زوجتك من أعظم الأمانات عندك

الحمدلله خالق السماء ومجري الماء وحافظ الطير في الهواء،أحمده جل شأنه وأشكره أن أنعم على الرجال بالنساء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له تفرد بالصفات العلى وأحسن الأسماء، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله على هذا النبي العظيم وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفاء.أمابعد:فيا عباد الله هذا ربكم يخاطبكم فاستمعوا لخطاب ربكم إذ يقول { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً } (النساء:1).

 
عباد الله أمانة في أعناقنا و لا يخلو واحد منَّا إلا وفي رقبته هذه الأمانة وهي من أعظم الأمانات، أتعلمون ما هي؟.إنها زوجتي وزوجتك وزوجته،نعم الزوجات في بيوتنا أمانة حُقَ على الرجال رعايتها والإحسان إليها.معاشر الأزواج اسمعوا فهذا نبيكم وحبيبكم يوصيكم في حجة الوداع بقوله: ((…فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ..))(مسلم،حجة النبي صلى الله عليه وسلم ،ح(2137)). نعم الزوجة أمانة وأي أمانة إني سمعت ربي يُعَظِّم من شأن عقد النكاح بقوله جل في علاه: { ..وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظً } (النساء:21).نقل ابن كثير عن حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنه أن المراد بالميثاق في الآية عقد النكاح.أخي الزوج..أخي الزوج هل شعرت بأن ولي أمر زوجتك قد أكرمك يوم أن وثق فيك، بل هل علمت أن أهل الزوجة جميعهم أكرموك بابنتهم بثمرة فؤادهم فقلي بربك كيف قابلت ذاك الإكرام؟.والشاعر يقول:إن أنت أكرمت الكريم ملكته..وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا.وخير منه ما أخرجه الإمام السيوطي في جامع الأحاديث عن سيدي وقرة عيني صلى الله عليه وسلم بسند فيه مقال:((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى ما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم))(السيوطي،جامع الأحاديث،حرف الخاء،ح(12171)).معاشر الكرام بعض الأزواج يبخل على زوجته بأساسات الحياة؛فتجده يأكل خارج المنزل مما لذ وطاب من المأكولات والحلويات والمشروبات و يُقَتِّر على زوجه في الطعام فنقول لمثل هذا: مسكين ياهذا حُرمت خيري الدنيا والآخرة خسرت محبة زوجتك لك وخسرت أجر الآخرة ألم تسمع لقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ((..إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ..))(البخاري،أن يدع وثته أغنياء..،ح(2537)).تأملوا معي أحبتي الحديث ليس في مجرد اللفظ بل في التطبيق والعمل،أسأل نفسك أخي بكل صراحة كم يوماً مر عليك ولم تطعم زوجتك وتضع اللقمة بيدك في فمها؟. وقس على ذلك بقية النفقات.وقد يقول قائل:الحمد لله أنا أنفق على زوجتي في الطعام و اللباس والعلاج ولم أُقَصِّر قط في تلبية طلباتها.فنقول له نعم ما صنعت بيد أنك إن توقفت عند هذا الحد فاسمح لي أن أصفك بالمقصر،لأن المرأة كائن حي لها مشاعر مثل مالك من مشاعر سمعت ربي يخبر عن الاشتراك بين الزوجين بقوله: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَ } (النساء:1).هناك من الأزواج من جفت مشاعره في البيت فلا تسمع منه زوجته إلا الأوامر العسكرية اطبخي اكنسي احضري الماء احضري الشاي وسلسلة من الأوامر لا تنتهي،وإذا ناداها فبألفاظ جافة:ياحرمة،يامرة،ياهي،يابنت.أحبتي في الله سؤال لا حرج فيه منذ متى جعلت العبارة الأساس التي تنادي بها زوجتك:ياحبيبتي،ياعزيزتي أو باسم ترقق وترخم بها اسمها؟.أما لك في حبيبك صلى الله عليه وسلم قدوة؟.في صحيح الإمام البخاري عن الصديقة بنت الصديق أمنا أم المؤمنين الطاهرة المبرأة من فوق سبع سموات تقول:((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا يَا عَائِشَ هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ فَقُلْتُ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ تَرَى مَا لَا أَرَى تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ))(البخاري،فضل عائشة..،ح(3484)).كم مرة في اليوم تحضن زوجتك؟.كم مرة في اليوم تقبلها؟.كم ليلة تنام زوجتك وقد وضعت رأسها على كتفك؟.قد يقول البعض في نفسه الآن..خطيبنا اليوم خلع برقع الحياء ودخل في العميق..كيف أنادي زوجتي بمثل هذا الكلام وقد شاب شعري وكبر أولادي!.أقول أحبتي هذه هي حياتنا الإسلامية في البيوت حياة حب وألفة ومودة،وما تخرج الزوج الجاف إلا من أسرة جافة،فأنت بكلماتك تلك أمام أبنائك تكون قدوة لهم في تأسيس حياة زوجية سعيدة،معاشر الكرام أخاطب كل واحد منكم ونفسي أولاً:تذكر كيف كانت هذه المرأة عزيزة في بيت أبيها فأصبحت خادمة لك ولأولادك،تذكر فضل الله عليك بهذه النعمة نعمة الزوجة الحلال التي افتقدها كثير غيرك فوقع في الحرام وكبائر الذنوب،أحبتي الكلام يطول ولكني سمعت ربي يوصي بالزوجات بوصية عظيمة جامعة بقوله: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرً } (النساء:19).

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخطبة الثانية :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.أمابعد:فاتقوا الله عباد الله واحرصوا على الأمانة التي بين أيديكم من الزوجات وأعلموا رحمني الله وإياكم أن المسؤولية والأمانة تعظم إذا فقدت المرأة عزوتها من أب أو إخوة ولم يبق لها بعد الله في هذه الحياة إلا أنت،فمع الأسف من الأزواج من يعتبر هذه فرصة سانحة فيذل المرأة ويسومها سوم العذاب والهوان والظلم ونسي أن الله مطلع وقادر عليه أكثر من قدرة أبيها أو أخيها.أحبتي في الله ومن الرجال من هو كريم مكرم للمرأة إلا أنه لا يراعي التغيرات التي تطرأ عليها؛فالمرأة في حال الحيض تمر بمرحلة من التغيرات والتوتر تجعلها في غير حالها الطبعية،ولذا منع الإسلام من الطلاق في حال الحيض واعتبره طلاقاً بدعياً من عمله آثم،وكذا في حال النفاس،وبعد بلوغ سن اليأس فإن المرأة يحدث عندها من التغيرات التي ينبغي للرجال فهمها و مراعاتها،فبعض الرجال يريد من زوجته والتي شاب شعرها ورق عظمها وقد تكون وصلت الستين أن تكون في تقديمها للخدمات كما كانت أيام الصبا،فنقول له:يا أخي إن الدولة تكرم الموظف الذي وصل لسن الستين بأن تريحه من العمل مع الإنفاق عليه،فهلا أرحت هذه المرأة التي أفنت عمرها وشبابها وصحتها في خدمتك وخدمة أولادك، عاشت كشمعة تحترق لتضيء لكم الحياة،فلا أقل من أن تُحْضِر لها خادمة،فإن لم تستطع فكن عوناً لها وخفف من مطالبك التي لا تنتهي.أخي في الله إن الرعاية ليست فقط في الطعام والشراب والكساء والعلاج والمشاعر فقط بل أوجب ما يجب عليك أن تبصرها بدينها وأن تحملها على الالتزام به،فكم من الأزواج مع الأسف يغضب ويملأ الدنيا ضجيجاً إن قصرت زوجته في حق بسيط من حقوقه،ويراها مع الأسف تقصر في حقوق الله؛تقصر في الصلاة،تقصر في الحجاب ..تقصر..وتقصر..فلا يغضب ولا ينصحها وقد تكون جاهلة. فنقول لمثل هذا احذر فإنك على خطر عظيم،أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ))(البخاري،من استرعى رعية..،ح(6617))

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكاتب:

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*