الزواج لم يعد «قسمة ونصيب».. مشروع اختيار عن قناعة!

الأشياء الجميلة في الحياة تحتاج منا أن نصدقها ونسمع أصواتها

د.الغامدي: «قانون الجذب» يحقق أحلام اللحظات الأخيرة

 

فتح “خالد” باب غرفته التي كان يشغلها في بيت أسرته قبل أن يتزوج، ليجد كل شيء بها صامتاً في مكانه لم يتغير، فيما احتفظ اللوح الأسود المعلق قريباً من النافذة ببعض الكلمات التي كتبها قبل سنوات، اقترب خالد من اللوح، وأخذ يقرأ بصمت شديد بعض العبارات التي كتبها على اللوح قبل ثلاث سنوات، قرأ “سأتزوج من مشاعل”، وسأعيش بمشيئة الله معها حياة مميزة، ابتسم خالد فمازال يذكر تلك السنوات الصعبة التي عاشها قبل زواجه من “مشاعل” الفتاة التي أحب أن يتزوجها، ووضع يده على تلك الأمنية كمن يمسح على قلبه بعطف، ثم حمد الله، وأمسك بقلمه الذي اعتاد أن يكتب به على ذلك اللوح، ثم كتب سأصبح مدير الشركة التي أعمل فيها اليوم منسق معلومات.. وضع القلم، واستدار إلى جهة باب الغرفة مغادراً ثم عاد ونظر إلى اللوح والأمنية التي كتبها، وتعالت ضحكاته الواثقة وخرج!

الفتاة الوحيدة

لا تعتقد أنّ “خالد” يتعامل بالسحر والشعوذة، فخالد الرجل القادر على تحويل أمنياته الصعبة في الحياة إلى حقيقة إنما يأتي من ثقته بالله، وإيمانه أنّ الأشياء الجميلة في الحياة تحتاج منا أن نصدقها ونسمع أصواتها بدواخلنا، فخالد علّق لوحاً أسود واعتاد أن يكتب عليه ما يفرحه وما يحزنه، لكنه اعتاد كتابة الأماني الصعبة التي يتمناها كمن يجرب أن يكتبها بداخله حتى يصدقها، فلم يكن أحداً ليصدق أنّ خالداً سيظفر بالفتاة التي رغب بالزواج منها؛ لأنها الفتاة الوحيدة التي كان من الصعب أن تتحول لزوجته؛ بسبب الظروف القبلية، وكان الجميع يقول له ليست من نصيبك وقسمتك، وهذه ليست حكاية مسلسل، لكنها قصة إيمان بما نتصوره ونراه في حياتنا، فمن منا لديه القدرة على تحويل أحلامه إلى واقع، ومن يؤمن بأن الزواج ليس قسمة ونصيب بل هو مشروع يخطط له الإنسان، ويقدره الله.

تباينت الآراء حول موضوع “الزواج” فالبعض وجد أن الزواج واختيار الشريك في الحياة قسمة ونصيب لاحيلة ولا قرار للإنسان فيه، في حين وجد البعض أنّ الزواج قراراً خطير يأتي باختيار الإنسان وما يتصوره المرء بداخله عن شكل الحياة التي يريد العيش فيها، وبأن الله يقدر للإنسان مايسعى إليه.

الزواج من وزير

وأشارت “أم رنيم” يقدر الله لكل إنسان زوجه الذي سيشاركه في الحياة، إلاّ أنه يعطي كل مرء بحسب مايتصوره عن حياته، فحينما يرسم الرجل مثلاً حياته الزوجية في إطار زوجة متعلمة ومختلفة تقاسمه الحياة بكل تفاصيلها بطريقته فإنه متى ماقرر ذلك وأصر عليه فإنه يتحقق، وكذلك المرأة حينما تضع في رأسها نموذج الرجل الذي تحب أن تتزوج به فإن تصوراتها تتحقق وكأن هناك ارتباطا بين مانعتقد به في الحياة وبين مايحدث لنا، مستشهدة بقصة الفتاة التي حضرت محاضرة لباحث في الأمور النفسية والذات، والتي أكد فيها أن الزواج ليس قسمة ونصيباً وبأن الإنسان يحدث له مايؤمن به وما يعتقد بأنه سيحصل عليه في الحياة مهما بدا مستحيلاً، وحينما سمعت تلك الفتاة تلك الملاحظات دهشت كثيراً، وبدأ التغيير في حياتها وخرجت وهي تقرر أن تتزوج (وزيراً) وبعد سنة تفاجأ الجميع بأنها تزوجت وزيراً حقا، موضحة أن ذلك يدل على أن مانؤمن فيه في الحياة إيماناً حقيقياً ونسعى إليه فإنه بمشيئة الله يتحقق، فالإنسان بحسب طريقة تفكيره وذلك مايبرر وجود التراجع في حياة أناس يعتقدون بأنه لاحظ لهم، وفعلا تقل فرصهم في الحياة لأن ماتؤمن به يحدث حقيقة.

الظروف الاجتماعية

واتفق معها “عبد الله المخدم” الذي يرى أنّ الزواج -بعد مشيئة الله- مشروع من اختيار الإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة، وبأنّ مقولة قسمة ونصيب من المقولات التي نعلق عليها الأخطاء في الاختيار، فحينما يقرر الرجل أن يتزوج بامرأة بصفات معينة على مستوى الشكل وكذلك الخلق فإن مايتصوره يحدث له، إلاّ إذا قدم تنازلات فيما بعد في ذلك التصور، فالرجل الذي يردد أريد زوجة استثنائية، أريد زوجة استثنائية فإنه –حتماً– يحصل على تلك الزوجة الاستثنائية في ظل الظروف الاجتماعية الحالية التي من الصعب فيها الاختيار والاحتكاك، مضيفاً: ولكن من يحدد أهدافه في شريك الحياة سيحصل عليها بصرف النظر عن الفترة التي يقضيها في البحث والانتظار، مستشهداً بحكاية صديقه الذي بقي يردد عليهم في العمل وفي الجلسات الشبابية حينما يسأل متى ستتزوج، فإنه يرد زوجتي الأوروبية لم تأت بعد، وقد كان الجميع يضحك عليه وربما سخر البعض منه وقال له: حدودك لدى بنت الجيران، فمن الأوروبية التي ستقبل بك، فكان يبستم ويقول لن أتزوج إلا من فتاة أوروبية مثقفة، ومختلفة وسترون، وقد تفاجأ الجميع بعد سنتين بأنّ هذا الصديق يدعونا إلى زواجه من امرأة من أوروبا بحسب ماوصفها وتخيلها، على الرغم من أنه لم يسافر لأوربا إطلاقاً، وذلك يدل بأن ماتتصوره وتتوقعه عن حياتك يحدث حقيقة.

رسمت حلمها فتحقق

وتتفق معها “كادية عبد العزيز” التي كانت أكدت بعد طلاقها على أنها لن تتزوج من رجل لديه زوجة، بل ستتزوج من رجل لم يسبق له الزواج ومتعلم بشكل حقيقي، وذا منصب ومن أسرة عريقة، فكان الجميع يبدي لها السخرية والدهشة من حديثها، بل ربما علقت الأم من يقبل بمطلقة حتى إن كانت مطلع الشمس مستنبطة تلك الخلفية من ثقافة المجتمع التي يعتبر “المطلقة سقط متاع” فكانت تقابل تلك التعليقات بابتسامة وصمت حتى مرت الأيام، وقررت أن تطور نفسها فالتحقت بعمل يتناسب مع تخصصها في إحدى الشركات ثم دخلت في دورات مستمرة، مشيرة إلى أنها قررت إكمال تعليمها فالتحقت بإحدى الجامعات لتحصل على شهادة الماجستير وتشاء الأقدار بعد طلاقها بخمس سنوات، أن يتقدم لها دكتور يعمل في ذات الجامعة لم يسبق له الزواج وعلى قدر كبير من الوسامة ومن أسرة كريمة لتتزوج بذلك الرجل الذي رسمته في تصورها ، فتحقق لها ماحلمت به لتنتقل معه في بيته الفخم في حي راقٍ، ولتقرر إكمال رسالة الدكتورة ثم يرزقها – الله – بطفلين جميلين فتغيرت حياتها من منطلق تصوراتها ، أمام دهشة البعض وغيرة الآخرين.

الأفكار لا تكفي

وأكد “د.حاتم سعيد الغامدي” -الاستشاري النفسي ومدير مركز الراشدة بجدة- على أنّ هناك من الناحية النفسية مايسمى بقانون الجذب، والذي يتمثل فيما يشعر به الإنسان فإذا شعر المرء بأنه ستصيبه تعاسة في الحياة فأنها ستحصل له، فالظن هنا إذا شعرنا به فنحن بعدنا عن قضية تعليق الأمور بالقدر فالإيمان بالقدر موجود لدينا لكنه لن ينزل بنا إلا بناء على معرفة الله –سبحانه وتعالى – بنا وبما سنقوم بفعله، فالضرر الذي يصيب الإنسان من نفسه والله لايأتي إلا بالخير، موضحاً أن قانون الجذب قانون معروف في علم النفس وحقيقي والدليل على ذلك بأنه في الكثير من اللحظات نفكر في شخص ما ونتفاجأ بأنه أتصل بنا في ذات اللحظة.

وأوضح أنّ قانون الجذب يسهم كثيراً في تشكيل حياة الإنسان ويمكن تعريف قانون الجذب بأنك تجذب لحياتك ماتفكر به، فالأفكار وحدها لاتكفي بل لابد أن ترفق بالمشاعر للحصول على ماتفكر به، كما لابد أن يكون جذبي لشيء إيجابياً، مؤكدا بأن من يريد تطبيق قانون الجذب عليه أن يعيش هذه المشاعر التي يشعر بها كأنها -حق- أما الأشخاص الذين يتمنون بإلحاح أشياء جميلة فلاتحصل؛ لأنهم كانوا يشعرون بخلاف مايتمنون، فعلى سبيل المثال من يتمنى أن يمتلك مليون ريال ويردد ذلك دائما ولكنه بالداخل يشعر بأن ذلك مستحيل أن يحدث فقانون الجذب يعمل مع المشاعر وليس مع التفكير، فمن لديه أمل بأن يتزوج بالفتاة التي يحبها لكنه يشعر بأن والده لن يوافق ثم تزوج بأخرى بعد ذلك، فذلك يدل على أن اليقين بعدم حدوث ذلك الزواج موجود منذ البداية، فقانون الجذب يعمل مع المشاعر.

زوجان لا يتطابقان

ورأى “د.ناصر العود” – مستشار اجتماعي ومختص في الخدمة الاجتماعية – بأنّ هناك الكثير من الحالات لأزواج وجد بأنهم لايتطابقان أبداً مع بعضهما، وكأنّ كل واحد منهما نقيض الآخر، إلا أنه يجد بأنّ أسباب استمرار الزواج بين هذين الزوجين هو وجود الاختلاف فيما بينهما، فحينما تكون الزوجة هادئة فإنها ستحسن التعامل مع زوجها العصبي، وكذلك حينما يكون الزوج غير منظم فإنه تأتي إليه زوجة تنظم له حياته لأنها نقيضه في الشخصية وفي ذلك نعمة كبيرة وخير، موضحاً بأن هناك من الأشخاص من تجد بأنه غير مقبول لك على الإطلاق حتى أنك لاتعرف كيف قبل به غيرك من الأزواج، وكيف يستطيع هذا الزوج العيش مع تلك الزوجة، وهذا يدل على أن الأرواح جنود مجندة ماتعارف منها ائتلف وماتناكر منها اختلف.

وأوضح أن هناك من الأرواح من تكون مشتقة من روح واحدة وقد تتوزع على أفراد مختلفين في الزمان والمكان، وحينما نلتقي بهم نشعر بأنهم يشبهوننا، أو ربما شعرنا بأننا ننسجم معهم، مختلفا مع من يذهب إلى ترجيح بأن الصورة الذهنية تستعدي مانتمناه في الشريك، حيث يرى بأن الزواج قسمة ونصيب ولكن لابد أن يكون مسبوقاً بالاختيار ووضع الخطوط العريضة فيما أرغب أن أتزوج بها، خاصة في ظل الظروف الاجتماعية المحيطة والتي أعطت لحياتنا صبغتها الخاصة في محيط الدول العربية بخلاف الدول الغربية، مضيفاً بأنّ الزوج والزوجة يجدان بعد الزواج صفات يقبلانها في الشريك وأخرى لايقبلانها وبعد ذلك يحدث الانسجام والتوافق والتكيف وفهم الآخر وربما الأخذ من صفاته التي لاتكون موجودة في الطرف الأول، مشيراً إلى أنّ الزواج في النهاية محطة يلتقي من خلالها طرفان للعلاج، فكلاهما جاء بجروح يطلب علاجها لدى الطرف الآخر فالزوج كانت لديه مشاكله مع أسرته وضغوطاته وكذلك المرأة فيتلقيان ليجدا العلاج في إطار الزواج.

الزواج العشوائي

وأكد “د.العود” على أنّ الزواج عمل مخطط من ناحية وقسمة ونصيب من جهة أخرى؛ إلاّ أنه لا يجب أن نعلق الأخطاء والنواقص بفكرة القسمة والنصيب أو اللجوء للزواج العشوائي دون تخطيط، وفي النهاية حب العشرة هو الأبقى وهو الزواج الذي يأتي بالتخطيط والعمل ومن نضع تصوراتنا عليه ثم تتشكل الحياة الزوجية المتينة بين طرفين، أما من يعلق فشل الزواج بالقسمة والنصيب فإنه يجد في ذلك هروباً من مسؤولية التخطيط المسبقة قبل الزواج، كما أنّ في ذلك وضع عوائق في إصلاح الطرف الآخر، وذلك خطأ كبير لابد من تجنبه، مشيراً إلى أنّ الإنسان عليه أن يضع الخطوط العريضة في الزواج، ثم يبحث عن قسمته ونصيبه في الزواج.

المصدر

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*