هل تقبل بذلك يوماً ما؟
أبناء يرفضون زواج أمهم: «رضا الناس أهم»!
الخبر، تحقيق- عبير البراهيم
تقدم لـ»أم محمد» والبالغة (52) عاماً رجل صالح، عرف بالاستقامة وحب الخير، وقد وعد أن يقدم لها كل سبل الراحة الزوجية، وأن يدعمها في حياتها ، بل ويدعم أبناءها إن احتاجوا لذلك، وعلى الرغم من وجود الرغبة والفرح بداخل «أم محمد»، والتي تشعر أنها مازالت تقف في مفترق طرق تمد فيها الحياة لها يديها، إلاّ أنها تشعر بحرج كبير من أبنائها وأحفادها، ف»أم محمد» تعيش مع خادمتها بمفردها في المنزل الذي تركه زوجها السابق لأبنائه، ولها بعد مماته، بل وظلت تعيش حياة باردة وفارغة، تنتظر زيارة أبنائها الخمسة في نهاية كل أسبوع برفقة أبنائهم، يقضون وقتاً ممتعاً ويتناولون وجبة العشاء ثم يغادرون، تاركين لها وحدتها من جديد، لتبقى تعد الأيام حتى نهاية الأسبوع الذي قد يجمعها بأبنائها وربما تعذر البعض فلم يزرها إلاّ كل أسبوعين مرة!. ووجدت «أم محمد» غضباً عارماً من أبنائها، فابنها الكبير «محمد» هدد أن يقتل الخاطب، في حين ذكّر الابن الصغير والدته بعمرها، وأنها أصبحت جدّة، أما ابنتاها فانهارتا والدموع من أعينهما، موجهين لها السؤال: «ماذا سيقول عنا أزواجنا وأسرهم؟»، فكرت «أم محمد» فوجدت أن قبولها بالزواج ستكون ضريبته خسارة أبنائها الذين لم يجدوا مبرراً للرفض سوى الخجل من المجتمع ونظرة الناس وماذا يقولون؟، فهل كانت محقة بخضوعها لأنانية أبنائها؟ وهل من الممكن أن تقبل – أنت – بزواج أمك يوماً ما؟، أم أن العقلية الاجتماعية و»ثقافة العيب» ستكون هي المسيطرة والحكم في آن واحد.
يرى البعض أن زواج الأم يختلف عن زواج الأب بعد وفاة أحدهما أو حدوث الطلاق بينهما، فهناك من يؤكد أن الأم وضعها «حساس»، كونها القلب المحتضن والذي لابد أن يبادر بالتضحية والبقاء للأبناء، وذلك ما يبرر غضب ورفض الأبناء لفكرة زواجها، مع قبول فكرة زواج الأب، في حين يجد البعض أن الأم من حقها أن تعيش حياتها، خاصةً إذا كانت وحيدة والأبناء منشغلون في حياتهم.
«الرياض» تطرح الموضوع لمعرفة الآراء حول تأييد قرار الأم بالزواج أو رفضه، فكان هذا التحقيق:
في البداية قالت «البندري خليفة»: من الصعب جداًّ أتقبل فكرة زواج أمي برجل آخر غير والدي، فقد توفي وأمي مازالت في سن الثلاثين من عمرها، وكنا حينها صغاراً، وقد سخرت حياتها لتربيتنا، واليوم كبرنا وأصبح لكل واحد منا حياته الخاصة، إلا أننا نقدر لأمي تضحيتها من أجلنا وبقائها دون زواج حتى تربينا، موضحةً أن قبول زواج الأم أمر في غاية الصعوبة، فالمجتمع لن يرحم الأم والأبناء من السخرية والتعليقات في حالة زواجها، بل وربما اعتبرها الناس أنها امرأة غير سوية؛ لأنها تبحث عن إشباع غرائزها في هذا العمر دون حياء أو خجل، مشيرةً إلى أنه يصعب تقبل زواج الأم، خاصةً أنها هي الخيمة التي تُظلل على الأبناء وتحيط بهم وقت أزماتهم، ذاكرةً أن زواج الأب بعد وفاة الأم أو طلاقها لا يتساوى أبداً مع زواج الأم؛ نظراً لارتباط الأبناء بالأم أكثر من الأب.
ويتفق معها «اسحاق تركي» الذي يرفض أن تتزوج أمه برجل آخر غير والده، حيث توفي وهو في سن الثالثة عشرة من عمره، ولم تنجب أمه سواه من الأبناء، مضيفاً أنه في كل مرة يأتي أحد من أفراد أسرتها ليعرض عليها فكرة الزواج من خاطب فيغضب ويقاطعها، بل ولا يتحدث معها حتى يعلم أنها رفضت، موضحاً أنه يصعب عليه تقبل فكرة أن يمتلك رجل غريب أمه، كما أن زواجها يُعد أمراً نفسياً جارحاً، خاصةً للرجل، فالأم حينما تتزوج في سن الخمسين مثلاً ولديها ابن مقبل على الزواج، كيف سيحضر هو الحفل؟، مؤكداً على أن الأم التي تتزوج ولديها أبناء أو أحفاد، أم تبحث عن رغباتها بصرف النظر عن مصلحة وموقف أبنائها أمام المجتمع، وفي ذلك أنانية.
من حقها
وأوضحت «ابتسام عطا» أن المجتمع مازال ينظر إلى المرأة كما لو كانت أسيرة لدى الذكر، فحينما تكون ابنة عليها أن تقبل بكل ما يُخطط لها والدها، حتى وإن زوّجها وهي قاصر، وحينما تتزوج يتعامل معها زوجها كما لوكانت ضمن قائمة ممتلكاته الخاصة، وحينما تترقى إلى مرتبة أم يتعامل معها الأبناء كما لوكانت خادمتهم التي يجب أن تبدي فروض الولاء والطاعة حتى تموت، وحينما تتحول إلى جدّة أيضا عليها أن تثبت ولائها للأبناء بمراعاة أبنائهم، وكأنها سلسلة من المهام الكثيرة التي وضعها المجتمع بعقليته الجاهلة، لتتحول المرأة من كائن شرفه الإسلام بتلك المهام، لتصبح تحت سيطرة الذكر سواء كان أباً أو زوجاً أو ابناً أو حتى حفيداً، مضيفةً أن المرأة حتى إن كان لديها أحفاد، فإنه من حقها أن تتزوج وأن يقبل محيطها الاجتماعي بذلك القرار، بل ويرحب به، وأن ينظر إليها كما ينظر للرجل السبعيني حينما يتزوج من فتاة تبلغ من العمر (14) عاماً وكأنها حفيدته، أو حينما يبحث الأبناء عن زوجة مناسبة للأب بعد وفاة الأم، متسائلةً: «لماذا لا تعامل الأم بذات الإنسانية ويعطى لها الخيار في حق الحياة والانطلاق من جديد؟»، متمنيةً أن يتخلص الأبناء والمجتمع من أنانيتهم تجاه الأم، وفي حال اختارت الزواج، على الأبناء أن يباركوا تلك الخطوة، بل ويسهموا في التخطيط لحفلة زواجها، حتى إن كانت مصغرة، احتراماً وتقديراً لأمومتها وتضحياتها من أجلهم.
نظرة المجتمع
ورأى «د.صالح العقيل» – خبير اجتماعي – أنه من الأمور المسلم بها أنه لا يوجد هناك ما يمنع ويحرم زواج الأم مهما كان سنها أو وضعها الاجتماعي، فالإسلام منح الإنسان كامل حقوقه، إلاّ إن المعتقدات الاجتماعية هي المسيطرة، فكثيراً ما نرجع أمورنا لثقافة المجتمع التي للأسف ليست موافقة للإسلام في أحكامه، مضيفاً أن رفض زواج الأم جزء من ثقافة المجتمع التي ينتقدها، فالكثير من الأبناء يحرمون الأم من حقها في الزواج الثاني والاستمتاع بحياتها، في حين قد يجيزون ذلك للأب، بل ربما بادر الأبناء للبحث عن زوجة مناسبة له، حتى لا يبقى بمفرده، مشيراً إلى أن الأبناء ينشغلون بحياتهم الخاصة بعد زواجهم، فتبقى الأم بمفردها، ولكنهم أيضاً يرفضون ذلك الزواج، ذاكراً أن لذلك الرفض أسباب أهمها خوف الأبناء من الزواج، حيث يخشون أن يأتي رجل يسيطر على الأم، وربما سلبها حقوقها المادية التي ورثتها من أبيهم، أو ربما يخشون أن يتحكم في قراراتها وتعاملها معهم، فيرفضون ذلك الزواج، موضحاً أن من أهم أسباب الرفض خجل الأبناء من زواج الأم أمام الناس، فكل ما ينتقده المجتمع يُعد مخجلاً لهم، ففي السابق كان الأبناء يتحرجون من زواج الأب، والآن أصبحوا يحضرون حفل زفافه، مؤكداً على أن الوعي أسهم في حل تلك الإشكالية، لذلك تكرار حالات زواج الأمهات قد يسهم في خفض نسبة الرفض، مبينا أن هناك حالات من الأبناء بادروا بتزويج أمهاتهم، بل وباركوا لها تلك الخطوة، إلاّ أن ذلك بنسبة ضئيلة.
Leave a Reply