«المرأة الرجولية» ورطة زوجية

إنها حالة فريدة من النساء ونمط غريب من الزوجات في دورٍ مقلوبٍ وأحاسيس معكوسة وصلابة في غير موضعها، وهي في حقيقتها نوع من الأزمات الزوجية الدفينة التي لا يبوح بمرارتها الزوج المسكين وتتأوه نفسه بالحسرات على غياب الدفء العاطفي

“المرأة الرجولية” تختلف تماماً عن المرأة المسترجلة، فالفارق بينهما بعيدٌ والاختلاف مديد، فالمرأة المسترجلة امرأة تتكلف الرجولة وتعاند فطرتها سواءً بالملبس أو سائر التصرفات الذكورية المصطنعة، فهي معنية بتحوير ظاهرها بالدرجة الأولى وتمثيل دور الرجولة رغماً عن أنوثتها الدفينة.

أما “المرأة الرجولية” فهي على العكس تماماً، إنها أنثى الظاهر بالدرجة الأولى لكن جبلتها الباطنة أقرب للرجولة منها للأنوثة، وهي لا تتكلف تلك الطباع الخشنة التي تتسم بها، بل إنها سليقةٌ في كينونة شخصيتها التي تتشابه إلى حد كبير بشخصية الرجال.

فظاهر “المرأة الرجولية” يفيض أنوثة، فهي ليست بالضرورة تمتلك ملامح رجولية، بل بالعكس تتفاوت في الجمال الأنثوي كتفاوت سائر النساء، بل قد تكون باهرة الجمال فائقة الرونق بهية الطلعة وضيئة البشرة ممشوقة القوام، لكن مع طول العشرة تتكشف المواقف والتصرفات عن طبيعة ذكورية غريبة قد تكره بسببها الجمال والجميلات!

ومن هذا المنطلق فلا يمكن الاستدلال على المرأة الرجولية إلا بالمعاملة وامتداد العشرة، وبالتالي فالزوج هو المصطلي الأول بنار هذا النوع الخشن من النساء.

وأخص ما تتسم المرأة الرجولية هي “الإعاقة العاطفية” فهي لا تمتلك المشاعر الرقيقة ولا العواطف الجياشة التي تتسم بها كافة النساء، لذلك فهي ابتداء لا تندفع نحو الزواج بوازع من رغبتها في سكن الحياة الزوجية ومودتها ورحمتها، بل الزواج عندها مرحلةٌ اجتماعيةٌ ومحطةٌ عمرية ينبغي أن تحل بها، وعلى أسوأ التقدير هو نوعاً من الاقتران الاجتماعي أفضل من وحدة العنوسة ونظرات المجتمع التي لا ترحم.

إن الزواج عند “المرأة الرجولية” عادةٌ اجتماعية بحته لا علاقة لها بالعاطفة لا من قريب ولا من بعيد، وعلى ذلك فهي تتململ من أبيات شعر كتبها الزوج المحب في مغازلتها، وتنظر لهديته على أنها نوعٌ من المكسب المادي لا تعبيراً عن حبه وأحاسيسه، والطامة الكبرى لو كان الزوج رومانسياً في مشاعره لأنها ترى كل تعبير عن عواطفه نوعاً من المراهقة السلوكية والحماقات العاطفية التي من المفروض أنههما كبرا عليها ولا تليق بهما.

و”المرأة الرجولية” في بيتها لا تتذوق الجمال ولا تستشعر لغة الألوان، فلا تهتم باللمسات الديكورية البسيطة في أركان بيتها والتي تحوله إلى جنة غناء، بل الجمال عندها في كل ما غلا ثمنه من قطع الأثاث والمفروشات، لذلك فهي ليست معنية بباقة ورد تزرعها في شرفة غرفتها، ولا تتحرك همتها كل فترة لتغيير ترتيب الأثاث ليضفي على البيت نوعاً من التغيير المريح الكاسر لملل المظهر الروتيني الذي تعودت عليه العين صباح مساء، فهي أقرب ما تكون بعاملة النظافة التي تهتم بالقضاء على الوسخ وترتيب المبعثر لا أكثر ولا أقل.

أما لغة التزين فهي لغة لوغاريتمية صعبة لا تفقهها ولا تريد أن تفك طلاسمها، فأقصى الزينة عندها هي النظافة الشخصية، وهي غير معنية على الإطلاق بالتفنن في اختيار ملابسها على أساس ما يحبه الزوج وما لا يحبه، ولا تكلف نفسها في رحلة التسوق أن تعرج على محل عطور لتشتري عطر أخاذ ينعش بيتها ويبهج زوجها، وصندوق المكياج لديها لا يفتح إلا في المناسبات العائلية عند حضور عرس أو مناسبة عائلية سارة.

والمرأة الرجولية جريئة مقدامة لا تهاب المواقف الصعبة ولا تذرف الدمع إلا في النادر جداً، ففي المطبخ قد تذبح الطيور بكل شجاعة ولا تخاف من منظر الدم أو هيئة الذبح، وتتعامل مع جروحها بنوع من الثبات عكس سائر النساء، تغسل الموتى، وتتبوأ المناصب الصعبة في وظيفتها، وتختار من التخصصات المهنية ما يتردد فيه أعتى الرجال.

أما حديثها فيتسم بالحدة والصرامة، وحواراتها خشنة تعطيك إحساس أنك تحاور قائد حربي تربى على الجدية، حتى أطروحاتها ومقترحاتها تتسم بالحزم وربما الشدة والعنف أحيانا لا كما هو معهود عند سائر النساء من تغليب لغة العاطفة على لغة العقل.

والمرأة الرجولية قوية الشخصية مولعةٌ بالقيادة بدرجةٍ كبيرة، فكل تصرفاتها لا تذعن للزوج برأي ولا قرار، فهي التي تقرر وتأخذ زمام المبادرة في كل موقف، وأمام عنفوان تصرفاتها واندفاعها تذوب شخصية الزوج .. إنها -مثلا- تتعامل مع مشاغبة أطفالها بالردع المؤلم لا بالصراخ والتهديد بعقوبة الأب عند عودته كعادة الأمهات، وتتصدر لمشاكل أبنائها بنفسها سواءً في المدرسة والنادي وسائر المجالات، وتتقمص دور كبير العائلة المعني بحل مشاكل الأخ والأخت والخال والعم.

إن مشكلة المرأة الرجولية أنها امرأة فقدت أنوثتها لكن في الوقت ذاته هي غير متحسرةٍ على هذا الفقد وبالتالي فهي لا تحاول استعادتها ولا ترميمها، وتلك النوع من الزوجات “ورطة زوجية” بكل ما تعنيه الكلمة، خصوصاً إذا ارتبطت بزوجٍ قياديٍ أو قوي الشخصية فهنا تتصارع الأدوار ولا يجد الزوج في زوجته السكن الذي ينشده ولا الطاعة التي يبتغيها ولا دفء العلاقة الزوجية التي كان يحلم بها في شريكة العمر، وهذا النوع من الصراع غالبا ما ينتهي بالانفصال أو العيش على مضض، وحينها تتنكد حياة الزوج المسكين الذي يحسب ألف حساب لبيت سيهدم وأطفال أبرياء ستدفع الثمن، فيدخل بتضحيته في الاستمرار معها إلى حالةٍ من “السكون الزواجي” وتمر أيامه وما شعر بالسعادة الزوجية التي يتحدث عنها البعض.

لكن “المرأة الرجولية” ليست كلها مساوئ بل يظهر دورها الإيجابي عند غياب الزوج بسفر أو فقده بموت أو انفصال، هنا تبرز “المرأة الرجولية”  كشخصية المرحلة، وبجسارتها في مواجهة المواقف تستطيع أن تقود الأسرة ببراعةٍ منقطعة النظير حيث تتقن مسؤولية الأب والأم في نفس الوقت، وتشعر جميع أفراد الأسرة أنه لا يوجد أي نقص أو فجوة من غياب الأب.

إنها حالة فريدة من النساء ونمط غريب من الزوجات في دورٍ مقلوبٍ وأحاسيس معكوسة وصلابة في غير موضعها، وهي في حقيقتها نوع من الأزمات الزوجية الدفينة التي لا يبوح بمرارتها الزوج المسكين وتتأوه نفسه بالحسرات على غياب الدفء العاطفي وإلى الله المشتكى.

المصدر

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*