السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شابٌّ متزوج من فتاةٍ اكتشفتُ أنها تُعاني من خوفٍ نفسيٍّ شديدٍ من العلاقة الزوجية، وكانت تعلم هذا قبل الزواج.
ذهبنا للطبيب بعد الزواج، وأخبرني أني سأعاني معها فترة نظرًا لنفسيتها المتعبة، فعقدتُ العزمَ على أن يتم الأمرُ بطريقةٍ طبيعيةٍ، لكنها كانت تبتعد عني دائماً..
خرجتْ من منزل الزوجية إلى بيت أهلها، فأردتُ أن أتركها فترةً حتى تهدأ، لكنها خرجتْ بدون إذني!
أخذتُ القرار بالطلاق، وتَمَّ الطلاق بعد 21 يومًا من الزواج، قضتْ منها أسبوعًا في بيت أهلها قبل الدخول.
أنا مقتنعٌ بأسباب الطلاق، وغير مقتنع بها كزوجة كذلك، لكني لا أستطيع أن أتغلبَ على الحزن، وعلى الاشتياق لمعرفة أي تفاصيل عنها، وإذا ذهبتُ للارتباط بأخرى أجدها في خيالي.
فماذا أفعل لأتغلب على الحزن، ولحظات التفكير فيها؟
الإجابة: الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فلا يَشُكُّ أحدٌ يقرأ رسالتك – أيها الابن الكريم – والتي لم تذكرْ فيها سببًا وجيهًا يدعو للطلاق بعد 21 يومًا، منها أسبوعٌ في بيت أهلها قبل الدخول؛ لا يشك مَن قرأ هذا أن يحكمَ عليك بالتسرع، أو الهروب من مسؤولية زوجتك النفسية، والتي يُبتلى بها كثيرٌ غيرك، وتمر بسلامٍ؛ بشيء من الصبر، وتُصبح ذكرى بعد وقتٍ قصيرٍ.
وقولك: “أنا مقتنعٌ بأسباب الطلاق”، جملةٌ هجوميةٌ منك؛ لقطْع الطريق على المستشار الذي هو مؤتمنٌ في شريعتنا الغراء أن يقول الحقَّ، ويَصدقك النصح، فأين تلك الأسباب المقنعة؟ أَخُروجها بغير إِذْنٍ؟!
أنا معك أنه لا يصح، بل لا يجوز، ولكن أيكون عقابه الطلاق؟ أيكون أول الدواء الكي الذي جعله النبيُّ آخر الدواء؟
الطلاقُ كالكيِّ – أيها الابن الكريم – رُتبتُه في الشريعة آخر شيءٍ، وليس أوله، حينما تجفُّ القلوب عن الخفقان، فلا تطيق هذه الصلة، ولا يبقى فيها ما تستقيم معه الحياةُ، وتصبح مُكَبَّلةً بالسلاسل والحبال، أو بالقيود والأغلال، فالتفرق في تلك الحال فقط؛ لأن إمساك الزوجية على هذا الوضع إنما هو محاولةٌ فاشلةٌ، ومن الحكمة التسليم بالواقع.
أمَا إن كان والقلب ينبض، فلا إذًا، فأنت مَن تقول: إن الحزن يسيطر عليك، وإنك مشتاقٌ لمعرفة أي تفاصيل عنها، فهذا دليلٌ على أنك قد تسرعتَ في الطلاق، وقطعتَ رباط الزوجية، وفى النفس روحٌ تنبض، والإسلامُ لا يسرع إلى رباط الزوجية المقدسة فيفصمه لأول وهلةٍ، ولأول بادرةٍ من خلافٍ، وإنما يشد على هذا الرباط بقوةٍ، فلا يدعه يفلت إلا بعد المحاولات واليأس، ومحاولاتٍ يقوم بها المصلحون للتوفيق، وببذل كل الجهد لتوطيد أركان البيت، وتوثيق أواصر الأسرة، ولماذا كل هذا؟ لأن الله سَمَّاه ميثاقًا غليظًا؛ وأمرنا جميعًا فقال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]، وقال: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35]، وقال: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128].
أما قولك: إنك غير مقتنعٍ بها كزوجةٍ، فأنت لم تعرفها بعدُ حتى تحكم ذلك الحكم.
فراجعْ نفسك، وقفْ معها وحاسِبْها؛ لتدركَ أنك تسرعتَ جدًّا في الطلاق، وما زال أمامك الوقت لتصحيح الخطأ؛ فخيرُ الخطائين التوابون، والعودُ أحمدُ، فاذهبْ لأسرتها، واعترفْ بخطئك، وبيِّنْ لهم رغبتك الصادقة للعودة، وأنك لم تتهربْ مِن المسؤولية في الوقوف معها حتى تجتاز تلك المحنة.
وفقك الله لفِعْل الصواب، وألْهَمك رُشدك، وأعاذك من شر نفسك.
Leave a Reply