أجزم وبشدة أن كل صفة من صفات “الزوجة الباحثة عن السعادة”، أو “الزوجة المثالية” في حياتها، هي صفات معلومة لدى الجميع، والحماس نحوها يتوقد من الجميع؛ لكنها تحتاج إلى شيء من الذكرى، والاستمرار.
ما آخر كلمة؟ الاستمرار! هذا هو السر!
إننا لا نريد أن تتصف كل زوجة بالصفات الواردة لأيام معدودة؛ بل نريد تأسيس قاعدة قوية لها في نفس الزوجة، تمدها بوقود الثبات والدوام على مر الأيام.
ولذا، وقبل البدء، هذه خمس قواعد أساسية، اغرسي كل صفة حسنة تودينها في تربتها، وأوليها العناية حتى ترسخ، وتستمر! فلنحفظها كأصابعنا الخمس:
القاعدة الأولى: “بركات الطاعة”
المعصية لها شؤم، وعاقبة المعاصي تعجل في الدنيا قبل الآخرة، والقلب البعيد عن الله، المنغمس في غفلته وضياعه، السادر خلف ملذات الدنيا ومراقبة الناس، لا يمكن أبدًا أن ينفع أو ينتفع؛ إنما يرين عليه من سواد المعاصي والضلال ما يحجب عنه الاطمئنان والراحة. كان السلف يقولون إن “آثار المعصية تظهر على أقرب شيء إلى المرء، في دابته وزوجته”. لا تحسبي الشؤم في معصية شرب الخمر والزنا أو كبائر الذنوب فحسب؛ بل من الشؤم البعد عن واحات الإيمان، إهمال القيام بالفرائض، فضلًا عن التزود بالنوافل، السباب والشتام ولو كان ذلك لأولادك، المراءاة وغيبة الزوج وشكواه وأسرته إلى أهلك، كثرة الشكاية من الواجبات على وجه التسخط دائمًا بلا صبر واحتساب، القيل والقال والغيرة والحسد، هجر القرآن وذكر الله، وغير ذلك كثير كثير.
إن للطاعة بركة، والصلة بالله تجعل قلبك عامرًا حيًا يقظًا، وتطرح البركة في وقتك وجهدك، تهبك القوة لأداء رسالتك في الحياة، تحنن عليك زوجك وتعينك في تربية صغارك.
الزَمْنَ الاستغفار دائمًا، واتهمن أنفسكن كلما تعسرت بكن الحياة، راجعن سجل الإيمان، وأكثرن الصدقة والبر والإحسان، كما وصى بذلك الحبيب صلى الله عليه وسلم.
القاعدة الثانية: “أعط لتأخذ”!
تأملن يا عزيزاتي في قوله تعالى “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُم أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”. إن الله تعالى قال “بينكم مودة ورحمة”، وهذه الآية العظيمة من آيات الله، وهي السعادة الزوجية، لا تتحقق إلا بكونها (بين طرف وآخر)، ولو كان أحدهما تعيسًا لتخبط الثاني لا شك في الشقاء مهما توفرت له أسباب السعادة؛ فكل واحد منهما مرآة صادقة لسعادة الآخر.
ومن هذه النقطة، نجد أن اتصاف الزوجة بالصفات الحسنة الرائعة، المثالية في عين الزوج، يؤتي أكله في قلب شريكها مودة واحترامًا؛ مما يظللهما جميعا بالسعادة “المتبادلة” العميقة.
يقول الأستاذ مجدي إبراهيم: “الزواج في حقيقته عبارة عن شركة بين رجل وامرأة من أجل بناء الجيل الصالح، الذي يعبد ربه ويبني الحياة ويعمرها؛ فأصل الزواج في الإسلام هو حلول المودة والألفة والإيثار بين اثنين، ومن أجل دوام العشرة بينهما جعل الله تعالى لكل من الرجل والمرأة حقوقًا لدى الآخر يجب عليه القيام بها”. (1)
إن امرءًا دخل الزواج باحثًا عن سعادته هو، وجلاء همومه هو، وتغيير حياته هو فحسب، دون أي مراعاة لمشاعر وحاجات وطبيعة الطرف الآخر، لن يجني شيئًا؛ إلا إذا جنى الفلاح ثمرًا وهو لم يزرع بذورًا. “أعط لتأخذ” هذه هي ببساطة معادلة السعادة الزوجية.
فقبل أن تتحسري متألمة على حالك مع زوجك، وانحسار المشاعر بينكما وبرودها؛ تلفتي حولك، وتحققي بصدق من عطائك نحوه، ومدى حرصك في سبيل سعادته.
القاعدة الثالثة: “إذا لم تجد ما تحب فحب ما تجد”!
أقرب مشجب يمكن أن يعلق عليه المرء تقصيره وتوانيه هو أنه لم يكن يتوقع الأمور كذلك، ولو كانت على ما يحب لرأيت من سعيه وإبداعه وحماسه عجبًا! هذا هو مشجب الفشل؛ إذ الناجح الحقيقي من يصنع من الصخور الكبيرة التي تعيقه مراقي يصعد عليها إلى القمة! فإذا كان الزواج في نظرك ليس الذي كنت تحلمين به، وطباع زوجك ليست تلك التي تودينها، وغير ذلك؛ فاستعيذي بالله من وساوسك هذه، واصنعي من الليمون اللاذع شرابًا حلوًا، ضخمي صفاته الجميلة في نفسك، اعزمي على تغيير صفاته السيئة إن وجدت، واستغرقي تمامًا في تجميل الصورة الشاحبة لهذا الزواج.
احذري، احذري أن تركني إلى الكسل والإهمال متعللة بهذا العذر السقيم، واعلمي أن الحياة السعيدة نحن الذين نسعى إليها ونرسم ألوانها، وليست هي التي تأتي! فركزي جهودك في بذل أقصى درجات السعادة والراحة وحسن التبعل لزوجك وأسرتك؛ فحقه عليك عظيم عظيم! فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها”. ولو استشعرت أن رضاه عنك سبب لدخولك جنة رب العالمين، تلك الجنة التي لو غمس فيها أشد الناس بلاء في الدنيا غمسة واحدة ثم سئل: أمر بك بلاء قط؟ فيقول: لا يا رب! لو استشعرت ذلك لشمرت عن ساعد الجد والصبر والاحتساب، وترفعت عن الوساوس ومفاتيح الشيطان التي تجعل أوهام الشقاء في قلبك حقيقة؛ في سبيل دخول الجنة، والهناء التام والسعادة الخالصة.
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة”.(2) اسأل الله أن نكون منهن.
القاعدة الرابعة: “ضعي أصابعك في أذنيك”
تقول إحدى الإخوات: أقولها بكل ثقة وسرور: أنا سعيدة مع زوجي، عفوا! بل نحن سعيدان معًا، وتمر بنا لحظات من البهجة لا نظن أن أزواجًا غيرنا يرشفون رحيقًا مثلها، وأعتقد حقًا أن سر هذه السعادة العظيمة والوفاق المبارك أني “أضع أصابعي في أذني”!، لا تعجبوا، فنحن النساء أعلم بما يدور في مجالسنا، من حديث المتشبعات بما لم يعطين؛ فهذه اشترى لها، وتلك سافر بها، وهذه قال لها، وتلك أعطاها، والكثير الكثير من الكلمات التي يضاف إليها من البهارات المتعفنة ما يكون سمًا زعافًا هادمًا للبيوت!
إن الواقع أجمل بكثير مما يحكينه، فأنا رغم سعادتي لا أنكر أننا نختلف أنا وزوجي لنعود أفضل مما كنا عليه، ولو استمعت إلى ما يقلنه النساء عمومًا، وركنت إليها وفكرت وقارنت؛ لاستوحشت وحزنت وأسفت، وتحسرت وتندمت، ولنسجت أكفان سعادتي بنفسي في النهاية”.
Leave a Reply