احذرن زميل العمل!

السؤال: أنا سيدة متزوجة منذ ثماني سنوات، ولديَّ طفلان، اكتَشفتُ أن زوجي لديه صورٌ فاضحة لسيدة بعينها كان يعرفها منذ مدة، وألاحظُ في تصرفاته أنه يعامِلُ السيداتِ من حوله بطريقةٍ تُشجِّعهم على إرسال رسائلَ نصيةٍ على الجوال ضد الطبيعي المتعارف عليه.

لقد صارحتُه، وحَلَفَ بأنه ليس في حياته أحدٌ آخر، إلا أنني لا أصدِّقه، ولكنه أبٌ حنون جدًّا، ويراعي اللهَ في أولاده، وأحيانًا أشعر أنه أحنُّ مني عليهم.

بدأت أشعر بفقدان الثقة فيه، وأني لا أستهويه كأنثى، وبدأتُ أشعر بمشاعرَ وأحاسيسَ تقرِّبني من أحد زملائي في العمل، وهو متزوجٌ هو الآخر؛ ولكنه غير متوافقٍ مع زوجته، حتى إننا الآن نعرف عن بعضنا كلَّ شيء، حتى أدق التفاصيل، وبيننا الكثيرُ من الطباع المشتركة.

أنا أعرف أن هذا جاء نتيجةَ الاختلاط في العمل؛ ولكني سأفقد رشدي قريبًا؛ فأنا لم أعُدْ أشعر بزوجي، ولا أرغب في معاشرته، ولا أريد أن أقعَ في بئر الخيانة، وعلى الرغم من عدم تحريض زميلي لي على أي شيء؛ بل على العكس هو ينصحني بالتروِّي، ويردِّد دائمًا: “لا تتركي زوجك لتتزوجي بآخر، وإنما اترُكيه لو شعرتِ باستحالة العشرة بينكما، حتى في عدم وجود أحد في حياتك”، ولكني لا أستطيع أن أحيده، وأشعر أن هناك شيئًا يُبعِدني أكثر وأكثر عن بيتي وأولادي، ونفس الشيء يدفعني تُجاه هذا الرجلِ، إلى حدٍّ جعلني أفكر في طلب الطلاق؛ كي أرتبطَ بهذا الشخص، فهل هذا يجوز شرعًا؟ ولو كان خطأً أن أترك زوجي من أجل رجلٍ آخر، كيف أتغلب على تلك المشاعر التي تملؤني؟

أرجوكم ساعدوني، أمي نصحتْني باللجوء إليكم؛ فأنا أعلم أن الحب حلال لو كان في إطاره شرعي، فهل طلاقي، وزواجي من الرجل الآخر شرعيٌّ؟ علمًا بأنها تُصرُّ على أن ما أشعر به من الشيطان، وأني لو انجرفتُ وراء مشاعري سأخسر أولادي، وأكون قد أجرمتُ في حقهم عليَّ كأمٍّ، وقد أخسر زوجي الجديدَ؛ لأنه لن يثقَ فيَّ أبدًا، وأن زوجته سوف تحوِّل حياتي جحيمًا، وأني سأكون بزواجي هذا قد ظلمتُها، وأحرقتُ قلبَها.

أستحلفكم بالله أن تعطوا هذه الرسالةَ أولوية؛ لأن نفسيتي سيئة للغاية، وبدأت أشعر بوعكات صحية من كثرة التفكير.

الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:

فإن ما وَقَعَ فيه زوجُك – على فرض صحَّته – ليس مبررًا لخيانتك له بالارتباط برجلٍ آخر، حتى وإن لم تكن الخيانةُ في الفراش حتى الآن، فإن ما تفعلينه خيانةٌ لحقِّ الله – تعالى – ونقضٌ لميثاقه – سبحانه – وتعدٍّ لحدوده، وخيانةٌ لحق الزوج الغافل، وتدنيس لشرفِه وعِرضِه، وخيانةٌ لأبنائك وأهلك وأسرتك وأبويك، وهدمٌ للميثاق الغليظ بينك وبين زوجك، وضياعٌ للأولاد، وخطوةٌ متقدمة للوقوع – عياذًا بالله – في الزنا.

فإن الله – تعالى – حذَّر المؤمنين الصادقين من مجرد مقاربة الزنا، وهو أبلغ من النهي عن فعله، ومبالغة في التحرُّز منه، فشمِل النهيُ جميعَ مقدماته ودواعيه؛ فإن: «مَن يرتع حول الحمى، يوشك أن يواقعه»؛ متفق عليه، فداعي الشهوةِ قويٌّ وعنيف؛ فالتحرز من المقاربة أضمنُ، وعند المقاربة من أسبابه لا يكون هناك ضمانٌ، فأخذ الإسلام الطريقَ على أسبابه الدافعة؛ توقيًا من الوقوع فيه، فحرَّم الاختلاط في غير ضرورة، والخلوة إلا مع ذي محرم، ونهى عن التبرج والخضوع بالقول الليِّن المتكسر في الكلام، وأمر بغضِّ البصر، وحضَّ على الزواج لمن استطاع، وأوصى بالصوم لمن لا يستطيع، إلى آخر وسائل الوقاية والعلاج؛ ليحفظ المسلمَ والمسلمة من التردِّي والانحلال.

وأما كيفية التخلص من هذه العلاقة الآثمة، فباستعمال الأدوية الناجعة الشرعية والعقلية، فإن الله – تعالى – ما قدَّر داءً إلا وقدَّر له دواء وعلاجًا، وما أمر – سبحانه – بشيء إلا أعان عليه، ودلَّنا على ما يُتَقوى به عليه.

وأول هذه الأدوية الناجعة: القطع الفوري لكل السُّبُل الموصلة بهذا الرجل، ومقاومة الداء بغلق أبوابه من النظر والحديث واللقاء، مع ترك العمل، أو الانتقال لمكان آخر ليس فيه اختلاط، إن كنتِ في حاجة للعمل، أو ما شابه، فإن علاقتك الآثمة المحرمة بهذا الشخص، هو ما يُبعِدكِ أكثر وأكثر عن بيتكِ وأولادك، ويدفعكِ تُجاهه.

ثانيًا: شغل النفس بالأعمال الصالحة، والتقرُّب إلى الله ما استطعتِ، وأعظم ذلك المحافظةُ على الفرائض كالصلاة، وارتداء الحجاب الشرعي، وغض البصر، والبُعد عن الاختلاط بالرجال؛ قال الله – تعالى -: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “مجموع الفتاوى”: “فأهلُ الإخلاص كما قال الله – تعالى – في حق يوسف – عليه السلام -: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]، فامرأة العزيز كانتْ مشركةً، فوقعتْ – مع تزوُّجِها – فيما وقعتْ فيه من السوء، ويوسف – عليه السلام – مع عزوبته، ومراودتها له، واستعانتها عليه بالنسوة، وعقوبتها له بالحبس على العفَّة – عصَمَه الله بإخلاصه لله؛ تحقيقًا لقوله: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 82، 83]، وقال – تعالى -: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42]، والغيُّ: هو اتباع الهوى، وهذا الباب من أعظم أبواب اتِّباع الهوى، وباب التعلق بالصور هو من جنس الفواحش، وباطنه من باطن الفواحش، وهو من باطن الإثم؛ قال الله – تعالى -: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام: 120]، وقال – تعالى -: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33]، وقال – تعالى -: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 28]”.

وقال: “وذلك أن المحب العاشق، وإن كان إنما يحبُّ النظر، والاستمتاعَ بصورة ذلك المحبوب وكلامه، فليس دواؤه في أن يعطيَ نفسَه محبوبَها وشهوتَها من ذلك؛ لأنه مريض، والمريض إذا اشتهى ما يضرُّه، أو جزع من تناول الدواء الكريه، فأخذتْنا رأفةٌ عليه حتى نمنعه شربه، فقد أعنَّاه على ما يضرُّه أو يهلكه، وعلى ترك ما ينفعه؛ فيزداد سقمه فيهلك، وهكذا المذنب العاشق ونحوه، هو مريض، فليس الرأفةُ به والرحمة أن يُمكَّنَ مما يهواه من المحرَّمات، ولا يعان على ذلك، ولا أن يمكن من ترْك ما ينفعه من الطاعات التي تزيل مرضَه؛ قال – تعالى -: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]؛ أي: فيها الشفاء وأكبر من ذلك.

بل الرأفة به أن يعان على شرب الدواء وإن كان كريهًا، مثل الصلاة وما فيها من الأذكار والدعوات، وأن يُحمَى عما يقوِّي داءه، ويزيد علَّتَه، وإن اشتهاه.

ولا يظن الظانُّ أنه إذا حصل له استمتاعٌ بمحرَّم يَسكن بلاؤه؛ بل ذلك يوجب له انزعاجًا عظيمًا، وزيادة في البلاء، والمرض في المآل؛ فإنه وإن سكن بلاؤه، وهدأ ما به عقيب استمتاعه، أعقبه ذلك مرضًا عظيمًا عسيرًا لا يتخلص منه؛ بل الواجب دفْعُ أعظم الضررين باحتمال أدناهما، قبل استحكام الداء الذي ترامى به إلى الهلاك والعطب، ومن المعلوم أن ألَمَ العلاج النافع أيسرُ وأخفُّ من ألم المرض الباقي.

وبهذا يتبيَّن لك أن العقوباتِ الشرعية كلَّها أدويةٌ نافعة، يُصلح الله بها مرض القلوب، وهي من رحمة الله بعباده ورأفته بهم، الداخلة في قوله – تعالى -: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، فمَن ترك هذه الرحمةَ النافعة لرأفةٍ يجدها بالمريض، فهو الذي أعان على عذابه وهلاكه، وإن كان لا يريد إلا الخيرَ؛ إذ هو في ذلك جاهلٌ أحمقُ، كما يفعله بعض النساء والرجال الجهَّال بمرضاهم، وبمن يربُّونه من أولادهم وغلمانهم وغيرهم، في ترك تأديبهم وعقوبتهم على ما يأتونه من الشر، ويتركونه من الخير؛ رأفة بهم، فيكون ذلك سببَ فسادِهم وعداوتهم وهلاكهم. ومن الناس من تأخذه الرأفة بهم لمشاركته لهم في ذلك المرض، وذوقه ما ذاقوه من قوة الشهوة، وبرودة القلب والدياثة، فيترك ما أمر الله به من العقوبة، وهو في ذلك من أظلم الناس، وأديثهم في حق نفسه ونظرائه، وهو بمنزلة جماعة من المرضى قد وصف لهم الطبيب ما ينفعهم…

فإنْ أصرَّ على النظر، أو على المباشرة، صار كبيرةً، وقد يكون الإصرارُ على ذلك أعظمَ من قليل الفواحش؛ فإن دوام النظر بالشهوة، وما يتَّصل به من العشق والمعاشرة والمباشرة، قد يكون أعظمَ بكثيرٍ من فساد زنًا لا إصرارَ عليه؛ وفي الحديث المرفوع: «لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار»؛ رواه ابن أبي الدنيا، بل قد ينتهي النظر والمباشرة بالرجل إلى الشرك؛ كما قال – تعالى -: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165]؛ ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله، وضعف الإيمان، والله – تعالى – إنما ذَكَرَهُ في القرآن عن امرأة العزيز المشركة، وعن قوم لوط المشركين، والعاشق المتيَّم يصير عبدًا لمعشوقه، منقادًا له، أسير القلب له”. اهـ، مختصرًا.

ثالثًا: الصبر، وهو مصارعة باعث العقل والدين، لباعث الهوى والنفس، والصبر شاقٌّ كريه على النفس، إلا أنه محمود العاقبة، وتحصيله ممكنٌ، ومن يتصبَّرْ يصبِّرْه الله، ومما يعين عليه تدبُّرُ ما يلي في البند الرابع.

الرابع: إدراك ما في علاقتك بهذا الرجل من الشرِّ المحض، والضرِّ العظيم، والنقص في الخُلق والدين، ولتتأملي – هداكِ الله – المفاسدَ المترتِّبة على الاستمرار – لا قدر الله – في تلك العلاقةِ من خسران الزوج والأولاد، وجلب العار لهم ولذويك، وقارني بينه وبين ما تظنِّينه مصلحةً من الانجراف وراء الهوى، والأنا، واحتمال بعيدٍ من الزواج بمن تحبِّين، ، بل هو كسراب بقِيعَةٍ، وإن تزوجكِ، فلن ينسى غدركِ بزوجك الأول، فالزواج ليس للشهوة وحسب، وهل يقول عاقل مسلم أو كافر: أن امرأة متزوجة ترتبط بعلاقة حب محرَّم برجل أجنبي، وتترك من أجله زوجَها وولديها، وتُغضب الجبارَ – سبحانه – وتعرِّض نفسَها للمكر والعقاب؟! قال – تعالى -: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} [الأنعام: 46]، وكيف تظنين بعد كل هذا أن يتزوَّجَك وهو قد شاهَدَ بعينه عدمَ وفائك لزوجك وأبنائك؟!

فعليكِ أن تَزِنِي الأمورَ بالشرع والعقل السليم، فالأم السوية قرَّة عينها في فلذات أكبادها وزوجها، فهل ستنعمين بالحياة الوارفة إذا ظفرتِ بالحبيب مقرونًا بخسارة الأولاد، ونزع الحب الفطري من قلوبهم تجاه أمهم؟! فمن وهبهم حبَّك قادرٌ على أن ينزعه ويبدله كرهًا، فاشكري ما أنعم الله به عليك من سترٍ حتى الآن، ولا تتمادَي فيفضح أمرك (ولاتَ حينَ مندم)؛ قال الله – تعالى -: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41].

الخامس: تقوية العزيمة الصادقة، والهمَّة العالية، والنخوة والمروءة الإنسانية.

وراجعي فتوى: “علاقة المتزوج بالمتزوجة”. واللهَ نسأل أن يلهمك رشدك، ويعيذك من شر نفسك،، والله أعلم.

المصدر: الشيخ خالد عبد المنعم الرفاعي

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*