شكوى عامة تشتكى منها غالبية عظمى من النساء المتزوجات، خاصة ربات البيوت؛ وغالبا ما تؤثر مثل هذه الأفكار على سلوكيات الزوجة وعلى علاقتها بزوجها مستقبلا؛ ومن أهم مظاهر الإهمال التي تراها الزوجة:
-
قضاء الرجل وقتا طويلا في عمله، وعند عودته إلى البيت لا يقوى إلا على الأكل ثم النوم.
-
قضاؤه أوقاتا طويلة مع أصدقائه أو مع أهله أو في أسفاره؛ حتى في فترات التواجد داخل البيت هناك ضعف في التواصل بين الزوجين؛ فالحوار قليل ويدور غالبا حول متطلبات الأسرة الضرورية.
ولهذه الظاهرة أسباب نفسية وعاطفية، فضلا عن الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي جعلت الرجل يدور في فلك العمل المتواصل من أجل توفير المتطلبات الرئيسة للأسرة. وأضع بين يدي المرأة بعض الوسائل العملية والتي من الممكن أن تساهم للحد من هذه المشكلة التي تسرى في أسرنا مسرى النار في الهشيم؛ في محاولة للتقليل من أثرها على الحالة النفسية للمرأة:
أولا: تقبل الخلاف.
قال الله تعالى على لسان امرأة عمران “وليس الذكر كالأنثى”. إن الاعتقاد بوجود اختلافات جوهرية وفطرية بين جنس الرجال بوجه عام وجنس النساء بوجه عام يفسر إلى حد كبير ضعف هذا التواصل؛ حتى وإن طالت فترة تواجد الرجل في البيت، فالرجل يحترم القوة والكفاءة والفاعلية والإنجاز؛ فهم يشعرون بالإشباع عن طريق النجاح والإنجاز ويشعرون بتحقيق الذات بواسطة قدرتهم على تحقيق النتائج. كل شيء في حياتهم يعكس هذه القيم، وعلى هذا الأساس يعتقد الرجل أنه طالما أنه يعمل كي يوفر ما تحتاجه الأسرة (ماديا) فإنه بذلك قد أدى المطلوب منه على أكمل وجه!
وهذه سمة غالبة على أغلب الرجال، وتتفاوت درجتها من رجل إلى آخر حسب تربيته وخبراته وطبيعته العاطفية وأفكاره وطموحاته.
وللنساء قيم مختلفة، فهن يقدّرن الحب والتواصل والجمال والعلاقات. إنهن يشعرن بالإشباع بالمشاركة والتواصل، وتتفاوت أيضا درجة هذه القيمة من امرأة إلى أخرى.
وتتعقد المشكلة بشكل أكبر حين يكون الرجل طموحا وعمليا إلى أقصى الدرجات والزوجة في أقصى درجات العاطفية والرومانسية، ليست لها أي طموحات مادية أو عملية؛ بل كل طموحاتها وأهدافها الزواج والإنجاب وإنجاح تواصلها مع زوجها وأولادها؛ فهي تشعر بنجاحها إذا حققت هذا التواصل مع زوجها ومع أبنائها؛ فالمرأة المادية تسعد بنجاح زوجها وتشجعه لأنه سيجلب لها المزيد من الطلبات المادية، والمرأة العاملة تنشغل بتحقيق طموحاتها الشخصية في مجال عملها؛ ولذلك لا تشعر بالمشكلة بشكل كبير.
وعندما تتفهم المرأة هذا الاختلاف وتتعامل معه بموضوعية ستتوقف تلقائيا الأفكار السلبية التي تسيطر عليها وتشعرها أنها مهملة.
ثانيا: إعادة بناء الذات.
بحيث يكون الزوج والأبناء أهم الاهتمامات وليس كل الاهتمامات. لا بد أن تسال الزوجة نفسها “من أنا؟”، ولا بد أن تكون لديها إجابة واضحة ومحددة؛ فلا يكفي أن تقول “أنا زوجة فلان” أو تقول “أنا أم فلان”. لا بد أن تحدد لها رسالة ورؤية تحدد بها هويتها وموقعها، ليس داخل أسرتها فقط؛ بل في مجتمعها.
ولكن، للأسف الشديد، تقع كثير من النساء المتزوجات في خطأ الذوبان في الحياة الزوجية؛ مما يبرمج عقلها أنها لم تعد إلا جزءًا من كيان زوجها، فتنصب عليه كل اهتماماتها؛ فهو الروح التي تجعلها تشعر بالحياة وهو الإنسان الوحيد الذي تشعر معه بالسعادة ويصبح هو كل حياتها بمعنى الكلمة.
هذه وإن كانت مشاعر رائعة وأحاسيس جميلة لكنها غالبا ما تصيب المرأة بالإحباط الشديد والتعاسة؛ لأنها غالبا لا تجد مقابلا لهذا الفناء في ذات زوجها؛ فهو إن كان كل شيء بالنسبة إليها فهي بالنسبة إليه في آخر القائمة، وأعتقد أن الحل أن تضع زوجها وأبناءها كأولى الأولويات وليس كل الأولويات؛ بحيث يكون للزوجة اهتمامات أخرى هي من صميم حياتها وليست مجرد تسلية لوقتها لحين عودة الزوج.
لا بد أن تهتم المرأة بتنمية نفسها إيمانيا وأخلاقيا وجسديا وعقليا ونفسيا، ولكل واحدة من هذه المجالات وسائل متعددة؛ أن تهتم بالتعرف على مواهبها وقدراتها وأن تعمل على تنميتها ثم لتبحث لها عن دور إيجابي في مجتمعها مستغلة هذه المواهب والقدرات، وأخص بالذكر المرأة ربة البيت التي لا تعمل وتعتقد أنها تعيش لزوجها وأبنائها فقط.
إني أرى بعض الأمهات يبكين حالهن بعدما كبرن وكبر أبناؤهن وتزوجوا وتركوهن، كلّ مشغول في حياته وتجلس الواحدة منهن في انتظار الموت الذي لا يأتي؛ فقد أدت كل واحدة رسالتها وتشعر أنه لم يعد لها قيمة في الحياة أو يشغلن أنفسهن بالتدخل في شؤون أبنائهن؛ ما يجلب المشاكل ويزيد من رفضهن من قبل أبنائهن.
بخلاف أمهات أخريات كانت لهن اهتمامات وأدوار، وبعد تأدية رسالتهن الأساسية تفرغن لتحقيق أهدافهن وتكملة رسالتهن؛ فهذه داعية، وتلك أديبة، وثالثة مديرة مشروع خيري، ورابعة محفظة قرآن، وخامسة صاحبة مركز للخياطة والتطريز؛ فإلى أي مآل تحبين أن تكوني؟! ابدئي بإعداد نفسك من الآن؛ فالأيام تمر.
ثالثًا: إعادة بناء الاعتقادات والأفكار التي تؤثر على علاقتها بزوجها.
كثيرة هي الاعتقادات التي تؤثر سلبا على حياتك الزوجية، وهذه الاعتقادات تُبنى نتيجة تفسير خاطئ للمواقف. هذه التفسيرات ترمينا بسهام من الأفكار السلبية التي تضفي علينا حالة من الكآبة والحزن الشديد، وبالتكرار تتحول الأفكار إلى اعتقادات راسخة تظهر على السطح كلما حدث موقف جديد.
مثلا: عندما يتأخر الزوج في عمله ولم يتصل ليعتذر (موقف) تبدأ الأفكار السلبية (إنه لا يحترمني، إنه يهملني، يعاملني كقطعة أثاث، لم يعد يحبني، إنه لا يقدر مشاعري وقلقي)، ويستمر عمل الشيطان في توليد (الأفكار) التي تأكل في العقل والقلب، ومع تكرار المواقف الدالة على نفس الفكرة يتحول الأفكار إلى (اعتقاد لم يعد يحبني)؛ وأفضل حل للسيطرة على مثل هذه الأفكار هو قطع توالدها من البداية وتبديلها بأفكار إيجابية تلتمس له العذر: (يمكن مشغولأ وغافلا عن الساعة، يمكن الجوال غير مشحون، ممكن التليفون معطلا، ممكن يكون معه أشخاص محرجا يتصل أمامهم، ممكن السيارة تعطلت)؛ وهكذا تكون محاربة الأفكار السلبية التي تعمل كمعاول هدم في بناء أسرنا.
رابعا: بناء القدرة على الإفصاح الآمن عن المشاعر.
الكثير من النساء ليست لديهن القدرة على التعبير عن مشاعر الاستياء؛ لأسباب عديدة، منها الخوف من غضب زوجها أو استيائه، وأخريات يعبرن عن مشاعرهن ولكن بأسلوب خاطئ يشعر الزوج فيه بالإهانة؛ فتثير غضبه وتتحول المناقشة إلى شجار. كما تتميز أغلب النساء بعدم قدرتهن على الطلب الواضح العملي.
فعندما تكون المرأة منفعلة فتبدأ بوابل من الاتهامات والنقد واللوم الذي يثير حفيظة الزوج غالبا فينبري للدفاع عن نفسه أو يلوذ بالصمت؛ تجنبا لحدوث الشجار، مما يصيبها بالمزيد من الإحباط والاستياء وينتهي الوضع إلى خلاف.
ولكن، كيف يكون التعبير الأمثل عن مثل هذه المشاعر السلبية؟!
-
حددي الهدف. الهدف هو التعبير عن مشاعرك وأن يفهم الزوج هذه المشاعر، وبالتالي يحاول إصلاح ما فسد أو ينتبه في المرات القادمة والمناسبات القادمة.
-
التهدئة. لا بد أن تحاولي تهدئة نفسك؛ فلا تبادري إلى الحديث إلى زوجك وأنت منفعلة، حتى وإن مرت أيام على ذلك. حاولي تهدئة نفسك بترديد: “إنه يتفانى في عمله ليعبر عن حبه بطريقته”، وبتأكيد هذه القناعة؛ فالحديث الهادئ يؤتي نتائج فعالة مع الرجل أكثر من الحديث المنفعل.
-
الإعداد الجيد لطريقة عرض الموضوع الذي أثار أفكارك (إنه مهملك)؛ فاحذري من اللوم أو النقد.
-
لا تقولي “أنتَ فعلت كذا”؛ فكلمة (أنت) تثير حفيظة الرجل وتشعره أنه في موقع اتهام؛ فلا بد أن يدافع عن نفسه. ولكن، قولي “أنا تضايقتُ جدًا في هذا اليوم ولم أستطع النوم، كنتُ قلقة من عدم اتصالك وتأخيرك”. عبري عن مشاعرك أنتِ واحذري من قول “أنتَ”، لا تصدري أحكاما عامة أو أحكاما شخصية (مثلا: أنت دوما تهملني، أو أنت أناني لا تحب إلا عملك ونجاحك) فهذه الكلمات التي تضفي على حديثك النقد لشخص الرجل تجعله أيضا يهب للدفاع عن نفسه.
-
كوني محددة في طلباتك بشكل عملي؛ فلا تقولي إنك متضايقة وحزينة ومحبطة ثم لا تقدمي حلولا عملية، فالرجل غالبا ما يسألك في آخر الكلام: “ماذا تريدين؟”، وغالبا لا تجيب النساء؛ لأنها تشعر أنه لم ولن يفهمها؛ لذلك فإن أي تصرف ينم عن الإهمال لا بد أن تعرضيه بلباقة وذكاء في كلمات قليلة واضحة ومحددة (مثلا: أنا شعرت بالقلق الشديد نتيجة تأخيرك، من فضلك اتصل بي إن كنت ستتأخر مرة أخرى. أو أشعر بالضيق عندما تتركني وحدي وتذهب مع أصدقائك، أرجو أن تعوضني عند عودتك بحديثك معي عن الوقت الذي قضيته معهم).
خامسا: الإعداد الجيد لأوقات تواجد الزوج في المنزل.
تنتظر المرأة قدوم زوجها من عمله، وتشعر بسعادة غامرة حين يجلس في البيت؛ لكنها لا تلبث أن تصاب بالإحباط حين تشعر أن تواجده هو تواجد جسدي فقط، فهو يجلس وفي يده (الريموت) ليقلب في القنوات الفضائية من أخبار إلى مباريات كروية إلى أفلام سينمائية، أو يجلس وفي يده جريدة يقلبها يمينا ويسارا ويقرأ كل سطر فيها حتى صفحة الوفيات، أو يجلس وفي يده بعض الأعمال المتأخرة، ويتزايد إحساس الزوجة بالإهمال مع تكرار هذا المشهد الصامت وتبدأ الأفكار السلبية في التلاعب بها.
وأنا دوما أتساءل:
-
لماذا لا تبادر الزوجة بالإعداد لتواجد زوجها في البيت؟
-
لماذا لا تبدأ بالحديث وتقطع هذا الصمت بالمبادرة بالحديث فيما يهمه وما يشغله؟
-
لماذا لا تعد أوقاتا رومانسية يمكن أن تكون رائعة؛ فتتجهز بالزينة والشموع والطعام المحبب إلى نفس زوجها وتبادر بإضفاء جو جميل على هذا الوقت؟
-
لماذا لا تعدّ لنزهة ليلية؛ بحيث لا تكلف زوجها أي إجهاد مادي أو معنوي كنوع من التغيير؟
-
لماذا لا تُعدّين ليوم مع الأولاد يشمل ألعابا ومسابقات لتساعدي زوجك على الاستمتاع بمشاعر الأبوة بدلا من إحساسه بالمسؤولية المثقلة؟
عزيزتي الزوجة، إنها سعادتك؛ لماذا لا تدافعين عنها وتتمسكين بها وتحاربين من أجلها؟
قد تجدين في البداية رد الفعل فاترا أو رافضا، خاصة بعد طول أمد الزواج؛ ولكن مع إصرارك ومع دعائك وتوكلك على الله ورغبتك الحقيقة في إسعاد زوجك وإسعاد نفسك وإسعاد أسرتك يبارك الله تعالى في أوقات مهما كانت قليلة فتكون هي أوقات ينتظرها الزوج، وقد يستغني بها عن أوقات يقضيها مع أصدقائه ويطلبها؛ لأنه يشعر بأنها أجمل لحظات العمر.
عزيزتي الزوجة، إنها حياتك، أسرتك بين يديك، بيدك أن تجعليها روضة من رياض الجنة وبيدك أن تجعليها حفرة من حفر النيران.
Leave a Reply