السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أخي الرجل، هل تبغـض زوجتك؟
إذًا؛ لا تطلـقـها!
كثيراً ما يتشكي البعض من الرجال من بغضه لزوجته ، وأنه لا يستطيع أن يواصل معها حياته الزوجية لأسباب متعددة.
وقد يكون من أحد هذه الأسباب ، عدم وجود الميل القلبي والمحبة ، وهذا الأمر بلاشك لا يستطيع أن يملكه ، أو أن يتحكم فيه .
وما يروى عن ” الشيخ أبو محمد بن أبي زيد ” ، أنه كان من أهل العلم والدين ، وكانت له زوجة سيئة العشرة، وكانت تقصـّر في حقوقه ، وتؤذيه بلسانها ، فيقال له في أمرها ، وُيعذل بالصبر عليها ! فكان يقول: “أنا رجل قد أكمل الله علي ّ النعمة ، في صحة بدني ومعرفتي وما ملكت يميني ، فلعلها ُبعثت عليّ عقوبة على ذنبي، فأخاف إن فارقتها ،أن تنزل عليّ عقوبة هي أشد منها “
يقول الله تبارك وتعالى: [ وإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ] 19 النساء .
فما ظنك بربك وهو يعدك ويمنيك بالخير الكثير ، إن صبرت على أمر تكرهه؟ أين ذلك من حسن الثقة ، وتمام الإيمان بالله؟
يقول ابن الجوزي رحمه الله في تفسيره للآية: “ندبت الآية إلى إمساك المرأة مع الكراهية لها ، ونبهت على معنيين: أحدهما : ان الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح ، فرب مكروه عاد محمداً ، ومحمود ٍ عاد مذموماً. والثاني أن الإنسان لا يكاد يجد إنساناً ليس فيه ما يكره ، فيصبر على ما يكره لما ُ يحب .
وأنشدوا في هذا المعنى :
ومن لم ُ يغمض عينه عن صديقه … وعن بعض ما فيه يَمُتْ وهو عاتِـبُ
ومـن يـتـتبع جـاهـداً كل عـثـرة ٍ … يجدهـا ، ولا يسلم له الدهـر صاحبُ
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا يفرك مؤمن من مؤمنة ، إن كره منها ُخلقاً ، رضي منها آخر ” أو قال غيره؛ أي لا تبغضها بغضاً كلياً يحملك على فراقها. بل إنه لا ينبغي لك ذلك ، بل عليك أن تغفر لها سيئتها لحسنتها ، وتتغاضى عما تكره لما تحب. والفـِرك هو بغض الزوج لزوجته، والفارك هو المبغض لزوجته.
ومن هذا المعنى ، قول الرضي:
رمت المعـالي فامتنعـن ولم يزل … أبداً ، يمانـع عاشـقـاً معشـوق
فـصبرت.. حتى نلتهـنّ ولم أقـل … ضجـراً دواء الفـارك التطليق
فلا ينبغي للرجل أن يبغض زوجته إن رأى منها ما يكره؛ لأنه إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر ، فيقابل هذا بذاك.
قال عمر بن الخطاب لرجلٍ طلق امرأته :
” لم َ طلقتها ؟ “
قال : ” لا أحبها “
فقال: “أوكل البيوت بني على الحـب ؟ فأين الرعاية والتذمـم؟”، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن المرأة ُخلقت من ضلع ، وإنك إن ُترد إقامة الضلع تكسرها ، فدارها ، تعش بها”، رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 2/163).
وقال عليه الصلاة والسلام: إن المرأة خلقت من ضلع، ولن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها ، استمتعت بها وبها عوج ، وإن ذهبت تقيمها كسرتها ، وكسرها طلاقها”، رواه مسلم.
ومعنى خلقت أي أخرجت كما تخرج النخلة من النواة ” من ضِلع”، أي أنك إذا أردت منها تسوية اعوجاجها ، أدى ذلك إلى فراقها ، فهو ضـْرب مثل للطلاق.
وينبغي للرجل أن يصبر على إعوجاج هذا الضلع ، والعجيب أن أعوج شيئ في الضلع ، هو أعلاه ” لسانها”؛ فلذلك لن يتأتى للرجل الانتفاع بزوجته إلا أن يداريها ، ويلاطفها ، ويوفيها حقها.
وقد قال أحدهم:
هي الضلـع العـوجاء لست تقيمها … ألا أن تـقـويم الضلوع انكسارها
تجمع ضعـفاً واقتداراً على الفـتى … أليس عجيباً ضعفهـا واقتدارهـا ؟
ولكن، مما ينبغي الإشارة إليه في هذا الموضع أن الرجل مطالب ألا يترك اعوجاج زوجته إذا تـعـدت ما ُطبعـت عليه من النقص ، إلى ارتكاب المعصية ، أو ترك واجب من واجبات دينها؛ إنما يتركها على اعوجاجها في الأمـور المباحة، وينبغي للزوج أن إذا لم يشعر بميل قلبي نحو زوجته ، أن يتكلف التحبب إليها بأكثر مما يجده لها في قلبه.
فإن التـطبع يصير طبعا ، وكما قالت أخت هارون الرشيد: “تحبب ، فإن الحـب داعـيـة الحـب”؛ وتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: [إني أحّرج عليكم حق الضعيفين : اليتيم ، والمرأة ] صحيح الألباني 1015، وحسبك أن الله تعالى جعل المرأة ، من الله ، ومنته على الرجل ، وجعل المودة والرحمة والألفة عقدة صلة بينهما ، كما في قوله تعالى: [ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ] سورة الروم الآية 21.
وبعد، فليعلم الرجل، أنه لم يخلق من النساء على صفة الكمال؛ إلا أربع، وهـنّ: آسيا زوجة فرعون، ومريم ابنة عمران، وأم المؤمنين خديجة، وفاطمة ابنة محمد صلى الله عليه وسلم؛ وبالتأكيد أن زوجتك ليست منهن .. فلا تطلق زوجتك .. وابق عليها.
وتذكر أن “لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم” هي من كنوز الجنة… جعلني الله وإياك من أهلها.
Leave a Reply