جاء قول الله تعالى في سورة النساء: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14]، وفي هذه الآية الكريمة جاء الفعل “زُيِّنَ” مبنيًّا للمجهول؛ ليعبِّرَ عن دلالات متعددة، ونستفيد من ذلك أن الله هو الذي خلق الشهوات في الإنسان، فهي مزينة له من حيث الفطرة؛ وذلك لأجل استمرار الحياة على الأرض، ولتكون فتنةً للناس واختبارًا لهم؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 7].
ثم إن هناك تزيينًا آخرَ فوق تزيين الفطرة ملقًى في مشاعر وأحاسيس وعقل الإنسان المؤمن، سواء كان زوجًا أو زوجة إذا ما كانت نيتهما من لقائهما معًا هو مرضاة الله والسير على منهجه؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 17]؛ ومن ثم تزداد المودة والمحبة بين الزوجين وتزداد سعادتهما معًا؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]؛ ومن هنا تزداد سعادتهما الزوجية؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة))؛ [أخرجه مسلم].
وكان سيدُ البشرية محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرَ مثالٍ لذلك؛ فقد عبر عن ذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: ((حُبِّبَ إليَّ من دنياكم: النساء والطِّيب، وجُعلت قرة عيني في الصلاة))؛ [رواه أحمد والنسائي].
ولا شك أن العلاقة الزوجية بهذا الشكل تصبح من أسمى وأرقى العلاقات في هذا الكون على الإطلاق؛ فهي علاقة مشاركة ومحبة ومودة ورحمة، تجمع بين طرفين وتربطهما معًا في كل أمور حياتهما.
وهذا هو زواج العبادة الذي يتقرب بها المرء إلى خالقه تعالى؛ فهو حصن له، يعفه ويحفظه من الزيغ والانحراف، ويؤهله لتحمل الخلافة في الأرض.
وهناك تزيين ثالث ولكن يقوم به الشيطان، فيزين لكلا الجنسين أداء هذه الشهوة في الحرام، لدرجة أن الواحد منهم يظن أن أداء هذه الشهوة في الحرام أحب إلى نفسه من الحلال الطيب، فجعلوها هي المقصد، فصارت أفكارهم وخواطرهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة لها، وصحبوها صحبة البهائم، يتمتعون بلذاتها ولا يبالون على أي وجه أدَّوها، فهؤلاء كانت زادًا لهم إلى جهنم وبئس المصير.
ولكن هذا التزيين الشيطاني مزيف قصير المدى، فالذين يمارسونه سريعًا ما يفقدون هذه اللذة مع من يمارسونها معهم، فيبحثون عنها مع آخرين، فيفقدونها أيضًا وهكذا، ثم يبحثون عنها في أشكال مختلفة تنافي الفطرة، ثم يفقدونها تمامًا وتصبح سرابًا لا يجدونه؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39]؛ ومن ثَمَّ يصابون باليأس والإحباط في الحياة، وتكون النهاية بالانتحار، وهذا ما نلاحظه في الدول المنحلة أخلاقيًّا بكثرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بواسطة : أ\د فؤاد محمد موسى.
Leave a Reply