسبابه في فرد من أفراد الأسرة أو قد يكون سبباً واحداً من أسباب العنف الأسري التي من أبرزها:

  1. عدم التربية الإسلامية الصحيحة للأبناء وسوء تعامل الزوج مع الزوجة والأبناء أو سوء تعامل الزوجة مع زوجها وأبنائها ومما لا شك فيه ان الدين الإسلامي دين كامل وشامل لجميع جوانب الحياة وقد اهتم اهتماماً كبيراً بالأسرة وعند عدم الأخذ بتعاليمه يؤدي ذلك إلى العنف الأسري.

  2. الغضب: فكثيراً ما يؤدي الغضب إلى نتائج لا تحمد عقباها وما أسوأ الغضب الذي يؤدي إلى العنف الأسري فإن سريع الغضب ينعكس غضبه على أسرته ويحدث بذلك ضرر كبير وما قصة رهف عنا ببعيد.

  3. الثقافة الأسرية: فكلما كانت الثقافة الأسرية كبيرة قل العنف الأسري وكلما كانت الثقافة قليلة والجهل منتشر كلما ازداد العنف الأسري وقلت قدرة الزوجين على حل المشكلات.

  4. قلة وعي الزوج والزوجة بواجباتهما الشرعية وما لهما أو لأبنائهما من حقوق وما عليهم من واجبات فعند الاخلال بتلك الحقوق والواجبات ينعكس ذلك على التصرفات وينتج عن ذلك العنف الأسري.

  5. الفقر: فإن وجود الفقر في الأسرة يؤثر تأثيراً سلبياً على أفراد الأسرة وربما أدى ذلك إلى سوء سلوك بعض أفراد الأسرة واعتيادهم على السرقات مثلاً والاجرام وهذا يزيد من ازدياد العنف الأسري.

  6. العادات والتقاليد: فإن بعض العادات والتقاليد التي توجد لدى بعض المجتمعات كسيطرة الرجل على الأسرة والتحكم بها وتأديبها كما يشاء بل اعتبار الضرب الشنيع من الرجولة ونحو ذلك من العادات التي تأصلت في نفوس بعض الأشخاص وهي مما يؤدي إلى العنف الأسري والإيذاء المنهي عنه شرعاً.

  7. تعود الشخص على العنف منذ صغره ونشأته على ذلك منذ نعومة أظفاره يجعله يعتاد على العنف في أغلب الأحيان.

  8. الانحراف الأخلاقي والسلوكي: فانحراف الزوجة أو الزوج أو الأبناء سواء كان هذا الانحراف بتناول المخدرات أو كان انحرافاً سلوكياً فإن ذلك له تأثير مباشر على الأسرة.

    وهذه الأسباب سواء كانت بسبب الجهل أو بسبب عدم الخوف من الله تؤدي إلى العنف الأسري الذي يؤدي إلى ظلم الأشخاص المعتدى عليهم وبالتالي إلى تفكك الأسرة وشتات أفرادها.

التربية

يقول عبدالله بن عبدالرحمن الغبيوي مدير مدرسة الإمام الشافعي بالدوادمي إن ديننا الإسلامي دين الرحمة والعطف واللين والمحبة والألفة والتواصي على الخير ينهى عن العنف الأسري ويدعو إلى التربية الإسلامية الصحيحة ومن الممكن ان نذكر شيئاً مما حث عليه الإسلام حتى يتربى الأبناء تربية إسلامية وتبتعد الأسرة عن العنف الأسري بالحلول التالية:

أن يتعامل الزوجان بينهما بما أوجب الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من المعاشرة بالمعروف فقال تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} أي بالألفة والمحبة وحسن الصحبة، وان يقوم الزوجان بحل مشاكلهما فيما بينهما بعيداً عن الأبناء بحيث لا يشعرون بأي جانب من جوانب العنف داخل المنزل، وان يوفر الزوج الاحتياجات الأساسية للزوجة والأبناء وهذا يقطع جزءاً كبيراً من الخلاف الأسري الذي يولد الكراهية والبغضاء والعنف الأسري وتصبح الأسرة في دوامة من الخلافات والمشاكل، وتربية الأبناء تربية إسلامية بحيث يحرص الوالدان على ان يجتهدوا في تربية أبنائهم على محاسن الأخلاق والآداب وحثهم على القيام بالفضائل ونبذ الرذائل ويجتهد الوالدان أيضاً على أمر أبنائهم على الواجبات التي أمر الله بها كالصلاة والصيام ونهيهم وتحذيرهم من المحرمات وكذلك على الوالدين ان يختارا الصحبة الصالحة لأبنائهما وتحذيرهم من الرفقة السيئة ومتابعة أبنائهما متابعة جيدة من أجل توجيههم التوجيه السليم وتربيتهم تربية إسلامية، وان يكون الوالدان قدوة لأبنائهما في تعاملهما فيما بينهما من أجل ان يقتدي بهما أبناؤهما ويسيروا على نهجهما ليخرج جيل يبتعد عن العنف الأسري، وان يستخدم الوالدان شيئاً من الأساليب الحديثة كأسلوب الثواب والعقاب أو أسلوب التشجيع والتحفيز والثناء بحيث يصبح الابن بعيداً عن العنف وان لا يستخدم التأديب بالضرب إلاّ في أشد الحالات حاجة لذلك، وحسن استخدام الألفاظ في المنزل فيحرص الوالدان على الكلمات الطيبة والتعامل الحسن ويكثرون من افشاء السلام فيما بينهم في المنزل لأنه سبب رئيسي بإذن الله للمحبة والألفة قال صلى الله عليه وسلم (الا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم افشوا السلام بينكم)، وان لا يدخل الوالدان إلى المنزل أي أداة من الأدوات التي تؤدي إلى العنف الأسري كأفلام العنف والمجلات أو الصحف التي تحض على العنف أو غيرها من الوسائل التي لها تأثير سيئ على الأبناء.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*