من الطبيعي أن أيّ توافق بين شخص وآخر في العمر والثقافة والظروف الاجتماعية والبيئية يحقق نسبة كبيرة من نجاح العلاقة والتواصل بينهما؛ لأن مثل هذا التوافق يخلق بين الطرفين نوعًا من الألفة الروحية والفكرية والعاطفية والاجتماعية.
وهذا لا يتحقق بشكل طبيعي وعاديّ في حالة اختلاف هذه العناصر بينهما؛ لأن الإنسان عندما يعيش مع شخص آخر يشبهه من حيث الأجواء والموقع والانتماء لا يشعر بالغربة، ولا يحس أنه فقد شيئًا من مزاجه، أو شيئًا من حياته الاجتماعية، أو شيئًا من أوضاعه الخاصة والعامة. وقد جاء في بعض كلمات الشعراء: «كلُّ شكلٍ لشكله ألِفُ».
ولكن، عندما ندرس عمق المسألة في التفاصيل، فإننا نجد أن ذلك لا يمثل خطًا عامًا يوصل إلى تناغم العلاقة على الدوام؛ لأن الإنسان الذي يحتاج إلى التنوع -حتى لا يشعر بالغربة- قد يحس بالحاجة إلى شخص آخر مخالف نسبيا لما هو عليه؛ من أجل أن ينفتح على أفق جديد لا يملكه في واقعه الحالي المعتاد عليه, خاصة في الحياة الزوجية التي تطول عن أي علاقة أخرى. فمع القليل من الاختلاف والتنوع، بل والمنافسة أحيانًا، تكتسب الحياة الزوجية المزيد من التجدد والحيوية؛ لكن الخطير في هذا الموضوع أن يزيد الأمر على حده فينقلب إلى ضده.
فمما لا شك فيه أن هناك تنافسًا مستمرًا بين المرأة والرجل في الحياة الزوجية؛ فالحياة الزوجية ليست كلها تعاون وتواصل إيجابي وحبّ وألفة، بل هناك تنافس أيضًا. وأشكال التنافس تأخذ صورًا ظاهرة واضحة أو خفية غير مباشرة، وذلك وفقًا لشخصية الزوجين وظروفهما؛ ففي العلاقة الزوجية التقليدية -حيث يعمل الرجل خارج المنزل وتعمل المرأة داخله- يأخذ التنافس أشكالًا تختلف عنها في العلاقات الزوجية الأخرى حينما يعمل الطرفان خارج المنزل.
ومن أمثلة التنافس في العلاقات التقليدية: الخلاف حول الطبخ والطعام وجودته وإتقانه؛ حيث تتفنن الزوجة في ألوان الطعام المختلفة لإبهار الزوج بقدراتها، كما أنها في ذات الوقت تنزعج كثيرًا إذا تدخّل الزوج في أمور المطبخ وإعداد الطعام. وهذا التدخل تراه الزوجة نوعًا من التنافس والمنافسة، وقد تنشأ خلافات شديدة وحادة نتيجة لذلك.
والرجل عندما يعطي رأيه أو يتدخل عمومًا في مجال الزوجة فإنها تعتبر ذلك تقليلًا من شأنها، وتنزعج، وربما تقاوم بتصرفات يمكن أن تكون مرضية ومبالغًا فيها أحيانًا؛ ما يساهم في نشوء المشكلات الزوجية أو تفاقمها.
وببساطة، فإن شؤون المطبخ تمثل قيمة خاصة للزوجة تدافع عنها وتنافس الرجل فيها وتعلن تفوقها ورضاها. وكذلك الرجل يدافع عن قوته في مجالاته وميادينه (شؤون العمل أو الإدارة مثلًا)، وأيّ تدخل للمرأة في ذلك يمكن للرجل أن يعتبره تنافسًا وتدخلًا؛ ولذلك فهو يقاوم بشدة ويحاول التفوق على منافسه وغلبته وتحطيمه في بعض الأحيان.
أما إذا كانت الزوجة عاملة فقد يأخذ التنافس موضوعات أخرى؛ مثل: التحصيل العلمي أو المادي أو المهني أو التفوق في الثقافة والمعرفة العامة أو التخصصية وغير ذلك.
ومما لا شك فيه أن التنافس عمومًا يمثل حافزًا إيجابيًا ويساهم في الإبداع والإنتاج والتحصيل. وهناك التنافس المقبول الإيجابي، ولكن هناك التنافس المدمر السلبي، والصراع الذي يمكن أن يكون عامل هدم في العلاقات الإنسانية عمومًا، وفي العلاقات الزوجية خصوصًا.
ولا بد من القول إن العصر الحاضر وقيمه التي تشجع على الفردية والأنانية وتقديس الذات لها دورها في زيادة حدة التنافس وإشعاله بين الأزواج، ومن ثم ازدياد الاختلاف والصراع. ولا يعني ذلك أن التنافس لم يكن موجودًا قديمًا؛ ولكن ربما كان بدرجات أقل أو أشكال مختلفة.
Leave a Reply