السؤال: كان لي صديق دخل الكلية العسكرية ثم تركها لأسباب، قيل إنها عين، وقيل سحر من أحد أقاربه، وكنت أذهب معه إلى شيخ يرقي بالقرآن. وفي إحدى المرات -وكانت آخر مرة أذهب معه إلى الشيخ- أحسست بحرارة داخلية وخوف وتصببت عرقاً، لم تمر علي هذه الحالة من قبل.
ومن هنا بدأت معاناتي! شككت في زوجتي أنها عملت لي عملاً، وشككت أنها عين، وأصبحت لا أغادر البيت، وأخاف خوفاً شديداً أن ترجع لي نفس الحالة، وإني راجعت شيخين وقالوا احتمال أنها عين. وأصبحت تأتيني حالة من الخوف، خاصة عند الحديث عن العين والسحر وعند الصلاة الجهرية، وعند حضور مناسبات عامة وعند السفر. وبعد فترة طويلة ذهب بعض هذا الخوف ولكن لا أزال الآن أعاني من عدم الثقة بنفسي وتأتيني حالات خوف وهلع.
فإذا كانت عيناً، ما العمل؟
وإذا كانت شيئاً نفسياً، ما العمل؟
وأنا أشك أنها عين!
ماذا أفعل وأنا لي عشرة سنوات أعاني من هذه المشكلة؟!
الإجابة:
إن السعادة والسكينة والطمأنينة، والهدوء والاستقرار النفسي، كلها عوامل لا تتأتى إلا عندما يشعر الواحد منا بتآلفٍ أسري، ودفءٍ عائلي، كما أن نجاح الفرد في إتمام مهامه، وإنجاز أعماله يرتبط ارتباطًا وثيقًا بجو الأسرة التي يحيا فيها، ويعيش بين أكنافها.
دعائم الأسرة السعيدة
إن طريق السعادة الأسرية يحتاج إلى دعائم ثلاث، تكفل لكل فردٍ من أفراد الأسرة أن يستشعر المحبة والطمأنينة والسكينة، وذلك كما يلي:
1- حسن العشرة: وهذه هي الدعامة الأولى في طريق السعادة الأسرية، وهذه الدعامة هي مهمة كلٍّ من الزوج والزوجة، بأن يبنيا بيتهما على المودة والرحمة، وجعل الله هذا البناء -بناء الأسرةـ من آياته في الكون، فقال: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم من الآية:21].
وهاك رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب لك المثل والقدوة؛ فعندما تتخافت أصوات بعض الناس عند ذكر أسماء نسائهم؛ نجد رسولنا الكريم يجاهر بحبه لزوجاته أمام الجميع، فعن عمرو بن العاص أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة»، فقلت: من الرجال؟ قال: «أبوها» (متفق عليه).
وإذا كان جو البيت المسلم يكتنفه المودة، ويغشاه الرحمة، فأعظم به من مكانٍ ترتع فيه السعادة، ويترعرع فيه النجاح!
ومن حسن العشرة الصفح الكامل، فحين يشعر الزوج أو الزوجة بالإحباط، فإنه يبدأ في مراجعة أوجه النقص في شريك الحياة، ويستشعر أنه لا يلبي احتياجاته وأن علاقته بشريك الحياة هي السبب فيما يحس به من مشاعر سلبية، فيكون التفكير “زوجتي لا تُمدني بالمساندة الكافية” أو “زوجي لا يستمع لي” ولأنك تحس بانخفاض معنوياتك فسوف تحس دائمًا أنك على صواب بشأن هذا الأمر، وسيكون بإمكانك أن تؤكد على صدق مشاعرك بالعديد من الأمثلة، وسيؤدي انخفاض المعنويات لديك إلى اللجوء إلى أي أمر لتجعله سببًا في معاناتك، وستُجهد نفسك في البحث في كل الأمور والأكثر من ذلك أن كل ما ستجده سيبدو لك منطقيًّا.
ومن حسن العشرة أيضًا أن يجعل الزوج زوجته تشعر بالأمان والطمأنينة في كنفه فإن الزوجة تحتاج أن تطمئن على قدرتك على حمايتها وتوفير الطمأنينة لها، حين تجد عند زوجها كنفًا قويًّا تسند رأسها عليه في لحظات ضعفها، إنها تريد أبًا لأبنائها يجيد فن الأبوة، ويجمع كل مميزاتها، فتتطلب فيه القوة لأنها وسيلة الحماية والكسب، كما تتطلب المال لأنه وسيلة الإنفاق، وقلَّما تطلب فيه الجمال، فالمرأة تحب أن تجد زوجها وراءها دائمًا يساندها ويحميها من أي موقف قد تتعرض له.
ويمكننا أن نخرج بهذه القاعدة الهامة: “الرجل يعطي المرأة الحماية والأمان، وهي تعطيه الحب والاهتمام“.
ولذا عليك أيها الزوج أن تفعل هذه الأمور، وهي:
- أ- تحمُّل المسئولية علامة الشخصية السوية والعكس طبعًا، فتحمَّل مسئولية النفقة على بيتك وزوجتك وأولادك.
- ب- احتسب ما تنفقه صدقة ليخلف الله عليك: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا» [متفق عليه]، وتذكر أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله؛ إلا أُجرت بها، حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك.
- ج- نفقتك تكون حسب سعتك؛ {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق من الآية:7]، فلا تستدين مثلاً لتنفق على أسرتك (سنة أول زواج، هيام محمد يوسف).
وهناك أمور يجب أن تضعها في اعتبارك أيها الزوج وهي أن المرأة تتحدث وتسمع لغة الارتباط والألفة والمشاعر، أما الرجل فإنه يتحدث لغة الاستقلال ونقل المعلومات والمعاني الحقيقية وهي لغة حرفية.
فعندما تقول المرأة: “أشعر أنك لا تنصت لي أبدًا”، إنها لا تقصد من كلمة “أبدًا” أن تؤخذ بشكل حرفي، وإنما تستعمل كلمة “أبدًا” للتعبير عن الإحباط الذي تشعر به في تلك اللحظة، ودرجة انزعاجها أو خيبة أملها في تلك اللحظة، إنها لا ينبغي أن تؤخذ كما لو أنها معلومات حقيقية (الرجال من المريخ والنساء من الزهرة: لـ جون جراي).
فترجمة الرجل الحرفية لتلك العبارة تؤدي لعدم تقديره لمشاعر المرأة؛ مما يؤدي إلى الشجار، فهو يعتبر نفسه قد أنصت إليها ما دام بإمكانه أن يعيد ما قالته مرة أخرى، أما الترجمة الفعلية لهذه العبارة فهي: “إنك لا تتفهم ما أعنيه بكلامي، ولا تهتم بمشاعري، وأحب أن تُظهِر لي أنك مهتم فعلاً بما أقوله” (حتى يبقى الحب: لـ محمد محمد بدري).
2- بر الوالدين: أما الدعامة الثانية، وهي بر الوالدين فإنها تقع على عاتق الأبناء، ولنا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم العبرة حين يقول محذرًا أمته من عقوق الوالدين: «رغم أنفُ، ثم رغم أنفُ، ثم رغم أنفُ»، قيل: من يا رسول الله؟ قال: «من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة» (رواه مسلم).
وهل يمكن لأي إنسانٍ أن يعيش حياةً هانئةً مستقرة، فيشعر بالسعادة، ويحقق النجاح؛ دون أن تكون دعوات أبوية له وقودًا في طريق حياته؟!
3- صلة الرحم: وهذه هي الدعامة الثالثة، وهي صلة الأرحام، وقد جعل الله لهذا الخلق فضائل جمة، فجعله مصدرًا لسعة الرزق؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يبسط الله له في رزقه، وينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه» (متفق عليه)، بل إن في صلة الأرحام تعميرًا للديار؛ فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلة الرحم، وحسن الجوار أو حسن الخلق، يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار» (حديث صحيح)، وماذا يحتاج الإنسان لنجاحه وسعادته بعدما كافأه الله بسعة الرزق، وتعمير الأرض؟!
ومن صلة الرحم أن يكون كِلا الزوجين حريصين على أن يصلا أهل كل منهما، وهنا نوجه كلامنا خاصة للزوجة، فكثيرًا ما نجد الزوجات يشتكين من عدم معرفة طريقة التعامل مع أُم الزوج، والحقيقة أن الموضوع مرتبط بما تبثه لنا وسائل الإعلام من صورة سلبية عن أُم الزوج أو الزوجة، وأنها امرأة تكون في كثير من الأحيان سببًا للمشاكل بين الزوج والزوجة، وأنها امرأة كما يُقال: تتدخل في كل صغيرة وكبيرة.
ولعلنا نتفق سويًّا أن هناك بعض الحموات ممن نجد فيهن بعض السلبيات، والتي قد تؤثر على السعادة الزوجية، ولكن ليست إلى هذه الدرجة التي تصوِّرها وسائل الإعلام، فليس هناك إنسان بريء من العيوب، وهناك وسائل ننصح بها الزوجة، ولعلها تجدي نفعًا في التعامل مع “الحماة”؛ وهي:
- انتبهي إلى مقومات فن اكتساب الآخرين، وفي مقدمتها نبل الشخصية وحسن الخلق.
- عاملي أُم زوجكِ بالحسنى وبتقوى الله، فتقوى الله تفتح للإنسان الأبواب المغلقة؛ يقول تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة من الآية:110].
- ولاستقرار حياتكِ الأسرية لا تنسي الفضيلة المنسية وهي فضيلة الصبر، وغالبًا ما يكون الصبر مقترنًا بالإيمان في كتاب الله، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]، فاصبري أيتها الزوجة على أُم زوجكِ لتنالي أعلى الدرجات؛ يقول تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر من الآية:10].
- كوني هادئة تصنعي المعجزات؛ والحقيقة إن العنف يولد العنف، والغضب يولد الغضب، أما الهدوء فإنه يطفئ الغضب كما يطفئ الماءُ النارَ، فكوني هادئة في تعاملكِ مع أُم زوجكِ، واستخدمي لباقتكِ وتكلمي بعبارات رزينة وودية؛ فهذا هو الطريق لكسب حبها ونيل إعجابها (كوكب السعادة: لـ هيام محمد يوسف).
نصائح للأزواج لحياة سعيدة:
- مع زوجتك وأبنائك: اجعل لك مع زوجتك وقتًا يوميًّا لقراءة القرآن، وتعلم العلم، فهذا يجعل بيتك مؤسَّسًا على طاعة الله، واجعل لك تنافسًا مع زوجتك في ميادين الخير والطاعات؛ كحفظ كتاب الله، أو دراسة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
- مع والديك: ابحث عن ألطف العبارات وأرق الكلمات وخاطب بها والديك، واجعل استقامتك ونجاحك أكبر هدية لوالديك، وقبِّل يد والديك ورأسهما كل صباح، وإن كان والداك قد توفاهما الله، فاعلم أن لبر الوالدين حتى بعد وفاتهما طرقًا منها قضاء الصيام، والتصدُّق، وصلة أرحامهما، وإكرام صديقهما، والدعاء لهما.
- مع عائلتك ورحمك: احرص على الاجتماعات الدورية بين أقاربك، سواء أكانت شهرية أو سنوية أو غير ذلك، وحاول أن تُنشئ صندوق القرابة، الذي تجمع فيه تبرعات الأقارب واشتراكاتهم، ويشرف عليه بعض أفراد الأسرة؛ لمساعدة المحتاجين منهم، وقم بعمل دليل الأقارب، وهو دليل خاص يحتوي على أرقام هواتف القرابة ثم يُطبع ويوزع على جميع الأقارب؛ فهذا الصنيع يعين على الصلة، ويذكر المرء بأقاربه إذا أراد السلام عليهم، أو دعوتهم للمناسبات والولائم.
Leave a Reply