ليلى المزعل – الدمام
خلق الله سبحانه وتعالى الرجل والمرأة وجعل كل واحد منهما سكنًا للآخر، وكل واحد منهما منوطًا بتنمية علاقة الحب والمودة؛ حتى يبقى هذا الرابط قويًا ومتينًا لا تهزه رياح الأيام ولا تزعزعه نوائب الزمان.
وقد يعتري العلاقة الزوجية بعض الفتور والملل, تلك الآفة التي تصيب الحياة الزوجية بعد السنوات الأولى من الزواج، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على استسلام الزوجين لروتين الحياة اليومية؛ بسبب الأعباء المادية أو المعنوية. ومع بدء تسرب الملل للحياة الزوجية تبدأ المشكلة وتتفاقم، ومع مرور الوقت يفتش الزوجان عن طريقة للبحث عن السعادة المفتقدة.
وقد يقترح البعض تغيير أثاث المنزل، أو شراء قطعة ثياب جديدة، أو الذهاب إلى رحلة بعيدًا عن الحياة الزوجية التقليدية. ويرى آخرون أن الحل في إنجاب طفل جديد ينعش الحياة الزوجية ويضفي عليها مزيدًا من الحيوية؛ لكن الخبراء يضيفون حلًا آخر، هو “الانفصال الصيفي المؤقت”؛ أي يأخذ الزوجان إجازة من شريك حياته. فهل يساعد ذلك على انتشال الحياة الزوجية من ركودها؟ أم يصبح (صورة من طلاق مؤقت)؟
وقد التفتت بعض المجتمعات إلى هذه المشكلة في وقت مبكر؛ فلجؤوا إلى ما يسمى “الإجازة الزوجية”، حيث ينفصل الزوجان عن بعضهما لوقت معين لاسترجاع عواطفهما التائهة في زحمة الحياة، وكذلك لمراجعة النفس.
وقد حققت هذه الطريقة نجاحًا كبيرًا في استعادة السعادة الزوجية؛ تجنبًا للتصحر العاطفي. مجتمعنا الشرقي، هل يقبل بالإجازة الزوجية كفرصة لتجدد الحب والرومانسية؟ ومتى يلجأ إليها الزوجان؟ وهل تأتي بنتائج إيجابية؟
انفصال موقت
بداية، يؤكد خبراء العلاقات الزوجية أن “الإجازة الزوجية” تعني أن يأخذ كلا الزوجين راحة من الآخر ويبتعد عنه فترة قد تطول أو تقصر، قد تكون بالابتعاد لمدة يوم كامل، وقد تصل إلى شهور؛ موضحين أن هذا الانفصال المؤقت قد يثير مشاعر الفقدان وقلق الانفصال بين الزوجين، وبالتالي يثير مشاعر إيجابية تجاه الشريك الزوجي.
إضافة إلى إثارة أفكار إيجابية وواقعية حول الزوج والحياة الزوجية وتحمّلها وتحمّل مشكلاتها أثناء الانفصال أو بعده، خاصة إذا كانت الإجازة بعد مشكلة أو شجار حاد، وتأتي فائدتها في تهدئة النفوس وتخفيف درجة الغضب؛ مما يؤدي فيما بعد إلى بروز المشاعر الإيجابية تجاه الطرف الآخر والتفكير المنطقي بعيدًا عن الغضب والألم والجروح وأي مشاعر سلبية أخرى تودي بالحياة الزوجية والأسرية.
أمنية المتزوجين
(أبو محسن) يقول: ليس هناك رجل في العالم لا يتمنى أخذ إجازة من زوجته وأطفاله، ومن يقل كلامًا مغايرًا لهذا فهو غير صادق مع نفسه؛ فجميع الشباب بعد زواجهم بفترة قليلة -وقد تكون في أول سنة من زواجهم- يحن إلى حياة العزوبية وحياة الحرية واللامسؤولية، ويئن بينه وبين نفسه بتمني عودة الزمان إلى الخلف ويعيش العزوبية ولو ليوم واحد؛ فأنا أؤيد وبشدة هذه الإجازة وأعتبرها متنفسًا للزوج من أعباء الحياة، لكن لا أعتقد أن هناك امرأة ستقبل بهذه الإجازة، وستفتح باب الظن والشك؛ لذلك على الرجل أن يرضخ للأمر الواقع ويقبل بوضعه الراهن في القفص الذهبي الذي وضع نفسه فيه، ولكن هذا القفص الذهبي يتحول مع الأيام إلى قفص حديدي.
فيما يرى (فهيد عابد) أنه: لو نجح كل زوج وزوجة في منح نفسيهما فرصة للتفكير الهادئ بعيدًا عن الضغوط فستكون حياتهما الزوجية أفضل؛ لأن هذا هو الأسلوب الأمثل لاستمرار الزواج، ولا سبيل إلى الخروج من الملل وتجاوز الأزمات والخلافات إلا بالإجازات الزوجية؛ لأنها تجدد حياة الزوجين وتكسر جدار الملل والروتين.
أمر مرفوض
بينما ينوه (أبو صالح) إلى أن مسمى الإجازة الزوجية غير مقبول على الإطلاق في مجتمعنا المحافظ الذي جُبل على تحمّل الزوج مسؤوليات أسرته وبيته وزوجته طوال عمره وفقًا لتعاليم الدين؛ لذا فُرض على الرجل تحمل أعباء أسرته ما دام ليس هناك ما يحيل ذلك من مرض أو فقر أو أي ظرف آخر، وحتى في حال تعدد الزوجات على الزوج أن يكون كفؤًا ويراعي حرمات داره ويتابع شؤونهم كما قال الرسول الكريم: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”. أما سفر الزوجة لزيارة أسرتها وبقاؤها معهم لبعض الأيام في حال الغربة أو السكن في منطقه تبعد عن أهلها فهذا حق من حقوقها، ولكن بإذن الزوج؛ وأن يعطيها كامل نفقتها طوال المدة التي ستبقى في منزل أهلها؛ فالزوج مسؤول عنها وعن أبنائه حتى في حال غيابهم، وألا يعتمد أو يرمي بمسؤولياته على عاتق أهل الزوجة؛ فهذا الأمر لا يجوز شرعًا وينقص من شأن الرجل وشهامته.
حنين واشتياق
(تغريد التركي) تقول: أكثر ما يتيح لي ولزوجي أخذ هذه الإجازة الزوجية أن مسكن أهلي بعيد تمامًا عنا؛ لذلك أذهب إلى زيارتهم على فترات متباعدة وأظل مقيمة لديهم لأيام قليلة، أبتعد خلالها عن زوجي؛ فيشتاق كلانا للآخر ويبدأ زوجي في معرفة أهمية دوري في المنزل، وبذلك نجدد مشاعرنا ونصرف عن أنفسنا أي ملل يمكن أن نشعر به، ويتخلص كل منا من أعبائه ومسؤولياته ولو لأيام قليلة على مدار العام؛ وبذلك نحيا حياة زوجية يملؤها الحب والاشتياق وتقدير كل منا لمجهود الطرف الآخر وتضحيته.
بينما تشير (فائقة عبدالرحمن) إلى أن الإنسان بطبيعته سريع الملل، وأن الروتين يسبب له بعض الأمراض النفسية مثل الاكتئاب أو الانطواء؛ والحل الوحيد لتجنب هذه الأمراض هو التجديد في كل شيء وفي كل مجال، في الشكل وفي العمل وفي الدراسة وفي المنزل وفي الطعام؛ وحتى في الحياة الزوجية.
فالمرأة المتجددة دائمًا في شكلها وطباعها هي أكثر سعادة من المرأة الروتينية، كذلك زوجها يكون أقل مللًا من ذلك المتزوج من امرأة لا تسعى إلى التجديد. كذلك الزوج الذي يرفض الروتين ويحاربه يكون أسعد من الزوج الذي يستسلم إلى الروتين اليومي وإلى مسؤوليات الحياة وأعبائها؛ فالفرد المتجدد يسعد بحياته ويسعد من حوله؛ لذلك على الأزواج محاولة تجديد حياتهم ولو بتحديد يوم في الأسبوع يذهبون فيه إلى أحد المتنزهات فيجددوا نشاطهم ويبعثوا البهجة في نفوسهم ونفوس أبنائهم، وكذلك الرحلات الانفرادية لكلا الزوجين؛ فلا مانع أن يذهب الزوج مع شلته في رحلة إلى يوم أو يومين أو حتى أسبوع؛ حيث إن السبب الرئيس وراء انصراف بعض الأزواج عن زوجاتهم هو اعتيادهم على رؤيتهن باستمرار والتعود على الطباع التي كانوا يرونها مميزات لهن، بل واكتشاف كثير من العيوب الناتجة عن طول العشرة وتعود كل طرف على الآخر.
كذلك معظم الأمراض والحالات النفسية التي تصيب الزوجات مثل الاكتئاب وأمراض ضغط الدم تكون ناتجة عن إحساس الزوجة بإهمال زوجها لها وبأنها أصبحت شيئًا ثانويًا في حياته، كل ذلك ناتج عن الروتين والرتابة والتعود الناتج عن عدم ابتعاد الطرفين عن بعضهما لفترات طويلة؛ والحل الوحيد هو التجديد والقيام بإجازات بسيطة يبتعد فيها الأزواج عن بعضهم حتى يبعدوا أنفسهم عن الكآبة وحتى يجددوا المودة والحب والألفة بينهم.
تجنبوا المخاطرة
من ناحية أخرى، يحذر محمد شهاب، متخصص اجتماعي بمستشفى الدمام المركزي، من الابتعاد الطويل؛ تجنبًا لمخاطره؛ حيث يؤدي البعد عند البعض إلى مشاعر سلبية وكرْه، وإلى التعود على الحياة اليومية دون الشريك، كما أن بعض الشخصيات من الجنسين ومن حيث تكوينها ينطبق عليها مبدأ “البعيد عن العين بعيد عن القلب” وليس مبدأ “البعد يزيد القلب اشتياقًا”. إضافة إلى إمكانية حدوث علاقات جديدة عاطفية عابرة، وغالبًا ماتكون مزيفة أو سطحية؛ حيث يندفع الطرف الغاضب إلى إيذاء نفسه وشريكه بشكل مباشر أو غير مباشر بأن يبدأ علاقة عاطفية في فترة الإجازة الزوجية، محققًا بذلك رغباته بأن يكون محبوبًا غير منبوذ أو متروك، وأن أحدًا يهتم به وبمشاعره، وليس من المناسب من وجهة نظري تخلي الزوج عن مسؤولياته والتنصل عنها وعن مسؤولية الأبناء، وهي ليست من شيم الأخلاق. إلا في الحالات الاضطرارية كالدراسة والحالات الإنسانية كزيارة الأهل ومواساتهم في مصيبة ما أو مأساة ألمّت بأسرة الزوجة كمرض أحد أفرادها وفي الأحزان وحتى الأفراح، هنا على الزوج أن يضحي ويراعي ظرف زوجته، وأيضًا في حالات إصلاح ذات البين ينفع هذا الأسلوب لمراجعة النفس وتحكيم العقل والتخلص من مشاعر الغضب التي قد تعصف بالأسر، وعلى الزوجة ألا تطيل إجازتها الزوجية أكثر من يوم واحد أو يومين في بيت أهلها؛ فالضيافة في الإسلام مدتها ثلاثة أيام، ولكي لا تترك فرصة للشريك للتعود على بُعدها، ويفضّل أن يكون قرار الإجازة مشتركًا وبرضا الطرفين.
اكتشاف الشخصية
Leave a Reply