خلَق الله عز وجل آياتٍ في السماوات والأرض، وأنزَل آياتٍ في كُتبه على رُسله، جميعها يدلُّ على الله؛ يبيِّن بها الحقَّ ويهدي بها إلى صراط مستقيم: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت: 53].
والآية في العربية هي العلامة، فلمَّا كان لله سبيلٌ (طريق) يؤدي إليه، جعل عليه علاماتٍ يخرج بها الناس من ظلمات الطرق غير المؤدية إليه إلى نورِ طريقه، ويَصرِفهم عما يُضِلُّهم أو يَحرِفهم عنه؛ أليس الله قد علَّم عباده كيف يُمهدون الطرق، وكيف يهتدون إليها، وكيف ينتفعون بعلامات في السماوات (النجوم) والأرض (كالجبال والأنهار): ﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [النحل: 15، 16]، ثم هداهم إلى إشارات يضعونها على الطرق التي اعتاد الناس المرورَ بها، فعلِمنا أن العلامات هي مما يَحفظ العبد على الطريق من الضلال والتيه؟! قال الله: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 20، 21].
وكذلك: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].
فمن تلك العلامات الدالة على الله وعلى صفاته، ويهدي بها إلى صراطه سبحانه وتعالى – أن خلَق لنا من أنفسنا أزواجًا، فهذه آية دالة على أن الله ليس كمثله شيء، وآية ناطقة بتسبيحه سبحانه وتعالى (تنزيهه عن النقائص)، فماذا لو كان مَن على الأرض صِنفًا واحدًا – لا ذكر فيه ولا أنثى – غير متكاثر؟! أليس قد يَنسى الناس نقصَهم؟
فتطوُّر الناس أطوارًا مِن النُّطفة حتى الشيخوخة، ثم الوفاة – دليلٌ على عجز ونقص ورجوع إلى الله وحياة آخرة!
وهذا الطفل يخرج من صِنفين الذكر والأنثى، فذلك دليلٌ قاطع على نقص في البشر، وتَذكرة لهم؛ لكيلا يَغترُّوا بما وهبَهم الله من قدرات وإمكانات.
بعضهم يدَّعي أنه إلهٌ برغم كل هذا العوز وتلك النقائص في نفسه، فكيف بتلك الأنفس المعلولة لو كانت صنفًا واحدًا لم يجعل الله فيه بعضَ تلك النقائص؛ كالوحشة والحاجة إلى الزوج مثلًا؟! والله أعلمُ بما خلق، فعَّال لما يريد، وهو أحكمُ الحاكمين.
وأما قول الله: ﴿ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ﴾، ففيه التنزيه البيِّنُ لله عز وجل، فجزء منه في الأزواج والتكاثر الذي لا يحدث إلا بهذا التزاوج، (إلا ما قدَّر الله من آيات عرَّفها لنا كآدم وعيسى)، والعلامة الثانية في قوله: ﴿ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾.
فالزوج يكون من الصِّنف ذاته، وهذا دليلٌ على أن البشر مخلوقون وهم صنفٌ متكاثر، أما الإله فواحد وليس بصِنف (سبحانه وتعالى)، فنفسه واحدة لا مثيلَ لها، وليس غيرها.
فأنتم أيها الناس أزواجُكم منكم مِن صِنفكم، فكيف تظنون بالله غير الحق، وتدَّعون له زوجةً من أنفسكم أنتم، فمَن أنتم لِتَظنُّوا هذه النقيصة في الرب سبحانه وتعالى!
وكذلك المودة والرحمة بين الأزواج، فهي احتياج ينعَم به البشر، وليس بالله عوز سبحانه وتعالى، فهو الأول والآخر، بديع السماوات والأرض، فلم تكن له صاحبة أبدًا، ألم يكن الأول، ثم أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا؟!
أما آدم فقد خلَقه الله، وخلَق له حوَّاءَ لحاجته إلى الأُنس، وغيرها من حاجات في البشر تكتمل بالأزواج وتُشبَع!
والسورة ملأى بالآيات والعلامات التي تحفَظ الناس مستقيمين على صراط العزيز الحميد، وتَصرِفهم عن الشُّبهات والضلالات، وانحرافات يلوح لهم الشيطان بها.
فكلما قال الرب “آية”، فلنعلمْ أن ها هنا نورًا يسطَع، يَحمي القلب من شُبهة، أو يَصرِفه عن ضلالةٍ، أو يزيد به اليقينُ، أو يحصُل به الإحسانُ الذي هو: “أن تعبُدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”.
هذا والله أعلمُ، وأقول قولي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكُم.
__________________________
رابط الموضوع: https://cutt.ly/9DeFAxb
__________________________
بواسطة : أم عبدالرحمن الديب
Leave a Reply