شهوة زوجي عالية ولا أستطيع تلبية رغباته.. ماذا أفعل؟!

السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسأل الله سبحانه أن يجعلَ ما تُقَدِّمونه مِن أجوبةٍ وحُلُولٍ في ميزان حسناتكم.

أنا امرأة متزوجة، وعندي أولاد، وأعيش مع زوجي حياةً سعيدةً ومستقرة، ولله الحمد، نحن نعيش في بلد غير بلدنا الأم، وهذا ما يجعلُنا مرتبطَيْنِ أنا وزوجي ارتباطًا قويًّا، فلا أستطيع أن أبتعدَ عنه، وهو كذلك؛ لعله لأنه بعيد عن أهله وأصدقائه، وأنا بعيدة عن أهلي وأَخَواتي.

وزوجي يطلب حقَّه الشرعي كل يوم، وأنا أتعب خلال النهار؛ فأنا مسؤولةٌ عن أولادي الثلاثة، وأنا التي تطبخ وتنظف، وأقوم بكل الواجبات في البيت، وعندما يحين المساء أكون متعبةً جدًّا، وفي بعض الأحيان زوجي لا يُقَدِّرُ وضْعي وتعبي النفسي والجسدي، وإذا رفضت أن أعطيه ما يريد، يُدير رأسه، ويقول لي: ذنبك على جنبك! أو: ذنبي في رقبتك!

ونحن والحمد لله عائلةٌ ملتزمةٌ، وأنا أخاف مِن أي ذنب، وأخاف الله – عز وجل، وأغتم عندما يقول لي هذه الكلمات، فهل عليَّ ذنبٌ عندما أرفض ما يريد وأنا متعبة؟

أرجو ألا تقولوا: دعيه يتزوج؛ فأنا أرفض بشدة بسبب غيرتي الزائدة.

أرجوكم أفيدوني، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة: الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فقد راعى الإسلامُ – بمُقتَضَى الفطرة والعادة – حال الزوج في جماع زوجته؛ لكونه الطالِبَ، والمرأة هي المطلوبة، وأنه أقوى شهوةً، وأشدُّ شوقًا، وأقل صبرًا، بخلاف المرأة التي هي أضعف شهوةً، وأكثرُ صبرًا، وهذا أمر مُشاهَد في الواقع، وأثبتته الأبحاثُ الطِّبِّيَّةُ الحديثة التي تفيدُ بأنَّ حاجَةَ الرجل لزوجته أضعافُ حاجَتِهَا إليه، وهذه مِن بعض الحكم الشرعية لإباحة التعدُّدِ للرجل دون المرأَةِ.

وسأنقل لك – أيتُها الأختُ الكريمةُ – كلامًا نفيسًا لشيخ الإسلام ابنِ القيِّم في بَيَانِ الحكمة مما ذكرنا؛ حيث قال في “إعلام الموقعين عن رب العالمين” (2/ 65 -66): “فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ رُوعِيَ جَانِبُ الرَّجُلِ، وَأُطْلِقَ لَهُ أَنْ يُسِيمَ طَرْفَهُ، وَيَقْضِيَ وَطَرَهُ، وَيَنْتَقِلَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ بِحَسَبِ شَهْوَتِهِ وَحَاجَتِهِ، وَدَاعِي الْمَرْأَةِ دَاعِيهِ، وَشَهْوَتُهَا شَهْوَتُهُ؟

قِيلَ: لَمَّا كَانَت الْمَرْأَةُ مِنْ عَادَتِهَا أَنْ تَكُونَ مُخَبَّأَةً مِنْ وَرَاءِ الْخُدُورِ، وَمَحْجُوبَةً فِي كُنِّ بَيْتِهَا، وَكَانَ مِزَاجُهَا أَبْرَدَ مِنْ مِزَاجِ الرَّجُلِ، وَحَرَكَتُهَا الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ أَقَلَّ مِنْ حَرَكَتِهِ، وَكَانَ الرَّجُلُ قَدْ أُعْطِيَ مِن الْقُوَّةِ وَالْحَرَارَةِ الَّتِي هِيَ سُلْطَانُ الشَّهْوَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أُعْطِيَتْهُ الْمَرْأَةُ، وَبُلِيَ بِمَا لَمْ تُبْلَ بِهِ؛ أُطلق لَهُ مِنْ عَدَدِ الْمَنْكُوحَاتِ مَا لَمْ يُطْلَقْ لِلْمَرْأَةِ؛ وَهَذَا مِمَّا خَصَّ اللهُ بِهِ الرِّجَالَ، وَفَضَّلَهُمْ بِهِ عَلَى النِّسَاءِ، كَمَا فَضَّلَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِالرِّسَالَةِ، وَالنُّبُوَّةِ، وَالْخِلَافَةِ، وَالْمُلْكِ، وَالْإِمَارَةِ، وَوِلَايَةِ الْحُكْمِ وَالْجِهَادِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَجَعَلَ الرِّجَالَ قَوَّامِينَ عَلَى النِّسَاءِ سَاعِينَ فِي مَصَالِحِهِنَّ، يَدْأَبُونَ فِي أَسْبَابِ مَعِيشَتِهِنَّ، وَيَرْكَبُونَ الْأَخْطَارَ، يَجُوبُونَ الْقِفَارَ، وَيُعَرِّضُونَ أَنْفُسَهُمْ لِكُلِّ بَلِيَّةٍ وَمِحْنَةٍ فِي مَصَالِحِ الزَّوْجَاتِ، وَالرَّبُّ تَعَالَى شَكُورٌ حَلِيمٌ، فَشَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَجَبَرَهُمْ بِأَنْ مَكَّنَهُمْ مِمَّا لَمْ يُمَكِّنْ مِنْهُ الزَّوْجَاتِ، وَأَنْت إذَا قَايَسْت بَيْنَ تَعَبِ الرِّجَالِ وَشَقَائِهِمْ وَكَدِّهِمْ وَنَصَبِهِمْ فِي مَصَالِحِ النِّسَاءِ، وَبَيْنَ مَا ابْتُلِيَ بِهِ النِّسَاءُ مِن الْغَيْرَةِ، وَجَدْت حَظَّ الرِّجَالِ مِنْ تَحَمُّلِ ذَلِكَ التَّعَبِ وَالنَّصَبِ وَالدَّأْبِ أَكْثَرَ مِنْ حَظِّ النِّسَاءِ مِنْ تَحَمُّلِ الْغَيْرَةِ؛ فَهَذَا مِنْ كَمَالِ عَدْلِ اللهِ، وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ؛ فَلَهُ الْحَمْدُ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ.

وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ شَهْوَةَ الْمَرْأَةِ تَزِيدُ عَلَى شَهْوَةِ الرَّجُلِ، فَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَالشَّهْوَةُ مَنْبَعُهَا الْحَرَارَةُ، وَأَيْنَ حَرَارَةُ الْأُنْثَى مِنْ حَرَارَةِ الذَّكَرِ؟ وَلَكِنَّ الْمَرْأَةَ – لِفَرَاغِهَا وَبَطَالَتِهَا وَعَدَمِ مُعَانَاتِهَا لِمَا يَشْغَلُهَا عَنْ أَمْرِ شَهْوَتِهَا وَقَضَاءِ وَطَرِهَا – يَغْمُرُهَا سُلْطَانُ الشَّهْوَةِ، وَيَسْتَوْلِي عَلَيْهَا، وَلَا يَجِدُ عِنْدَهَا مَا يُعَارِضُهُ، بَلْ يُصَادِفُ قَلْبًا فَارِغًا وَنَفْسًا خَالِيَةً، فَيَتَمَكَّنُ مِنْهَا كُلَّ التَّمَكُّنِ؛ فَيَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّ شَهْوَتَهَا أَضْعَافُ شَهْوَةِ الرَّجُلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يُجَامِعَ غَيْرَهَا فِي الْحَالِ، كَانَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَطَافَ سُلَيْمَانُ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً فِي لَيْلَةٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ لَهُ عِنْدَ كُلِّ امْرَأَةٍ شَهْوَةً وَحَرَارَةً بَاعِثَةً عَلَى الْوَطْءِ، وَالْمَرْأَةُ إذَا قَضَى الرَّجُلُ وَطَرَهُ فَتَرَتْ شَهْوَتُهَا، وَانْكَسَرَتْ نَفْسُهَا، وَلَمْ تَطْلُبْ قَضَاءَهَا مِنْ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ الْحِينِ، فَتَطَابَقَتْ حِكْمَةُ الْقَدَرِ، وَالشَّرْعِ، وَالْخَلْقِ، وَالْأَمْرِ، وَللهِ الْحَمْدُ”. اهـ.

ولهذا، أَوْجَبَ الشارعُ الحكيمُ عَلَى الزَّوجةِ الاستجابةَ للزَّوج إذا دعاها إلى فِراشِهِ، وألَّا تَتَخَلَّفَ عنه؛ كما في الحديث: «إِذَا الرَّجُلُ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ»؛ رواه الترمذيُّ، وَحَسَّنَهُ.

وحذَّرَ الزوجاتِ من الامتناع عن فراشِهِ بغيرِ عُذْرٍ، فيبيتُ وهُو ساخطٌ عليها، فَقَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا؛ لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ»؛ متفق عليه.

وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا، فَتَأْبَى عَلَيْهِ، إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا».

فالزوجُ قد يكون مُفْرِطًا في شهوته، وَشَبَقِهِ، فيدفَعُهُ امتناعُ الزوجة إلى الانحراف، أو التفكير فيه، إن كان ضعيفَ الإيمان، أو يؤدِّي إلى القلق والتوتُّر، وفي بعض الأحيان قد يُصَابُ الرجلُ بالعِنَّةِ، أو الضعْفِ الجِنسِي!

ولكن ما نذكرُهُ يكون في الأحوال الطبيعية التي ليس فيها عذرٌ معتَبَرٌ شرعًا للزوجة؛ من مَرَضٍ، أو إرهاقٍ، أو مانِعٍ شرعِيٍّ، أو غير ذلك؛ ففي تلك الحالِ يَجِبُ على الزوج صاحِبِ الخُلُقِ والدين مراعاةُ حالِ امرَأَتِهِ؛ فإن الله – سبحانه – يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ، وهُو خالِقُنَا ورازِقُنَا وهادينا، وهو – سبحانَهُ وعَزَّ وَجَلَّ – لا يُكَلِّفُنا إلا وُسْعَنَا، وقال: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]؛ فَأَسْقَطَ عنَّا – سبحانه – واجباتٍ؛ سواءٌ بِبَدَلٍ أو غيرِ بَدَلٍ عند العُذْرِ.

والقاعدةُ المطَّرِدةُ في الشريعةِ الإسلاميةِ جمعاءَ: أنَّ ما في مقدورنا عَمِلْنَاهُ، وَمَا تَعَذَّرَ علينا أو عجزنا عنه سَقَطَ عنَّا؛ فَعَلى عِبَادِ الله المسلمين أن يلتزموا ذلك، ولا يَشُقُّ بعضُهُم عَلَى بَعْضٍ، لا سيما الزوجُ الذي فضَّلهُ اللهُ عَلَى زوجَتِهِ بِدَرَجَةِ القَوَامَةِ؛ ليُراعِيَ حَالَهَا، ويجبُرَ كسرَهَا، ويقبلَ عُذْرَهَا، ويُقَدِّرَ ما هي فيه، ويسامِحَهَا عند التقصير، ويتنازَلَ عن بعض حقوقه؛ برًّا بها، فالعِشْرَةُ تَدُوم مع عدم استيفاء الحقوق من الجانبين، وبتفهُّم كُلِّ واحِدٍ وَضْعَ صاحِبِهِ، ويتقبَّلُهُ كما هو.

فحاولي – أختَنَا الكريمةَ – أن تشرَحِي ذلك لزوجِكِ، واعتذري له بأسلوبٍ هادئٍ، وبيِّنِي له أن الحياة الزوجية لا بد فيها مِن الصبر، والتغاضي عن الأخطاءِ والزلَّات، ولْيَقِسِ الأمْرَ بِحَالِهِ؛ فَلِكُلِّ رَجُلٍ بَلْ كلُّ إنسانٍ فيه مِن الأخطاءِ والتقصيرِ ما يعلمُهُ هو من نفسِهِ.

أصلح الله أحوالَ المسلمين.

المصدر

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*