هذا المقال نشره الدكتور ميسرة طاهر في جريدة عكاظ، وهو مختص في المشاكل الزوجية والأسرية، وذو مقالات رائعة وأفكار ممتازة في شتى مجالات التربية.
يقول:
“لم يكن مرتاحا إطلاقًا؛ فقد كانت تفوح رائحة الحزن والغضب من كل جزء في كيانه مما تفعله به زوجته، وتكَـرَّرَ كثيرًا قولُه: والله يا دكتور لم أقصر معها إطلاقًا؛ فكثيرة هي الهدايا التي قدمتها لها، وكثيرة هي مرات الخروج معها لغداء أو عشاء، وكريم دائمًا أنا مع أهلها؛ ولكنها نجحت في دفعي لكراهية الزواج وكراهية معشر النساء عمومًا من كثرة أذاها لي؛ فأنا لم أعد أطيق الحياة معها، فهي في معظم الأوقات غير راضية، عنيدة، تهجرني ولا تكلمي بالأيام الطوال؛ فهل يتوجب علي الاحتفاظ بها مع كل هذه المرارة التي أتجرعها من جراء العيش معها؟”.
ثم سكتَ، فانتهزت الفرصة للتدخل بسؤال فغر فاه حين سمعه، قلت: دعنا من هذا قليلا، ما نوع العصير الذي ترغب فيه: البرتقال أم عصير الفراولة؟
قال: لا أريد أن أشرب شيئًا؛ فما تجرعته من مرارة العيش مع هذه المرأة يكفيني.
قلت: أنا جاد في سؤالي، أي النوعين تفضل؟
قال: إن كنت مصرًا فعصير البرتقال.
قلت: هل تفضل أن تشربه بكأس من الزجاج أم من البلاستيك أم بإناء من المعدن؟
قال: بل في كأس من الزجاج.
قلت: هل تريدها كأسا نظيفة أم لا بأس لو كانت آثار بصمات الأصابع عليها؟
قال: بل كأسا نظيفة ولا آثار للأصابع عليها.
قلت: هل تفضلها على صينية من البلاستيك أم من المعدن؟
قال: بل على صينية من المعدن
قلت: هل تمانع لو كان بها بعض الصدأ؟
قال: لا، بل أريدها صينية معدنية سليمة من الصدأ.
قلت: هل تفضلها فضية أم ذهبية أم خليطا من الاثنين؟
قال: بل فضية اللون.
قلت: هل تفضل أن تشرب كأس العصير في غرفة مكيفة أم في غرفة حارة؟
قال: بل في غرفة مكيفة طبعا.
قلت: هل يسرك أن تكون للغرفة نافذة ذات إطلالة جميلة أم غرفة بلا نوافذ؟
قال: بل غرفة بنوافذ مطلة على منظر جميل.
قلت: هل تفضل أن تتناول عصيرك وأنت جالس على كرسي مريح أم واقف؟
قال: بل على كرسي مريح.
قلت: هذا ما تريده أنت كي تشرب كأس العصير؟!
قال: نعم.
قلت: لو أني قدمت لك بدل البرتقال الفراولة، باعتبار أن البرتقال متاح في كل وقت أما الفراولة الطازجة فلها مواسم وهذا موسمها، وفي كأس من الزجاج عليها آثار بصمات الأصابع؛ باعتبار أن البصمات من الخارج ولا دخل لها بما في الكأس من عصير، وعلى صينية من البلاستيك باعتبار أن الصينية هي الأخرى لا علاقة لها بالعصير، وفي غرفة حارة لأن التكييف مؤذ للصحة، ولم أضع لك كرسيًا في تلك الغرفة حتى لا يضيع وقتك؛ باعتبار أن الوقت من ذهب إن لم تقطعه قطعك، وفي غرفة بلا نوافذ؛ لأن كثرة النوافذ تشتت انتباهك، لو أني قدمت لك كل هذا بطريقتي وبما يرضيني أنا وليس بالطريقة التي ترضيك أنت، هل كنت ستكون سعيدًا بذلك؟
قال: طبعًا لا.
قلت: أخشى أنك تقدم الكثير لزوجتك ولكن بطريقة ترضيك، وليس بالطريقة التي ترضيها، وأخشى أيضًا أنك تريدها أن تكون كما تريد أنت، ولا شك أن المصيبة ستكون كبيرة لو أنها كانت تسلك معك المسلك نفسه؛ عندها ستسير أنت وهي باتجاهين متعاكسين، وهيهات أن تلتقيا.
عندها أسند ظهره إلى الكرسي وحمل رأسه بين يديه؛ كأن ما سمعه قد أثقله، وأطرق طويلًا ثم رفع رأسه ليقول: “ربما فعلًا هذا ما يحدث بيني وبينها!”.
قلتُ: هذا يحصل في كثير من العلاقات الزوجية وغير الزوجية أيضًا، ويكون سبب سوء التفاهم بين الأصدقاء والزملاء والأحباب، والسعيد من اتَّعظ بغيره!
Leave a Reply