حتى يقول ولدك: “لا” للفساد!

يعاني كثير من الآباء والأمهات من بعض تصرفات أولادهم ذكورا وإناثا، ووقوعهم في بعض المناهي الشرعية، وعدم احترازهم من الفساد بمختلف صوره، ويتساءلون: لماذا تنجح بعض البيوت في إعطاء الحصانة بينما تفشل أخرى؟!

والسبب في ظني يعود – بعد توفيق الله – إلى نوعية ورقي التعامل مع الأولاد، في السن المبكرة على وجه التحديد.

من الأمور المهمة: إيجاد قناة اتصال مع الأولاد بصفة يومية، فحديثك معهم عن كل شيء في حياتهم يزرع في عقولهم ارتباطا قويا بك، ويجعلهم يفضون كثيرا بما يعانونه من مشكلات، سواء في المدرسة أو مع أصدقائهم، ولا يمكن أن يتحدثوا إليك ما لم تبدأ أنت بالكلام وتشعرهم بأهمية آرائهم وتطلب رأيهم.. ربما فيما يخصك من أمور، وتخبرهم أحيانا بما حصل لك في العمل، وتحكي لهم بعض المواقف التي مرت بك، وتكثر من الثناء على مواقفهم التي أحسنوا فيها.

وبناء الثقة في نفوس الأولاد، بإشعارهم بأهميتهم وأهمية آرائهم عندك، مقدمة لجعلهم يتقبلون ما تحثهم عليه من التزام بقيم عليا ومبادئ لا يمكن أن يتنازلوا عنها حتى ولو كانوا بعيدين عنك. وكذلك من خلال تعليمهم مواجهة المواقف الصعبة ووضعهم أحيانا، وبطريقة ذكية، أمام أحدها، وترك المجال لهم ليتصرفوا بطريقة عفوية ومراقبة تصرفهم، وبالتالي مكافأة المحسن، والتنبيه على المخطئ.. ربما في وقت آخر وبعيدا عن التعنيف، مع الحذر من الزجر واللهو أمام إخوانهم وزملائهم.

من الوسائل الفعالة كذلك: معرفة أصحابهم، والتعرف على آبائهم والحرص على ضمهم لدائرة معارفك.

وأمر آخر ذو علاقة هو: ما يقع فيه الكثير من الآباء والأمهات من الاستعجال في التوجيه المباشر عندما يكتشفون تصرفا خاطئا، وعدم التفكير في نتائج التوبيخ السريع على تصورات الولد، وعدم إدراكهم لأنه سوف يلجأ في المرات القادمة إلى الظهور بمظهر الطيب المطيع الذي يفعل أماهم ما يريدون ويرغبون، بينما هو مع زملائه شخصية أخرى مختلفة تماما!

ومن أسباب جعل الأولاد يقولون “لا” للفساد: كثرة سجودك وحسن عبادتك لربك وتضرعك بين يدي الله عز وجل أن يصلح أولادك ويجنبهم المزالق، وقد كان الأنبياء يدعون لذرياتهم.

ومن الأشياء المؤثرة على جعل الأبناء يقولون: “لا” للفساد، بطواعية، شعورهم الحقيقي بمحبتك لهم وحرصك عليهم، فتواجدك معهم دائما، وحرصك على مهاتفتهم يوميا إذا كنت مسافرا أو الاتصال بهم من مكان العمل للسؤال عنهم، أو أن تطلب منهم الاتصال بك من وقت لآخر إلى مكان العمل، والتصرف الحضاري معهم كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعمل مع الصغار والكبار، وتكرار شكرهم والتلطف عند طلب شيء منهم.. باستخدام كلمات مثل: “من فضلك” أو: “لو سمحت” أو “أرجو ألا أكون أزعجتك”، لها أثر بالغ في تمتين العلاقة بين الوالد وولده، حتى لو كانت هذه العبارات موجهة لطفل لا يتجاوز السادسة من عمره.

كذلك من الأمور المهمة: العناية بالرصيد العاطفي والعلمي لهم، فتحرص أثناء دخولك البيت على ضمهم وتقبيلهم، وأثناء الطعام على الكلام معهم عن المدرسة، وسؤالهم أسئلة محددة، مثل: “ماذا قال مدرس العلوم؟” وما شابه ذلك؟

وأيضا إشعار الأولاد بأنهم يستحقون الاحترام، وعدم وصفهم بالجهل والغباء، والبعد عن إذلالهم ومحاولة تصحيح أغلاطهم على انفراد، وتقديم الاعتذار لهم عند الخطأ معهم، وإخبارهم دائما أن هناك حدودا لا يمكن القبول بتجاوزها.. كل هذا يساعد كثيرا على بناء شخصية قوية تقول: “لا” للفساد، بكل شجاعة وبصيرة..

يقول ابن خلدون – في مقدمته، نقلا من وصية الرشيد لمعلم ولده -: “لا تمرنّ بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها، من غير أن تحزنه فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ، ويألفه، وقوّمه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة” اهـ.

ومن الأمور التي ينبغي أن يحذر منها الآباء: الأخذ بمبدأ: إقناع الطفل بالأمر؛ فإذا اقتنع فطيب، وإذا لم يقتنع تركوه على ما يريد! وهذا من الطرق التربوية الغريبة التي ثبت فشلها في الواقع. والإقناع مهم، ولكن إذا لم تنفع الوسائل المختلفة فلا بد من اتباع وسائل أخرى حتى تستقيم طباع الولد..

المشكلة في نظري هي عندما يقول الأب أو الأم أو كلاهما: “نعم” للفساد!!..

أليس كذلك؟!

المصدر

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*